تكريم 6 سينمائيين مصريين.. وجائزة الإنجاز للناقد سمير فريد «10 أعوام من الشغف».. شعار الدورة العاشرة لمهرجان دبى السينمائى الدولى.. شعار حميمى، يلقى إعجابًا فى نفس كل محب للسينما فى العالم، فالمهرجان يحتفل بعقد كامل من النجاح فى خدمة الفن السابع وإنتاجه والاحتفاء به وبصناعه.
يعرض المهرجان هذا العام 174 فيلمًا من 57 دولة، من بينها 11 فيلمًا مصريًّا موزعة بين مسابقات الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية، وقد افتتح المهرجان أنشطته بتكريم عشرة من المخرجين والممثلين والسينمائيين العرب، الذين جاءت أفلامهم فى المراتب العشر الأولى فى قائمة مهرجان دبى السينمائى الدولى لأهم 100 فيلم عربى، والتى أُعلن عنها فى السادس من شهر نوفمبر الماضى تحت عنوان «سينما الشغف»، وهؤلاء الذين تكرر حضورهم فى ثلاثة أفلام فأكثر ضمن قائمة المئة فيلم، من كل الفروع والتخصصات، وكان نصيب مصر فى التكريم وفيرًا، وجاء على رأس المكرَّمين المخرج محمد خان، بعد اختيار ثلاثة من أفلامه ضمن قائمة أهم مئة فيلم عربى، وهى «زوجة رجل مهم»، و«أحلام هند وكاميليا»، و«الحريف»، كما تم تكريم عزت العلايلى بعد اختيار أربعة من الأفلام التى شارك فيها فى قائمة أفضل مئة فيلم عربى، وهى «الأرض» و«الطوق والأسورة» و«السقا مات» و«المواطن مصرى»، وتم أيضًا تكريم يسرا لمشاركتها فى «عمارة يعقوبيان» و«مرسيدس» و«المهاجر»، وأحمد بدير لمشاركته فى بطولة أفلام «الطوق والأسورة» و«عمارة يعقوبيان» و«المهاجر» و«حين ميسرة» التى جات ضمن نفس القائمة.
من جهة أخرى تم أيضًا تكريم مديرَى التصوير رمسيس مرزوق وطارق التلمسانى، لمشاركتهما فى صناعة عدد من الأفلام المختارة ضمن قائمة أفضل مئة فيلم عربى.
أما أعز تكريم لنقاد السينما عمومًا، والسينما المصرية بشكل خاص، فكانت جائزة تكريم إنجازات الفنانين التى حصل عليها الناقد السينمائى سمير فريد، التى تُمنح للمرة الأولى لناقد سينمائى، كاعتراف من المهرجان بأهميته فى إثراء صناعة السينما المصرية والعربية بشكل عام.
يتسق إذن مهرجان دبى السينمائى الدولى مع نفسه بهذا الكم من التكريمات العربية فى دورته العاشرة، مؤكدًا هويته العربية على لسان المدير الفنى للمهرجان مسعود أمر الله آل على الذى قال: «مهرجان دبى مواكب للسينما العربية ونصير لها».
وبعيدًا عن حفل الافتتاح والتكريمات، بدأ مهرجان دبى عروضه العامة فى يومه الأول، بثلاثة أفلام عربية، من بينها فيلمان مصريان وثالث مغربى.. لنستعرضها معًا:
الخوف يقتل الأحلام.. يبدد المتعة، ويأكل الروح تدريجيًّا.. عن الخوف وعن مواجهته.. عن الحياة وجمالها.. عن البوح واكتشاف أنفسنا، يعرض مهرجان دبى السينمائى الدولى فى دورته العاشرة الفيلم المصرى «أوضة الفيران» ضمن مسابقة المهر العربى للأفلام الروائية الطويلة.
ليس مصريًّا ذلك الشخص الذى لم يخوفه أهله -صغيرًا- ب«أوضة الفيران»، إذا أخطأ أو إذا حاول الخطأ -أو بالأحرى- إذا حاول التجريب والاكتشاف.
