ان الراى العام المعبر عن الشعب اصبح فى حاجة ماسة ان يعرف فى لمحة سريعة عن الانظمة المقررة فى العالم فى التاديب ؟ ليعرف هل للنيابة الادارية مثيل فى العالم على وضعها الحالى فى مصر او ان ما قدم من اقتراح يجد سندا له فى اية دولة فى العالم ؟ وهل يوجد تنظيم قضائى فى كوكب الارض يمنح ما يسمى بهيئة النيابة الادارية لديهم الجمع بين سلطتى الاتهام والمحاكمة فى ان واحد ؟؟؟ ليبين للشعب والراى العام ان ما قدم من مقترح يخالف الانظمة العالمية فى التاديب ويتعارض مع الاعراف الدولية فى هذا المجال فضلا عن انه يجافى اصول نظام القضاء المزدوج التى تاخذ به مصر مع الدول ذات النظام اللاتينى على نحو يخلق معه من احدى الهيئات سلطة قضائية ثالثة وهو ما لا يجوز ومن ثم يعد خلقا مشوها للتكوين الدستورى القصد منه اثارة البلبلة واحداث فتنة بين احدى جناحى السلطة القضائية الممثلة فى مجلس الدولة التى تملك الفصل فى الخصومات واحدى الهيئتين القضائيتين التى لا تملك مكنة القاضى فى الفصل فى الخصومة وهو ما يؤدى الى عرقلة اصدار الدستور و تعطيل خارطة الطريق لمستقبل مصر وبالإطلاع على الإجراءات التأديبية للعاملين فى النظم المقارنة نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أنظمة أولاً : التنظيم الإدارى فى التأديب : وتتزعمه كل من إنجلترا و الولاياتالمتحدةالأمريكية بما يعرف بالنظام الأنجلوأمريكى وتاخذ بنظام القضاء الموحد ,وفى ذلك النظام لا توجد أيه هيئة بديلة للنيابة الإدارية ولا لقضاء يفصل فيها فهو نظام إدارى بحت تتولى فيه السلطة الإدارية وحدها سلطة تحقيق المخالفات الوظيفية والتصرف فيها
ثانياً : التنظيم شبه القضائى فى التأديب : وتتزعمه فرنسا ويضم مرحلتين هما التحقيق وهومنوط بالجهة الإدارية المختصة عن طريق الرئيس المحلى للمرفق ثم مرحلة المحاكمة و التى تنعقد للسلطة المختصة بالتعيين مثل رئيس الوزراء أو الوزير المختص أو من يفوضه فى ذلك و من ثم فلا وجود لهيئة النيابة الإدارية فى ذلك النظام كما يدعى البعض
ثالثاً : التنظيم القضائى فى التأديب : وتتزعمه مصر و يعد النموذج الأمثل بين دول العالم للنظام التأديبى على نحو يكفل للعاملين ضمانات المحاكمة و فيها تعهد سلطة التحقيق و الاتهام لهيئة النيابة الإدارية أما سلطة المحاكمة فتنسد إلى قضاء مجلس الدولة صاحب الولاية العامة فى القضاء التأديبى و المنازعات الإدارية بوجه عام ، و يجاريها فى ذلك بعض النظم الأوربية مع إختلاف بعض التفاصيل فى ذلك التنظيم مثل ألمانياوالسويدوالنمسا
و يثور التساؤل عما اذا كان التنظيم شبه القضائى فى النظام اللاتينى ذى القضاء المزدوج الذى تتزعمه فرنسا يعرف ما يسمى بهيئة النيابة الادارية او لا ؟
إجراءات التأديب فى فرنسا تمر بمرحلتين أولهما التحقيق الإدارى و ثانيهما المحاكمة
أولاً : التحقيق الإدارى : التحقيق الإدارى فى فرنسا منوط بالجهة المختصة بالتعيين طبقاً للمادة 31 من المرسوم رقم 306 الصادر فى 14 فبراير 1952 وتعديلاته ، بيد أن قواعد التحقيق ليست منظمة تنظيماً كاملاً من الناحية التشريعية فى فرنسا لذا تدخل القضاء الإدارى الفرنسى لسد الثغرات التى ظهرت فى هذا التنظيم مستلهماً ذلك من القواعد العامة
ويتجه الفقة الفرنسى إلى القول بأن سلطة إتخاذ إجراءات التأديب منوطة بالرئيس الأعلى للجهة التى يتبعها العامل المتهم وهو الذى يقرر إتخاذ الإجراءات من عدمه و يناط التحقيق بالرئيس المحلى للمرفق الذى قد يقوم به بنفسه أو يعهد به إلى مفتش عام
ثانياً : مرحلة المحاكمة :بعد إنتهاء المحقق من التحقيق يرسل ملف التحقيق إلى السلطات المختصة بالتعيين و التى تتمثل فى رئيس الوزراء أو الوزير المختص أو من يفوضه ، وسلطة التأديب تملك توقيع عقوبتى الإنذار واللوم دون إستشارة مجلس التأديب أما بالنسبة لبقية العقوبات فيتعين إستشارة مجلس التأديب ، و لهذا الأخير أن يفصل فى الدعوى التأديبية
