قبل السحاب والنجوم.. قبل حتي العصافير.. أيام ما كان الظلم لسه جديد، في الوقت ده كان فيه حاكم بيحكم مدينة أقدم من الجغرافيا شخصياً، الحاكم ده وأول ما سمع عن الظلم عجبه الموضوع وقرر يجربه في شعب المدينة، غيّر النظام وقرر فجأة إنه هيحكم طول عمره.. مش كده وبس لأ وكمان يورث الحكم لأولاده بعد منه، أهل المدينة ماعجبتهمش القرارات الغريبة دي واعترضوا عليها، الحاكم ما اهتمش خالص بالشعب.. بالعكس زود عليهم الضرايب.. وبالفلوس دي عَلِّي أسوار المدينة أكتر عشان ماحدش يقدر يهرب منها وكمان بني علي أطرافها مبني كئيب بأسوار عالية وعليه حرس كتير، وبقي أي حد يرفع صوته بمعارضته يبعت الحرس يقبضوا عليه ويرموه في المبني الكئيب، وخلال سنين طويلة بقي أغلب أهل المدينة جوه المبني الكئيب.. أو ساكنين جوه المدينة اللي هي نفسها بقت كئيبة. واحد من اللي رفعوا صوتهم في وش الحاكم وقبل ما يتحبس في المبني الكئيب خلف ولد سماه «حلم»، أم حلم كانت بتحكي له كتير عن أبوه اللي كان ممنوع إنه يقابل أهله زي كل سكان المبني الكئيب. حلم فِضِل كل ليلة يروح عند سور المبني الكئيب ويحاول ينط من فوق السور العالي.. يحاول لغاية ما يتعب ويرجع يسمع حكاوي أمه بقية الليل في حجر النهار الحزين، حاول كتير قوي وتعب كتير قوي بس عِند الأطفال وحكاوي أمه وحزن النهر كانوا بيمنعوا اليأس يوصل لقلبه. وفي ليلة.. وبعد عشرات المحاولات الفاشلة قعد حلم زي عادته علي شط النهر ينتظر أمه تجيب العشا والحكاوي وتيجي، شاف هناك ست قديمة قوي جلدها مليان تجاعيد مبتسمة وقاعدة جنب النهر وهي بتغني غنوة عمره ما سمعها قبل كده، قرب حلم من الست القديمة يسمع الغنوة. «يا غنايا إعلي لفوق.. فوق السحاب والموت.. هات لي القمر وياك.. نكسر حديد الطوق». حلم إتفاجئ بالنهر بيعلي وهو مبتسم لغاية ما غسل التعب من علي رجل الست القديمة وعكازها.. حلم نط في النهر بسرعة أخد غطس وأول ما قب تاني طلع يجري علي المبني الكئيب، الحراس حكوا إنهم شافوا طفل بيجري في اتجاه المبني الكئيب ودراعاته شكلهم بيتغير، سكان المبني الكئيب حكوا إنهم شافوا حلم طاير من فوق السور العالي وهو بينادي علي أبوه اللي بدون تردد نط من الشباك لحضن إبنه وبدل ما يقع دراعاته شكلها إتغير وطار بيها معاه حوالين المبني الكئيب. أهل المدينة اللي كانت كئيبة حكوا إنهم شافوا كل سكان المبني الكئيب بيغنوا غنوة عمرهم ما سمعوها قبل كده وهمه طايرين ناحية قصر الحاكم اللي صحي علي صوت هرجلة الحرس.. فشاف كل أهل المدينة طايرين حوالين القصر وهمه بيغنوا غنوة الست العجوزة اللي عمرهم ما سمعوها قبل كده ودي كانت آخر حاجة سمعها قبل ما يدوب هو والقصر من حواليه. الست القديمة سابت أهل المدينة اللي كانت كئيبة فرحانين بالحرية وباست ضحكة النهر اللي كان حزين.. ودارت تحكي حكاية المدينة اللي كانت كئيبة لأهل أي مدينة تدخلها وتكون لسة كئيبة.