نقطع مراحل طفولتنا وننسى «أوضة الفيران» التى أقنعونا بوجودها، وصدقنا أنها حقيقة.. نكبر لنكتشف أنها بداخلنا.. نسيانها لا يعنى اختفاءها من حياتنا.. والزمن الذى خط بأنيابه على أرواحنا لم يتمكن من إقناعنا بكذبة «أوضة الفيران»، بل إنه يسعى جاهدًا لتأكيد وجودها لنظل أسرى للخوف دومًا.
فيلم «أوضة الفيران» مكون من ست حكايات، لا يجمع بين أبطال هذه الحكايات سوى المكان «الإسكندرية» والخوف الذى يعذبهم جميعًا، ثم يصبح دافعًَا لهم لاكتشاف أنفسهم واكتشاف جمال الحياة التى يقتلها الخوف من مجهول ربما كان غير موجود أصلاً.
بطلة الحكاية الأولى «حنان يوسف»، تستيقظ على وفاة زوجها، وبعدها تخاف من النوم ليلاً، ولا تنام إلا نهارًا.. تصادف فى حياة الليل عامل نظافة، فتلقى له ببعض المال من النافذة، وتختبئ.. يفرح هو، وتستمتع هى بهذه اللعبة الطفولية المبهجة، ثم تقرر أنه لا داعي للخوف أصلاً.
بطلة الحكاية الثانية شابة على وشك السفر فى بعثة إلى الخارج، تخاف من أن تتغير هى أو أن تتغير حياتها إلى الأسوأ، تسأل صديقها فى العمل: «هو أنا ممكن أتغير لو سافرت؟»، فيجيبها إجابة تؤكد مخاوفها ضاربًا مثلًا بعشق الشيكولاتة التى ربما أنها ستكرهها إذا ما سافرت، وفى النهاية تقول له: «أنا كنت أكره الشيكولاتة دائمًا»! فليس من شر الأمور أن يتغير الإنسان أو يتطور ويطوّر أفكاره وحياته، إذا ما كان هناك مجال لذلك، أو فليخلق مجالا ليتغير.
بطل الحكاية الثالثة عجوز يقف على حافة كورنيش الإسكندرية، ويقضى يومًا بأكمله خائفًا من عبور الطريق إلى البحر الذى ينظر إليه ويخاف من الطريق إليه.. لم يعبر العجوز الطريق، ولكنه اكتشف متعة خاصة فى الانتظار على الجانب الآمن.
بطل الحكاية الرابعة شاب يلتقى والده الذى يحتضر جراء إصابته بالسرطان.. يخشى الشاب من التعبير عن مشاعر حبه لوالده، إلى أن يحكى له عمه عن حادثة عدم بكاء أبيه على جده عندما مات، وكيف أنه ندم بعدها.. يقرر الشاب أن يفرج عن مشاعر حبه لوالده فى ساعاته الأخيرة بالدنيا، فيسمعه أغنية لأم كلثوم، ويضع بجواره سيجارة يستمتع بها مع أنفاسه الأخيرة.
بطلة الحكاية الخامسة شابة تتزين فى ليلة العرس.. كل مَن حولها فى «الكوافير» يحكون حكايات مخيفة عن الزواج وعن العلاقات الزوجية التى ربما تتبدد لأبسط وأتفه الأسباب، فتقرر هى أن تواجه عريسها بمخاوفها بعد خروجها من «الكوافير» مباشرة.
أما بطلة الحكاية السادسة فهى طفلة تعيش مع جدتها الداعية الدينية.. يبدو أنها تسمع كل ما يدور فى جلسات الدعوة من عذاب وجحيم ينتظر البشر على يد الله. تشاغب الطفلة طوال أحداث الحكاية وتحدث صخبًا فى المسجد، وفى البيت مع الزائرين لجدتها، وتسأل خلال الحكاية أسئلة لا يجرؤ الكبار على النطق بها، فهذه الطفلة لا تخاف من «أوضة الفيران» المزعومة، ولا تخشى الأسئلة.
فيلم مصرى بمشاركة إنتاجية إماراتية، مدهش.. مهم وبسيط وعميق وطازج فى كل لقطة فيه، افتتح عروض اليوم الأول للدورة العاشرة لمهرجان دبى السينمائى الدولى.
