لم نقتل الإخوان فى السجن الحربى كما فعل البوليس الألمانى فى جماعة «بادر مانينهوف» بدران: الإخوان جنَّدوا أحد أفراد حرس عبد الناصر.. وسابقتُ الزمن لأمنع اغتياله
وقع بينى وبين هيكل خلاف بسبب نشره خبرا فى «الأهرام» عن السجن الحربى
عبد الناصر أخبرنى أن زوجته «تحية» كانت ضد إعدام سيد قطب
أنا وصلاح نصر وعباس رضوان لم نتعرض للتعذيب فى قضية الانقلاب.. بينما سمح مدير المخابرات بتعذيب الآخرين
طلبت من عبد الناصر أن لا يوقع أحكامًا بالإعدام على الإخوان.. وعندما سافرت إلى لندن للعلاج قرأت فى أحد الجرائد خبر إعدام سيد قطب
التعذيب لم يكن فقط فى السجن الحربى بل كان فى المباحث العامة بوزارة الداخلية وفى جهاز المخابرات التابعة لرئيس الدولة
كيف خطط الإخوان لنسف مرافق الدولة والاستيلاء على الحكم عام 1965؟
يقول شمس بدران إذا عدنا إلى موضوع الإخوان المسلمين والتحقيق معهم فى السجن الحربى يجب أن أذكر طلب عبد الناصر منى السماح لهيكل بزيارة السجن الحربى فى أثناء التحقيق للتعرف على مجرى التحقيقات، وعندما حضر هيكل ورأى ما يقوم به ضباط السجن الحربى تحت قيادة حمزة البسيونى وأطقمهم، كان يسألنى عن أى أخبار للنشر، فأعطيته خبرًا على أن لا ينشره إلا بعد يومين، وبعد أن يكون التحقيق قد تم مع بعض المتهمين، لكنه نشر الخبر فى اليوم التالى فى «الأهرام» كما نشر بعض التعليق على ما كان يقوم به حمزة البسيونى قائد السجن الحربى وفرقته، وعندما علم عبد الناصر بذلك، أمره بأن يذهب ليقابلنى فى منزل المشير ليعتذر عما نشره، وحضر فعلا واعتذر عما نشره، ثم قال لى إن كلًا منا له نفس الهدف، وهو حماية الوضع والدولة، فأنت تؤدى واجبك بالقيام بهذه التحقيقات، وأنا أقوم بواجبى عن طريق العمل الصحفى.. هذا وقد سألنى سامى شرف بعد ذلك عما تم فى زيارة هيكل للسجن فأخبرته بأنه رأى حمزة البسيونى وأطقمه وكذلك رأى طريقة الاستجوابات العنيفة، وعلق سامى شرف على ذلك قائلًا هذا مفيد جدا، لأن ذلك سوف يجعله منضبطًا طوال عمره، ولم يكن يهمنى أن يكون منضبطًا أو غير منضبط، لكنى غضبت جدًا لنشره ذلك الخبر مع علمه بأن ذلك يؤثر على مجرى التحقيق، وكان كل ما يهمه هو السبق الصحفى.
لم أغضب لأنه نشر رأيه بعدم موافقته على طريقة الاستجواب العنيفة التى رآها فهذا رأيه، ولقد قرأت الواقعة التى رويتها للتو عن زيارة هيكل السجن الحربى، قرأتها بتلوين هيكل فى كتاب الصحفى حسين كروم عن عبد الناصر المفترى عليه، قال حسين كروم: «قابلت الأستاذ هيكل فى أحد الأيام فى سنة 1976.. فى منزله وسألته عن عمليات التعذيب التى تعرض لها الإخوان المسلمون سنة 1965، وهل أمر عبد الناصر بها، فقال: عبد الناصر لم يعلم بها، إنما سمعت أنا بحدوث تعذيب واعتقال آلاف الأشخاص، فكتبت ملمحًا لذلك فى (الأهرام) وكانت النتيجة أن غضب منى شمس بدران وقاطعنى، ولم يكلمنى».
لا بد أن أتوقف هنا لأقول إننى لم أقاطعه أو أمتنع عن مكالمته لسبب بسيط، وهو أنه لم يكن لى أى علاقة معه فى العمل، ولم أكلمه أو أتصل به تليفونيًّا طوال وقتى، وأنا فى الخدمة بل ولم أره فى أى علاقة اجتماعية خاصة إلا عندما التقيته مرة فى منزل عبد الحكيم عامر، ونعود إلى رواية هيكل التى يقول فيها: «وذات يوم دق جرس التليفون فى منزلى ورفعت السماعة فإذا بعبد الحكيم عامر على الخط ويطلب منى أن أزوره فى بيته، وكان منزله قريبًا من منزلى، فذهبت إليه وحين دخلت الصالة وجدت شمس بدران جالسًا بمفرده، فألقيت عليه السلام، فلم يرد، إنما صدرت عنه همهمة؟ فجلست بجانبه دون أن يتحدث أحدنا إلى الآخر، وبعد مدة قصيرة حضر عبد الحكيم عامر.. وسألنى: هل تصالحتما؟ فقلت له: «لقد ألقيت عليه السلام ولم يرد».
