إستنكر الأستاذ الدكتور الحسينى محمد الفقى أستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر وخطيب مسجد النور بمنطقة الحناوى بالزقازيق ما أطلقه بعض المتشدددين من فتاوى تحرم تهنئة غير المسلمين فى أعيادهم معللين ذلك بأنه إقرار ضمنى بأنهم على صواب فى معتقدهم وأن عقيدتهم هى الحث ويستدلون على ذلك بأدلة ثلاثة من القرآن والسنة دون فهم تلك الأدلة على الوجه الصحيح . أما الدليل الأول فهو قوله تعالى : "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" (سورة المائدة - آية 51) ، وأما الدليل الثانى فهو قوله تعالى : "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" (سورة آل عمران – آية 73) ، وأما الدليل الثالث فهو قوله صلى الله عليه و سلم : "إذا مررتم على اليهود فلا تلقوا عليهم السلام وألجئوهم إلى أضيق الطرقات " .
والفصل فى هذه الأدلة ما أفتى به السادة العلماء الأجلاء كفضيلة المفتى و شيخ الأزهر والدكتور يوسف القرضاوى بأن عدم التهنئة لون من التشدد و التعصب الذى لا يعترف به الإسلام الذى يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
وأما عن شبهة الدليل الأول فالمستدل به لم يفطن إلى نوعية المتحدث عنهم وهم اليهود و النصارى الذين يحاربوننا ، فهؤلاء لا موالاة لهم ولا صداقة معهم بدليل قوله تعالى : "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" (سورة الممتحنة – آية 9) أما لو عاشوا بيننا فى سلام وأمان فعندئذ تجب الموالاه لهم والبر بهم شرعا بدليل قوله تعالى : "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" (سورة الممتحنة – آية 8) .
وأما عن شبهة الدليل الثانى فالمستدل به لم يفطن أيضا إلى كونه مجرد حوار بين طائفة من اليهود و النصارى ، لما دخل بعضهم فى الإسلام اتفقوا فيما بينهم على خطة ماكرة وهى أن يدخلوا مثلهم فى الإسلام فى أول النهار ثم يكفرون فى آخر النهار حتى يشككوا فى العقيدة لعل الذين دخلوا منهم فى الإسلام يرتدون عن هذا الدين ، ثم يستمر حوارهم فيما بينهم بعدم الأمان إلا لمن اتبع عقيدتهم زاعمين أن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ليس بنبى وبالتالى فلا هداية على يديه ، وعندئذ رد الله عليهم بأن الهداية لا تكون بسبب نبى ولا رسول ولا ملك ، وإنما المصدر الحقيقى لها هو الله ، وبهذا يتضح أن الحوار لا دخل للمسلمين فيه ، وإنما هو حوار بين طائفة من اليهود و النصارى ، والدليل على ذلك قوله تعالى : "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله" (سورة آل عمران – الآيتان 72 ، 73) .
وأما عن شبهة الدليل الثالث فالمستدل به لم يفطن إلى ورود الحديث الشريف فى مناسبة خاصة ولفئة معينة من اليهود ، وليس عاما لجميع اليهود كما يزعم .
لقد كانت هذه الفئة تلقى التحية على الرسول صلى الله عليه و سلم بقولها (السام عليك يا محمد) وتعنى الموت والهلاك ، ولما علم منهم ذلك حذر أصحابه من هذه الفئة فقط دون غيرهم فكان الحديث خاصا بفئة معينة وليس عاما .