ليس موضوع الفيلم وحده هو المهم، بل إن التجربة كلها مهمة وتستحق الاحترام، فالفيلم المصرى «أوضة الفيران» يعد أول فيلم سكندرى، تم تصويره بالكامل فى الإسكندرية، بطاقم عمل من ممثلين ومخرجين سكندريين، إضافة إلى أن عمل المونتاج والصوت تم فى الإسكندرية أيضًا.
فريق عمل الفيلم يرى أن صناعة الفيلم فى الإسكندرية تتيح الفرصة لصناع من مدينة أخرى غير القاهرة لتقديم إنتاجهم، كما أنه يلغى مركزية القاهرة فى صنع السينما، بما يتيح خلق سوق جديدة فى الإسكندرية.
الفيلم أخرجه ستة من المخرجين هم محمد زيدان، ومحمد الحديدى، ونيرمين سالم، ومى زايد، وأحمد مجدى، وهند بكر، وجميعهم حصلوا على ورشة لصناعة الفيلم فى مدرسة «الجيزويت» بالإسكندرية، ثم قرروا عمل فيلم قصير لكل منهم، إلى أن فاجؤوا الجميع بدمج للمشروعات الستة فى فيلم واحد صار عنوانه «أوضة الفيران» من إنتاجهم الخاص، ثم حصلوا بعدها على منحة «إنجاز» التى تقدمها «دبى فيلم كونكشن»، ليخرج الفيلم إلى النور، ويشارك فى مسابقة المهر العربى بمهرجان دبى.
وبقدر دهشة التجريب والتجربة فى «أوضة الفيران»، بقدر خيبة الأمل فى الفيلم المصرى الثانى «المعدية» إخراج عطية أمين فى أولى تجاربه الإخراجية، الذى جاء ضمن عروض برنامج «ليالٍ عربية»، وهو بطولة درة وهانى عادل ومى سليم وأحمد صفوت، وتأليف د. محمد رفعت.
من المحبط أن يكون اسم الفيلم هو أفضل ما فيه، فاسم «المعدية» جدير بموضوع لفيلم يليق بهذا الاسم، ولكن المدهش أنه لا وجود للمعدية فى الفيلم إلا كوسيلة نقل! وربما كان الاسم القديم للفيلم «فارس أحلام» هو الأكثر اتساقًا مع موضوعه الساذج عن قصة حب بين «فارس» موظف الأمن، و«أحلام» العاملة فى كوافير، ثم أخيها العائد من السفر الواقف حائلاً دون اكتمال قصة حبهما لفشل قصة حبه واضطراره إلى الزواج ممن لا يحبها.
هذا هو الفيلم باختصار، لا أعتقد أنه مخلّ، فلا قصة ترفع من قيمة فيلم يفتقر إلى أغلب الجماليات، اللهم إلا الموسيقى التصويرية، ولا تمثيل يعطى ثقلا لمضمون ساذج، ولا حتى مكياج يمنح الفيلم بعضًا من المصداقية لأبطاله «بطلات الفيلم كن يضعن رموشًا صناعية و(تاتو) على الشفايف حتى فى أحلك لحظات الفيلم تعاسة»! فى هذا الفيلم «خيبة الأمل راكبة معدية».
أما الفيلم المغربى «سرير الأسرار» للمخرج جيلالى فرحانى، والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم للبشير دامون، والمشارك فى مسابقة المهر العربى للأفلام الطويلة، فقد فكان مسك الختام لعروض اليوم الأول للدورة العاشرة لمهرجان دبى السينمائى الدولى، الفيلم يحكى عن مأساة طفلة تربت فى بيت للدعارة، وكيف نجت بنفسها، بمساعدة الأم التى ربّتها، من هذا العالم القاسى، ورغم فجاجة الشخصيات التى يتناولها الفيلم، فإنه حمل نقاء وطفولة بطلته الأساسية «الطفلة» الناجية من جحيم الدعارة وبشاعة واقعها، وأخرج المُشاهد مستمتعًا بكل تفصيلة فى الفيلم.