«سأكون كما أريد» هى رواية المقاومة والنضال كما يطلق عليها كاتبها حمدى عبد الرحيم. عنوان الرواية يحاكى عنوان الديوان الشهير لمحمود درويش «أرى ما أريد».. بينما يمكن وصف لغتها بالشعرية، ناهيك بتأثر بطلها بقراءاته لشعراء كأمل دنقل، وحبه للموسيقى وعزفه على العود. مصطفى بطل الرواية يسعى طوال الأحداث ليكون كما يريد، بالحفاظ على مبادئه، ومواصلة المقاومة، برفضه عرض عمل لصالح إسرائيل، ثم تأييده لحسن نصر الله وحربه على الكيان الصهيونى، وأخيرًا رفضه التعاون مع السلطة، وقتله رجل النظام. الكاتب حمدى عبد الرحيم يحدثنا عن روايته الأولى، التى تأتى بعد كتابه «فيصل.. تحرير: أيام الديسك والميكروباص»، فإلى نص الحوار:
■ قلت إنك لم تفكر فى كتابة رواية من قبل.. فما الذى دفعك إلى تغيير رأيك؟
- فكرة الرواية فى الأساس هى تمجيد المقاومة، بعد ما بدأت فى الكتابة، توقفت لمدة ثلاثة أشهُر، بسبب تأثيرات خارجية، إذ كنت قد قرأت فى هذا التوقيت رواية عراقية، ذات لغة رشيقة وجمل قصيرة، بالإضافة إلى جدية وحداثة فكرتها، جعلتنى أشعر أن روايتى تنتمى إلى زمن مضى، لكن فى ما بعد عبر نصائح من أصدقاء، وعلى رأسهم أستاذى علاء الديب الذى قال لى إن على الروائى أن يحترم تجربته، ويؤمن بها، ويكتبها بكل ما لديه من موهبة وإخلاص، عدت لاستكمال ما بدأته من كتابة، وفى منتصف الرواية شعرت أنى تورطت فى الكتابة، ولا بد من استكمالها، ولكن بالأساس كنت أتهيب كتابة رواية.
■ لماذا اخترت فترة السبعينيات بالتحديد للتأريخ لها فى روايتك؟
- أعتقد دائمًا أنه على الروائى كتابة ما يعرفه، وأنا أعرف هذه الفترة، وعشتها، وأثرت فىّ، لذلك كتبت عنها، ولم أشأ أن أكتب عن فترات أبعد تاريخا، ولا أكون ملمًّا بكل أحداثها، بخاصة التأثيرات المعنوية للأحداث، التى قد أكون لم أعرفها أو أدرك تأثيرها فلا أستطيع الكتابة عنها، لذلك اخترت فترة السبعينيات، مرورا بالثمانينيات، والتسعينيات، ووصولا إلى الألفية، وهذه هى فترة جيلى، فترة عاصرتها، وأعرف كواليسها، وأنفاقها، لذلك كتبت عمَّا أعرفه فى هذه الفترة.
■ هل قرأت أعمالًا أدبية أخرى تتناول تلك الحقبة قبل الكتابة؟
- لم يحدث أن قرأت من أجل «شحن البطارية» كما يقولون، أنا أقرأ بصفة مستمرة، وأجد نفسى أكثر شغفًا بالقراءة فى أثناء كتابتى أى عمل، لأن قراءة نص ممتع فى أثناء الكتابة، وإن كان لا علاقة له بما أكتبه، يحفزنى أكثر على الكتابة والاستمرار، ولكن لم أقرأ عملًا يتماسّ مع هذه الفترة التى كتبت عنها، من باب جمع معلومات، لأنى لم أكن أريد تقديم رواية معلوماتية، بل أردت تقديم رواية وجدانية تعتمد على الفكرة الأساسية التى ذكرتها لك، وهى مديح المقاومة وتمجيدها، لذلك لم أكن بحاجة إلى قراءة عمل أحشد منه معلومات، أو اقتبس منه شيئًا، بقدر ما كنت بحاجة إلى تأمل هذه الفترة بما لها وما عليها تأمُّلًا هادئًا.
■ تتناول فى جزء من الرواية الصراع بين السادات والمعارضة.. هل أثر اتجاهك السياسى الناصرى على كتابتك؟
- الصراع الذى قدمته فى الرواية لم يكن الصراع بين السادات والمعارضة النخبوية، بل المعارضة الشعبية، وهى المتمثلة فى أمهاتنا وأخواتنا، اللائى فُجعن من السياسات التى انتهجها السادات، وهو مشكور بسبب قرار الحرب، وهو قرار صعب، وتَحمَّل السادات مسؤولية هذا القرار، إلا أنه لم يستثمر قرار الحرب، وجرى منفردا إلى صلح مع إسرائيل، وأخرج مصر من المعادلة العربية، ثم من المعادلة الإقليمية، حتى التزمت مصر بحدودها الجغرافية فقط لأول مرة، بعد أن كان لها حدود معنوية. ولم أقصد أن أكون ظاهرا بشخصى فى الرواية، وإلا تحولت إلى سيرة ذاتية لا رواية، ولكن بالتأكيد السرد مملكة الرواية، وفى الجمل السردية كنت بالطبع أعبِّر عما بداخلى، ولا أُسقِط مشكلاتى أو أفكارى على أبطالى، لكن أنتخب أبطالا بعضهم يتماسّ معى، وهذا طبيعى فى كل عمل روائى.