وخلاصة الأمر أن التهنئة لهم جائزة شرعا كدليل واقعى على سماحة الإسلام الذى يدعونا إلى حسن الخلق مع الناس كافة ، ومع هؤلاء بخاصة ، والإسلام لم ينتشر إلا بحسن الخلق بالأدلة الآتية :
أولا: قال الله تعالى : "وقولوا للناس حسنا" (سورة البقرة – الآية 83) هكذا بالإطلاق و العموم لكل الناس مسلمين و غير مسلمين على حد سواء .... ثانيا: من حسن الخلق قبول الرسول صلى الله عليه و سلم الهدايا من الملوك غير المسلمين مثل المقوقس فى مصر و قيصر فى الروم و كسرى فى الفرس .... ثالثا: من حسن الخلق سماح الرسول صلى الله عليه و سلم لوفد نصارى نجران الذى أقبل عليه ودخل مسجده الشريف بالمدينة المنورة ، ولما أراد الوفد أن يصلى الصلاة الخاصة به فى المسجد الشريف لم يمنعه صلى الله عليه و سلم من ذلك .... رابعا: من حسن الخلق قيامه صلى الله عليه و سلم ووقوفه أثناء مرور جنازة يهودى ولما سأله أصحابه قال : أوليست نفسا الخالق لنا ولها هو الله ..... خامسا: من حسن الخلق وصاياه للقادة و الجنود فى الغزوات ألا يقتلوا طفلا ولا شيخا ولا امرأة ، وألا يهدموا معبدا ، وألا يقطعوا شجرا .... سادسا: من حسن الخلق ما حدث من سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما فتح بيت المقدس وحان وقت صلاة الظهر ، ولما عرض عليه البطريرك أن يصلى فى الكنيسة التى دخلها رفض عمر قائلا : أخشى إن صليت فيها أن يأتى أناس من بعدى فيهدمونها ويبنون مكانها مسجدا ويقولون هنا صلى عمر .... سابعا: من حسن الخلق معاتبة الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه للقاضى شريح الذى نصر عليه خصمه اليهودى وعندئذ عاتبه الإمام ليس على نتيجة الحكم ولكن على التفرقة فى أسلوب التعامل بينه و بين خصمه اليهودى حين ناداه القاضى بلقب أمير المؤمنين ونادى على اليهودى باسمه مجردا من أى لقب ، وعندئذ كانت المفاجأة التى تعجب منها الخصم حيث قال : عجبت من قاض ينصر عدوه على حبيبه ، وعجبت من خصم يعاتب حبيبه من أجل عدوه ، دين بهذا العدل وشخصيات بهذا الخلق ... أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
ودعا الفقى الجميع إلى ضرورة الاتعاظ بهذه المواقف وأن يحصن كل منا نفسه بالاطلاع و القراءة فى التفاسير و الأحاديث الشريفة من المراجع الموثقة ولا يبالى بمقولة موشى ديان الإسرائيلى : (إن العرب لا يقرءون ، وإذا قرءوا لا يفهمون ، وإن فهموا لا يعملون) ، ونرد عليه هو ومن نهج نهجه بالآية الكريمة "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" (سورة الكهف – الآية 5) ، فنحن خير أمة أخرجت للناس وحسبنا شرفا أننا أمة (إقرأ) وأن أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى : "إقرأ باسم ربك الذى خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذى علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم" (سورة العلق – الآيات 1:5) .
فيما تناول الجزء الثانى من الخطبة الحديث عن التفجيرات الإرهابية وما يظنه بعض الأشخاص خطأ فى أن الواحد منهم إن قام بعملية تفجيرية أو انتحارية فهو مجاهد فى سبيل الله إن عاش وشهيد إن مات، مشيرا إلى أن ذلك ليس من الإسلام فى شئ وأن الحكم الشرعى الذى أجمع عليه أهل العلم أنه إن قام شخص بتفجير مكان عن بعد باستخدام عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة مثلا وتسبب فى إراقة الدم يطبق عليه حد الحرابة وهو القتل فى الدنيا وله فى الآخرة عذاب عظيم، أما إن وقعت العملية التفجيرية عن طريق قيام شخص بارتداء حزام ناسف ومات فيزيد على ذلك أنه مات كافرا لأنه مات منتحرا .
وأضاف الفقى أن الجهاد فى سبيل الله يكون فى مواجهة من يحاربون الله ودينه وليس أهل الوطن الواحد كما نرى، بحيث لا ينبغى أن نوالى من يحاربوننا ويغتصبون أرضنا كيهود الكيان الصهيونى وأن نبعث إليهم بخطاب مودة نقول فيه "صديقى العزيز" فى إشارة منه إلى خطاب المعزول محمد مرسى الذى بعث به إلى شيمون بيريز أيام حكمه .