وهكذا فإنه فى ظل التنظيم شبه القضائى فى فرنسا فلا وجود لما يسمى بهيئة النيابة الإدارية على عكس ما قرره البعض بغير علم فى بعض الصحف القومية
ولعل لجنة الخمسين تنتظر التساؤل الاتى : ما هى الدول التى تاخذ بالتنظيم القضائى فى التاديب ؟ وهل النائب التاديبى الاتحادى فى النظام الالمانى يتبع وزير العدل او وزير الداخلية ؟وهل وصل النظام الالمانى الى دقة النموذج المصرى فى هذا المجال ؟
التنظيم القضائى فى التأديب – والذى يعد التنظيم المصرى نموذجاً له فى الدقة - يفصل بين مرحلة التحقيق والإتهام و مرحلة المحاكمة ، و يعهد بسلطة التحقيق والإتهام إلى هيئة معينة بينما يعهد بسلطة المحاكمة إلى هيئة مستقلة و محايدة من رجال القضاء ، و فى ذلك ضمانة جوهرية للعاملين ، إذ أن إسناد سلطة المحاكمة لقضاء متخصص يعنى إتباع الأصول القانونية فى المحاكمات التأديبية إلى جانب الإعتبارات العملية التى تتطلبها الإدارة و التى يستلهمها القاضى من واقع إتصاله بقضايا التأديب بين مختلف جهات الإدارة
ومن أهم الدول التى تأخذ بذلك التنظيم مصر و ألمانيا و النمسا و السويد بيد أن التنظيم المصرى فى التأديب هو الأكثر دقة و تنظيماً فى كفالة الضمانات المقررة للمحاكمات التأديبية وذلك يرجع إلى فضل قضائه الذى يبتكر الحلول و الأفكار القانونية الخلاقة فى مجال التأديب فتجد له و مازال تراثاً من الفكر القانونى المبدع وذلك منذ انشائه فجاء دستور 1971 ومن بعده دستور 2012 واسبغ على مجلس الدولة ذلك الاختصاص فاضحى قاضى الولاية العامة فى مجال الدعاوى التاديبية والمنازعات الادارية وهو ما ورد بقانون مجلس الدولة ذاته
اما عن النظام الالمانى فان إجراءات التأديب كما يلى المرحلة الأولى : السلطة الرئاسية و يمثلها رئيس المصلحة و السلطة الرئاسية العليا ، و الأول يملك توقيع عقوبات الإنذار و اللوم و الغرامة التى لا تتجاوز شهراً بعد إجراء تحقيق مع العاملين ، والثانية تتولى توقيع العقوبة الاشد ,المرحلة الثانية : النائب التأديبى الإتحادى : وهو فى ألمانيا على قمة جهاز مستقل عن جهة الإدارة لكنه يتبع وزير الداخلية و ليس وزير العدل و تكون مهمته الإدعاء التأديبى أمام المحاكم التأديبية و يتبع النائب التأديبى الإتحادى مجموعة من الوكلاء والمعاونين ،وهم ايضا موظفين على عكس مصر الذى منحهم المشرع صفة الهيئة القضائية وليس السلطة القضائية , و الوكلاء يتمتعون بجميع الإختصاصات المعقودة للنائب التأديبى بينما المعاونون يمثلون النائب التأديبى أمام المحكمة التأديبية و هى على درجتين الدوائر الإتحادية كمحاكم أول درجة و المحكمة التأديبية الإتحادية ثان درجة ، و يتولى المحاكم قضاة يتمتعون بالإستقلال و تصدر الاحكام بإسم الشعب كسلطة قضائية
و هكذا نقول وبكل ثقة واناة لاعضاء لجنة الخمسين الموقرة أنه لايوجد نظام فى العالم فى ظل الأنظمة المقارنة تتولى فيه هيئة النيابة الإدارية فى الدول التى تأخذ بالتنظيم القضائى للتأديب سلطة التحقيق و الإتهام و سلطة المحاكمة معاً بل تخضع سلطة المحاكمة لولاية القضاء التأديبى لمجلس الدولة للإعتبارات سالفة الذكر على نحو يجعل من التنظيم القضائى للتأديب فى مصر نموذجاً فى الإبداع القانونى مقرر لصالح العدالة و يمثل ضمانة جوهرية لبث الطمأنينة فى نفوس العاملين فاختصاصات مجلس الدولة ليست محلا للعبث استنادا لحجج واهية تبدو وكانها اعجاز نخل خاوية ,بعد ان اضحى مجلس الدولة المصرى بين نظرائه فى العالم فى رق منشور بمبادئه بين المبسط الميسور والمستفيض المسجورحتى ظن به البعض الظنون بمقترح مفطور ,فما يعيبون الا الفكر المدرار والراى الحرار الذى يحول دون اسناد ولاية القضاء الى غيراهله فتنهار دور العدالة فتصبح دار البوار ويجنبها سلطان الحديد والنار وهو الصرعة احاط بالاشرار وشد وثائق المدار فلا ضرر ولا ضرار.