سمير زاهر ليس وحده. التضليل في مصر، أسلوب شائع. الحكومة مثلاً بدلاً من الاعتراف بالخطأ في إدارة ملف مياه النيل، أخرجت من مخازنها نظرية المؤامرة، وأرادت بها أن تحشد الشعب الذي تمنعه من ممارسة حقوقه السياسية، وتريده فقط علي هيئة حشود مضللة تتصور أن إسرائيل سرقت النيل. التضليل يعتمد أولاً علي صناعة عدو، واللعب علي فكرة أن مصر ضحية، وهي فكرة تدوخ الشعب وتداعب عنده شعوراً ما بالمجد الضائع. هذا اللعب يعمي عن الحقيقة، وهو ما يحدث في أزمة النيل التي لم تحدث بسبب المؤامرة الإسرائيلية، وإنما للفشل في نسج علاقات مع دول الحوض الأفريقي. وهذا ما يتكرر بشكل ما مع ملف المونديال، الذي خرجت فيه حملة غوغاء مهوَّسة بفكرة : أن هناك مؤامرة علي مصر، هذه المرة من الجزائر. لم يعلن اتحاد كرة القدم ولا أجهزة الأمن حقيقة الطوبة إلا بعدما خرج الموضوع عن قدرات المسئولين المصريين وفقدوا القدرة علي التضليل. تعطلت موهبة التضليل التي ضحك فيها اتحاد الكرة وأجهزة الأمن علي شعب كامل. الشعب المصري ضحية عملية تضليل كاملة الأوصاف، وفي كل مرة تخرج زفة المؤامرة، ويعثر المضللون علي عدو يلبس القضية، ويعمي عن الحقيقة. وهكذا وفي عملية تضليل خفيفة. أراد اتحاد الكرة التعمية بتصعيد قصة شوبير، هاج أعضاء الاتحاد، وقدموا بلاغات للنائب العام، وتحرك وزير الإعلام سريعاً، واكتملت صورة شوبير كعدو خائن للوطن...( هاني أبو ريدة.. كان مرشحاً لموقع العدو، إلا أن ظهور شوبير وروايته لقصة عضو اتحاد الكرة الذي حرض الجماهير علي الطوبة...سهلت مهمة التضليل). هي نظرية التضليل بحذافيرها التي ضحك فيها سمير زاهر واتحاده وأجهزة الشطار المصريين عندما اخترعوا سيناريو هابطاً اتهموا فيه لاعبي الجزائر بتحطيم الأتوبيس ووضع كاتشب علي رؤوسهم. إنها نظرية المؤامرة التي غطي بها المسئولون في مصر علي الفشل، ولكنها هذه المرة قوبلت بمشاعر الصدمة، قال الجزائريون: لماذا يريد المصريون تصويرنا علي أننا متآمرون؟ لماذا لم يحققوا وخدعونا؟ الخديعة سجلت بالصوت والصورة بكاميرات التليفزيونين الفرنسي والألماني التي لم يعرف المسئولون في مصر أنهم كانوا بصحبة الوفد الجزائري. هذه هي الحقيقة التي ضُلل فيها شعب كامل، حرك فيها المضللون «الشوفينية» أو التعصب الأعمي، ليداروا علي الهزيمة الكروية والفضيحة الإدارية. ولأن المضلل عاجز عن التفكير فإن سمير زاهر واتحاده لم يعرفوا تجهيز ملف اعتداء جماهير الجزائر علي الجمهور المصري في أم درمان. القصة أكبر من سمير زاهر. والتضليل ... من أزمة النيل إلي أزمة الجزائر إشارة إلي فشل أكبر، وقيم تهدر باسم الوطنية. وهي وطنية مشوهة..تستخدم فقط لخداع الرأي العام. وبدون ثقافة المحاسبة، وإعلان الفشل، لن تخرج مصر من الثقب الأسود الذي سقطت فيه.