اكد المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بالاسكندرية أن الأسباب التى دعت النظم الدستورية التى تاخذ بنظام القضاء فى التأديب بإسناد ولاية القضاء التأديبى لمجلس الدولة ليتولى سلطة المحاكمة إستقلالاً عن الهيئة التى باشرت التحقيق و وجهت الإتهام تكمن فى تأمين الموظفين على وظائفهم و بث روح الطمأنينة فى نفوسهم فيكون لهم ضمانة الحيدة ، كما يعد مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة فضلاً عن أن الجمع بين سلطتى الإتهام والمحاكمة فى يد واحدة يهدر ثقة العاملين فى قضاء عادل واعضاء هيئة النيابة الادارية ليسوا قضاة لانهم لا يفصلون فى خصومة قضائية و اوضح المستشار الدكتور محمد خفاجى ان حظر الجمع بين سلطتى التحقيق والاتهام والمحاكمة فى قبضة يد هيئة واحدة من ضمانات الحيدة للعاملين فى الدولة ذلك أن إسناد سلطة المحاكمة التأديبية لجهة قضائية مستقلة أى إسناد ولاية القضاء التأديبى للمحاكم التأديبية بدرجاتها بمجلس الدولة بعيداً عن سلطة التحقيق والإتهام الموسدة للنيابة الإدارية هى فى الحقيقة تأمين للموظفين على وظائفهم ويؤدى إلى بث روح الطمأنينة فى نفوسهم فيكون لهم ضماناً على الحيدة حتى يقومون بما يعهد إليهم من شئون وإختصاص دون مراعاة لغير أحكام القانون فلا ينحرفون من الوظيفة خوفاً من بطش أو توقياً للإنتقام . وذكر المستشار الدكتور محمد خفاجى إن إستقلال سلطة المحاكمة وعهدها لقاضى الولاية العامة بمجلس الدولة وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون فإنه يكفل فى جزء منها إجراء محاكمة تأديبية عادلة لمن خرج على مقتضى الواجب الوظيفى و فى جزء آخر يضمن حصول من يلوذون بمجلس الدولة على الترضية القضائية التى يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم بصدد الجزاءات التأديبية التى توقعها جهة الإدارة ، وبهذه المثابة فإن حيدة سلطة المحاكمة وإسنادها لقاضيها الطبيعى بمجلس الدولة يعد عنصراً فاعلاً فى صون رسالة الولاية العامة لقضاء مجلس الدولة فى مجال سلطة المحاكمة التأديبية لا يقل شأناً عن إستقلاله بما يؤكد تكامله ، ذلك أن إستقلال ولاية القضاء التأديبى بمجلس الدولة يعنى أن تكون سلطة المحاكمة بعيدة عن أشكال التمييز الخارجى التى توهن عزائم رجالها فيميلون معها عن الحق إذا أستجمعت سلطة التحقيق والإتهام وسلطة المحاكمة معاً إغواءً أو إرغاماً، ترغيباً أو ترهيباً واضاف خفاجى أن النص المقترح من لجنة نظام الحكم المنبثقة عن لجنة الخمسين والذى آثار اللبس والغموض والركاكة فى صياغته على نحو جعل البعض يذهب إلى إستجماع سلطة التحقيق والإتهام مع سلطة المحاكمة وعقدهما لهيئة النيابة الادارية يؤدى بهذا المفهوم المتقدم إلى إنصرافهم عن إنقاذ الحق تحاملاً من جانبهم على العاملين و إنحيازاً للبعض دون الآخر، و ذلك منافياً لضمانة التجرد و مناقضاً لحقيقة راسخة فى الذهن القانونى أن العمل القضائى فى سلطة المحاكمة التأديبية لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته ، وهو يكون كذلك إذا جمعت هيئة النيابة الإدارية فى قبضة يدها بين سلطتى التحقيق والإتهام والمحاكمة فلا يطمئن إليهم محاولون داخلتهم الريب فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية التى يجب أن تعهد فحسب لقضاء تأديبى مستقل فى مجال المحاكمة تابع لمجلس الدولة ذاته بحسبانه قاضى الشريعة العامة فى المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية . واكد المستشار الدكتور محمد خفاجى إن إستقلال سلطة المحاكمة التأديبية للعاملين المعقودة للقضاء التأديبى بمجلس الدولة عن سلطة التحقيق والإتهام المسندة لهيئة النيابة الإدارية تعد كذلك ضمانه جنباً إلى جنب مع حيدتها تنصبان على إدارة العدالة بما يكفل فاعليتها ، وهما بذلك متلازمتان إنتصافاً فلا تعلو إحداهما على آخراهما أو تجبها بل تتضامنان تكاملاً وتتكافأن قدراً ، وبذلك فإن ولاية القضاء التأديبى لمجلس الدولة مستقلاً عن سلطة التحقيق و الإتهام للنيابة الإدارية يكون محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة . و من الجدير بالذكر أن إستباحة الجمع بين سلطة التحقيق و الإتهام و سلطة المحاكمة فى يد هيئة واحدة كما تطالب به هيئة النيابة الإدارية يناقض الفطرة الإنسانية ، ذلك أن وظيفة السلطة القضائية لها خطرها أوثق إتصالاً برسالتها ، و إدعاء الإخلال بها يكون سقيماً نائياً عما يعتبر غياً ، فلا يتسم بالإندفاع أو التحامل أو التعمد مثلما يحدثه ذلك إذا ما تم الجمع بين السلطتين بقبضة يد هيئة واحدة . واختتم المستشار الدكتور محمد خفاجى انه بات مسلماً أن الهيئة التى تتولى سلطة الإتهام يمتنع عليها القيام بسلطة المحاكمة فى الدعاوى التأديبية ، والحكمة من ذلك أيضاً ، تكمن فى أن ذلك الجمع من شأنه أن يقضى على صفاء نفس من يجلس مجلس القضاء التأديبى ، ذلك أنه يتعين أن تصفو نفس القاضى التأديبى من كل ما يمكن أن يستشف رأيه فى المتهم بما يكشف لهذا الآخير مصيره فيتزعزع ثقته فيه و يعدم إطمئنانه و يهدر ثقته فى قضاء عادل فاعضاء هيئة النيابة الادارية ليسوا قضاة لانهم لا يفصلون فى خصومة قضائية