■ مصطفى بطل الرواية كان له رأى سلبى فى نجيب محفوظ لموقفه المؤيد للصلح مع إسرائيل.. فكيف تقيم رموز جيل الستينيات وعلى رأسهم محفوظ على المستوى السياسى؟
- نجيب محفوظ على المستوى الروائى قام بعمل لا يقوم به عادة إلا جيلان، جيل يقوم بالتمهيد، وآخر يقوم بالتطوير، وهو بمفرده قام بالمهمتين، قام بتمهيد الطريق برواياته الأولى، ثم التطوير بأعمال نوعية مميزة، منها «أصداء السيرة الذاتية» و«المرايا»، ولكن كان ملتبسًا عندى موقف نجيب محفوظ السياسى، لم أكن مدركًا أبعاد ليبراليته، ووفديته التى عاش ومات عليها، ولم أكن مدركًا تعاطيه مع القضية الفلسطينية، القضية المركزية بالنسبة إلىّ دائمًا وأبدا، هو (أى نجيب) كان مؤيدًا لكامب ديفيد ربما بحكم وجوده فى أسرة تتعاطى مع الشأن العامّ، بخاصة السياسى، ووقتها تراجعت خطوة إلى الخلف من نجيب محفوظ، ولكن مع مرور الوقت أدركت أن الأمر ليس بهذه الحدة، لأن نجيب محفوظ له رأى، ورأيه يُحترم، وهو لم يتحدث عن بيع جزء من سيناء كما يتحدث بعضهم الآن، تَحدَّث فقط عن مصالحة لها أهداف معينة، ولكن مع تقدمى فى العمر وزيادة خبرتى، أدركت أنه يجب التعاطى أولا مع نجيب محفوظ الأديب، بعيدًا عن أن آراءه السياسية التى أتفق مع بعضها وأختلف مع البعض الآخر منها.
■ المقاومة الفلسطينية فكرة محورية فى الرواية.. فكيف تنظر من موقعك كروائى إلى القومية العربية؟ وإلى أى حد يشغلك الصراع العربى الإسرائيلى؟
- كنت ناصريًّا وعروبيًّا، إلا أن القومية العربية التى تعنى إقصاء أو تهميش أقليات قومية تعيش على أرض عربية كالأكراد مثلًا، أو حتى عدم احترام الخصوصية النوبية فى مصر، فهذا أرفضه تمامًا، ومؤمن بالقضية الفلسطينية لكونها قضية أساسية فى حياة العرب جميعا، لأننا أمام شعب يناضل منذ عشرات السنين ليستردّ أرضه، كما أنحاز إلى العرب لأنهم أهلى وقوميتى، وأتفاعل مع المكون العربى لأنى مواطن عربى بالأساس، فالقاهرة بالنسبة إلىّ كدمشق، وحلب كالإسكندرية.
■ رغم أنك تتحدث عن المقاومة فإنك استخدمت لغة أقرب إلى الشعرية.. فلماذا هذه اللغة بالتحديد؟
- دائمًا أنا ضد أن تكون الكتابة مباشرة، وتقريرية، و«زاعقة»، وأحب اللغة التى لها طبيعة الحرير، فهو يبدو ناعما جدًّا، لكنه حازم جدًّا، وقاطع جدًّا للأصابع عند محاولة تقطعيه، بخاصة أن الكتابة التقريرية أو المباشرة مكانها العمود الصحفى أو المقال، أما هذه فكتابة روائية، فليس معنى أنى أمجِّد المقاومة أو أبشر بها أن أكون مثل خطيب المسجد، بل يجب أن تذهب كلماتى إلى وجدان القارئ لا إلى أذنه.
■ فى أجزاء من الرواية، ذكرتَ أسماء شعراء كأمل دنقل ونسبت إليه عبارة.. إلى أى مدى يمكن للكاتب أن يكسر الإيهام بذكر تفصيلة واقعية؟ وكيف ترى الحدود بين الواقع والوهم فى الرواية؟
- الأمر يبدأ منذ لحظة التخطيط الأولى للكتابة، هل أريد أن أكتب من منطقة الإيهام، أم أريد أن أكتب من منطقة الواقع، منذ اللحظة الأولى وأنا مقرر أن أكتب رواية تبدو كأنها سيرة ذاتية لبطل الرواية مصطفى، ولذلك حشدت فى الرواية أسماء حقيقية، وأماكن حقيقية، لأن بطلى لا بد أن يكون قارئًا لأمل دنقل مثلًا فى فترة السبعينيات، لأنه كان من أهم شعراء المقاومة وقتها.
وكنتُ حريصًا على أن أسرد مواقف حقيقية عايشتها، كى أدعى أنى أجدت تقمص بطلى الذى نما وعيه فى فترة السبعينيات.