وقف الخصخصة وإعلان فشلها لا يعني أن وزير الاستثمار في طريقه للاستقالة.. لأننا في نظام يثق كل أركانه بأنهم فوق المحاسبة دائمًا محمود محي الدين تساءل الأستاذ محمد علي خير في عموده ب «الدستور» يوم 2010/5/15 «هل يستقيل وزير الخصخصة؟»، وذلك علي خلفية إعلان وزير الاستثمار إيقاف بيع شركات قطاع الأعمال بنظام المستثمر الرئيسي، مما يعني من وجهة نظر الكاتب وقف برنامج الخصخصة بعد فشله.. وسؤال الكاتب المحترم لو كان موجهاً في نظامٍ ديمقراطي لكانت إجابته الطبيعية «نعم سيستقيل» بل لعلها كانت ستكون «إنه استقال بالفعل قبل أن تكتب مقالك».. أما والوضع الديمقراطي في مصر كما نعلم جميعًا، فالإجابة الواثقة هي «لا.. لن يستقيل».. ودليلي علي ذلك ما يلي: أولاً: إن من صبّوا اللعنات علي الخصخصة من قيادات الحزب الوطني مؤخراً، أدانوا الفعل ولم يدينوا الفاعل، وكأننا نحن الذين قمنا بالخصخصة وليس حكومات الحزب الوطني المتعاقبة وآخرها حكومة أمانة السياسات الحالية التي جعلت الخصخصة عنوانها الأوضح وصنمها المعبود (وما زالت في طريقها الذي لا تحيد عنه أبداً، والدليل كارثتها الجديدة بخصخصة المرافق والخدمات). وعندما تفاءل البعض خيراً بدعوة الدكتور زكريا عزمي إلي محاسبة حرامية الخصخصة، عاجلهم وزير الاستثمار بأن المقصود بحرامية الخصخصة هم أولئك المشترون الذين لم يفوا بالتزاماتهم (!). أي أن كل شيء تمام ولا وزر بالمرة علي البائع وإنما الوزر علي المشتري. فهل تتوقع بعد ذلك أن يستقيل البائع؟. ثانياً: الوزير لم يعترف بالفشل أصلاً حتي يستقيل؛ إذ إنه أعلن توقف البيع لمستثمر رئيسي دون إبداء الأسباب، بحيث بدا الأمر وكأنه تطورٌ طبيعي في برنامج الخصخصة وأن مرحلة المستثمر الرئيسي قد انتهت بعد تحقيق أهدافها لتنطلق مرحلةٌ أخري هي الطرح في البورصة للمصريين (قالها وكأنه يزف لنا بشري، مع أن المعلوم من البورصة بالضرورة أنه لا قيد علي جنسية مشتري الأسهم!!). ثالثاً: وهل بدا علي هذا الوزير أي شعورٍ بالفشل حتي تعتقد أنه سيستقيل؟ إنه ما زال يملأ الدنيا بأحاديث عن إنجازات وأرباح وأرقام لا يراجعه فيها أحد.. وبعد أن كان يفاخر بأنه باع أكثر مما باع سابقوه، بدّل خطابه ونفي عن نفسه أنه وزير البيع، مردداً (حتي الأسبوع الماضي) أنه لم يبع إلا 7 شركات فقط (لم يذكر من بينها لا السويس للأسمنت ولا مدينة نصر للإسكان والتعمير ولا الإسكندرية لكربونات الصوديوم علي سبيل المثال، وكأن هذه الشركات باعت نفسها بنفسها ولم يبعها الوزير!!). رابعاً: هل بدا علي هذا الوزير (أو أي وزير في هذه الحكومة) أي شعورٍ بالندم أو تأنيب الضمير لما أصاب عشرات الآلاف من الأُسر نتيجة سياساته، حتي تتوقع منه أن يستغفر ربه ويستقيل؟! يا سيدي هذه مجموعةٌ بلا قلب ولا تري ما تراه مصر كلها ولديها قدرةٌ فريدة علي لّي الحقائق والتلاعب بالأقوال والأرقام، فعندما تحدث الباحث المحترم أحمد السيد النجار منذ شهرين عن مسئولية وزير الاستثمار عن عمال طنطا للكتان المعتصمين علي رصيف مجلس الوزراء، لم تتحرج وزارة الاستثمار من الرد عليه ببيانٍ قالت فيه (إن من مزايا برنامج الخصخصة أنه حافظ علي حقوق العاملين في شركات قطاع الأعمال العام) وكأن المعتصمين من كوكب المريخ، وعندما تحدثت صحيفة الوفد عن الأضرار التي لحقت بمصر كلها من بيع مصانع الأسمنت للأجانب، كان رد وزارة الاستثمار (إن بيع مصانع الأسمنت جعل دخل العامل في هذه الصناعة من أعلي الدخول !). خامساً: وهل استقال الوزير يا سيدي عندما حدث ما هو أفدح؟! أقصد عندما تسرب عقد بيع عمر أفندي بعد عامٍ من إخفائه واتضح أن ما كان سيادته يردده في وسائل الإعلام من أن العقد يمنع المشتري من بيع أي فرع، لا سيما الفروع الأثرية (أي أن البيع حق انتفاع) وكانت الفضيحة الكبري عندما تسرب العقد وعرفت مصر كلها أن الوزير كان يجافي الحقيقة فيما يقول، وأن العقد يبيح للمشتري بيع أي فرع لا سيما الفروع الأثرية، فما الذي حدث بعد هذه الفضيحة؟ لا شيء.. مع أننا لو كنا في بلدٍ ربع ديمقراطي لسقطت الحكومة بالكامل وليس وزير الاستثمار فقط. يا أيها الكاتب المحترم والمثالي، هذا نظامٌ لا تستقيل أركانه من مناصبها لأنها تعرف أنها فوق المحاسبة.. وأحمد الله أننا بلا مناصب وإلا لطالبونا نحن بالاستقالة.