هل يريد الشعب التغيير حقا؟؟ لا أجيد حل الألغاز، ولكني قد أقرأ لك الطالع، أسمع يا سيدي، أنت محكوم بقانون الطوارئ حتي عام 2012، وقبل هذا التاريخ قد تنجح دول حوض النيل في حرمان مصر من حصتها التاريخية في ماء النيل، وبعد هذا التاريخ بعامين وتحديدا في 2014 يستحق سداد أحدث موجة من ديون مصر والشهيرة بسندات الخزانة «أصدرها يوسف بطرس غالي مؤخرا، والله وحده يعلم أوجه إنفاقها»، وفي حال عجز الخزانة المصرية عن السداد يحق لأي حامل صك من صكوك الدين أن يحجز علي مصر ومن فيها، دعني أبحر معك في المستقبل أكثر، فبعد خمسة عشر عاما يكون العدو الصهيوني قد استنفد ثروة مصر من الغاز بأسعار الأوكازيون. هل يريد الشعب التغيير حقا؟؟ طب قل لي أنت، هل يريد الشعب هذا المستقبل؟؟ سأحكي لك قصة الست مؤمنة، وهي من شخصيات طفولتي، سيدة من عوام الشعب تسكن في أحد أحياء القاهرة العشوائية، لم تتلق أي تعليم، ليس لها أي منفذ لتعيش حياة.. فقط حياة، كان كل حلم الست مؤمنة أن يكرمها الله فتتعرف علي تاجر مخدرات يثق بها ، ويشيلها شنطة علي طريقة أفلام الثمانينيات، فتقب علي وش الدنيا، علمت فيما بعد أن مؤمنة حققت حلمها وتخصصت في الاتجار بالهيروين، لكن ذات يوم اعتقدت ابنتها أن البودرة البيضاء ما هي إلا دقيق فاسد فألقت به في دورة المياه، وكانت ورطة الست مؤمنة ورطة كبيرة.... لا أعلم مصير الست مؤمنة اليوم..ربما تصدق الحكومة فتطبق عليها قانون الطوارئ، لكن ولأن الحكومة لن تصدق في وعدها بعدم تطبيق الطوارئ علي السياسيين المعارضين طبعا، فلربما تجتمع مؤمنة في زنزانة واحدة مع أحد نشطاء التغيير.. زنزانة واحدة قد تجمع تحالف قوي الشعب تحت الطوارئ، ومع هذا يا عزيزي سيبقي الشعب شعبا والنخبة نخبة.. ولن يلتقيا. بلا خجل أو مواربة يبحث فرادي الشعب عن خلاصهم الشخصي، وحسب تقدير النيويورك تايمز فإنه قد بلغ عدد المعتصمين في احتجاجات فئوية في مصر قرابة المليون وسبعمائة ألف مصري، شاركوا في ألف وتسعمائة احتجاج واعتصام... كان كل اعتصام أو احتجاج ينفض بتحقيق مكاسب فئوية صغيرة مع توجيه المحتجين شكرهم للسيد الرئيس.. أتصور أحيانا أنه في مصر الآن ثورتان، ثورة عموم الشعب علي الرصيف، وثورة نخبة الشعب، ثورة الرصيف قد قررت وأعلنت أنه لا شأن لها بأمر التغيير الذي تدعو له النخبة فلا الدستور يعنيها ولا الطوارئ تشغل بالها، أما النخبة وهذه تجدها إما علي «الفيس بوك» أو «تويتر» أو علي الرصيف أيضا في مظاهرات محدودة.. مازالت تكافح باسم الشعب لإقامة حياة ديمقراطية سليمة، أيهما أولي بالتحقيق، مكاسب اجتماعية، أم مكاسب ديمقراطية، عموما تستطيع أن تقول إنه ما بين بيضة الشعب ودجاجة النخبة، سيهل علينا المستقبل المذكور أعلاه . طيب هل تريد النخبة التغيير حقا؟؟ سأحكي لك قصة أخري، أروي صالح هي ناشطة طلابية تنتمي لجيل السبعينيات، انتحرت في أواخر التسعينيات بعدما دونت خلاصة تجربتها في كتاب شهير بعنوان «المبتسرون»، كل ما بقي عالقا بذاكرتي منه بعد مرور سنوات طويلة هو فكرة عودة المناضل إلي موقعه الطبقي بعد انفضاض موسم النضال.. يعود ابن الباشا لقصره المنيف، ويعود ابن العامل لحارته البسيطة.. ولا مانع من أن يلتقيا ليثرثرا معا عن ذكريات الزمن الجميل.. علام كان النضال إذن ؟؟ درس أروي صالح استوعبه الكثيرون فقرروا النضال أولاً لهجرة مواقعهم الطبقية، ولا يختلف سلوك هؤلاء عن سلوك الست مؤمنة، فكلاهما يبحث عن خلاصه الشخصي.. تقول لي متي يهتم الشعب بالتغيير حقا ؟؟ أقول لك حينما يجد نخبة تنتمي إليه تستطيع أن تقوده للتغيير، ولا تتعالي عليه.