أخي المواطن أختي المواطنة: أفيقا.. نحن علي شفا الفناء. حين نصح المخلصون بالاهتمام بإفريقيا بشكل عام وبدول حوض النيل بشكل خاص، لم يكونوا يطالبون بنشر الديمقراطية علي الطريقة الأمريكية في هذه الدول، ولم يقترحوا أن نهدد بضربة جوية. الأمر لم يكن يستلزم أكثر من زاوية صلاة، وإمام، ومبرة. أي والله.. لم يكن الناصحون يطمحون إلي نشاط اقتصادي، أو كيانات سياسية توثق الصلة مع الدول الإفريقية؛ لأنهم يعرفون تمام المعرفة أن هذا النظام لا يملك أي شيء ليقدمه. لكنه مازال يملك الأزهر، فهو الشيء الوحيد الذي بقيت منه بعض ذكريات من مصر التي كانت - الله يرحمها ويحسن إلينا - فلا مصانع ولا زراعة ولا فن ولا قيم تبقوا من «الستينيات» الكخة. لو كان دأب النظام المصري - طوال الثلاثين عاما الفائتة - علي إرسال وفود أزهرية بأعداد كبيرة - لا تلك الوفود الهزيلة التي عادة ما تستخدم لعقاب المغضوب عليهم - وبناء زوايا صلاة - ولا أقول مساجد - وشحن بعض أكياس العدس والأرز، ولم يفعل المبعوثون سوي إطعام فقراء أفريقيا الغنية/ الفقيرة، المسروقة، المهضومة، وتحفيظ الأطفال آيات من القرآن، لما وصلنا إلي ما نحن فيه الآن. ماذا فعلنا؟ تكبرنا علي الأفارقة، وعاملناهم بعنصرية باعتبارنا شقر وعيوننا زرق، وركزنا كل مجهوداتنا علي «تحسين صورة الإسلام في الغرب». لا إله إلا الله: عَبَسَ وَتَوَلَّي. أَنْ جَاءهُ الأعْمَي. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّي. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَي. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَي. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّي. وَمَا عَلَيْكَ أَلاَ يَزَّكَّي وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَي. وَهُوَ يَخْشَي. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّي . لماذا التفتنا إلي الغرب الذي «استغني»؟ لأنهم البيض الحلوين الأقوياء أصحاب الأيادي الثقيلة والديمقراطية ذات القنابل العنقودية وزعلهم وحش. ظللنا نحفر في بحر الغرب دون جدوي، ذلك لأن الله قال: «كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني»، ونتكبر علي معذبي الأرض.. آخر وطيان. ألم أقل: إذا حار عقلك فاعتصم بالأخلاق ففيها نفع عظيم وتؤدي لنفس نتائج المنطق السليم؟ ها نحن نجني ما زرعت أيدينا من قطيعة رحم، وكبر علي الناس، وطولة لسان، وانزواء، وتخل عن واجبات إنسانية قبل أن تكون وطنية أو دينية، وشفقة مبالغ فيها علي الذات، وقسوة مبالغ فيها علي الآخرين، وتيه علي الضعفاء وتذلل للأقوياء. لقد مرت أفريقيا بالأزمة تلو الأزمة، والمجاعة تلو المجاعة، والمقتلة تلو المقتلة، ونحن نجلس هنا نحمد الله علي مصر المحروسة، ونتسول رضاء الغرب ولو بالتخلي عن ثوابتنا. لم يحركنا دين ولا إنسانية ولا أخلاق فنحمل قليلا من الفول النابت والخبز لإطعام المنكوبين، بل تمالأ جلنا علي إطلاق الرصاص علي الأفارقة المتسربين لحدودنا، ولم نتوقف لحظة لنسأل: لماذا يلجأ أبناء قارتنا وهم أخوتنا ودماؤهم دماؤنا لإسرائيل، ولم يفكر أحدهم في الاستنجاد بنا؟ يجلس معظمنا كالدجاجة التي يسرقها سكين الذبح ولا نعي حجم الكارثة التي نقبل عليها، منتظرين أن يُكشف الغطاء عن أبصارنا فنبكي كالنساء نهرا لم نحفظه كالرجال. رب سلم سلم.