وأنا هنا أقول إنه ليس من طبعى أن لا أرد السلام.. لكن هنا يظهر خيال الصحفى مرة أخرى.. وذلك بصياغة أبسط الأشياء بشكل يخالف الواقع وما حدث بالفعل، وهو سلوك متعمد من «حسنين هيكل» فى كل ما طالعت له من روايات وكتب وهو فى روايته هذه التى ذكر فيها ما جرى فى السجن الحربى ولقائى معه فى منزل المشير عامر يسترسل ويقول: «وبدأ العتاب بيننا وأذكر أن (شمس) كان غاضبًا من مقالتى»، وهنا أقول للسيد هيكل بأننى لم أكن غاضبًا من مقالته، لكنه نشر خبرًا مضرًا، وقد كنت قد قلت له أن لا ينشره إلا بعد انتهاء التحقيق فى هذا الخبر، ويتابع هيكل أنى قلت له إننى لم أعتقل إلا خمسمئة فرد، وإنى أصدرت أوامرى باستخدام التعذيب ضد عدد منهم على أساس أنى كنت فى سباق مع الزمن عندما علمت أن الإخوان نجحوا فى تجنيد أحد أفراد حرس عبد الناصر، وكان محتملًا أن يغتاله فى أى لحظة، وكان ضروريًّا أن أستخذم التعذيب حتى أمنع اغتيال الرئىس وأمنع حدوث خسائر كبيرة فى الأرواح والمنشآت فى ما لو بقى أفراد التنظيم أحرارًا، ولو كان لدى وسائل أخرى لاستخدمتها لمنع وقوع الكارثة، ولو تباطأت فى استخدام الإكراه وحدث ما كنا نخشاه لتم إلقاء المسؤولية علىّ. وهنا أرى أن السيد هيكل كان يريد الدفاع عنى بطريقته القصصية، لكنه لم يكن يعلم أن الروتين العادى فى السجن الحربى كان التعذيب منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك ما سوف تذكره فى ما بعد، وعلى العموم فلم تكن حماية عبد الناصر من مسؤولياتى بل كانت من مسؤولية الحرس الجمهورى المكون من لواء مدرعات ومشاة.
وأنا أقول هنا أيضا إن التعذيب لم يكن فقط فى السجن الحربى، بل كان أيضا فى المباحث العامة فى وزارة الداخلية وكذلك فى جهاز المخابرات العامة التابعة لرئىس الدولة، ومن أمثلة ذلك فإن قضية عبد القادر عيد، الذى كان أحد مديرى مكتب المشير عبد الحكيم عامر، وقد تم اعتقاله والتحقيق معه فى المخابرات العامة، وتم إحضار زوجته إلى مبنى المخابرات العامة والتهديد بالاعتداء عليها أمامه، وذلك مما أدى بعبد القادر عيد إلى الاعتراف وذكر الحقائق الخاصة بمحاولته الانقلابية.
وما يجب ذكره هنا أيضا أن عبد الناصر فى بعض المواقف كان يتغاضى عن أبشع الأساليب التى يستخدمها رجاله، ففى قضية الانقلاب عليه بعد أحداث 67 فقد سمح لمحمد أحمد صادق مدير المخابرات وإبراهيم سلامة بأن يستخدما أساليب التعذيب فى الحصول على اعترافات من كل من عثمان نصار، وحلمى عبد الخالق، وحسين مختار، وأحمد أبو نار، وتحسين زكى، وإسماعيل حمدى، ومدحت الريس، وعبد السلام فهمى، وعبد الله الشرقاوى، وإسماعيل مبارز، ومتولى محمد السيد، وإن كنت أنا أو صلاح نصر أو عباس رضوان، فلم يتعرض أحد منا لأى نوع من أنواع التعذيب، وبذلك كان عبد الناصر يقول لا تعذبوا هؤلاء «نحن الثلاثة»، لكن عذبوا الآخرين، الذين كانوا مشتركين معنا فى نفس المؤامرة ونفس الاتهامات. نعود مرة أخرى إلى السجن الحربى والتعذيب، وأحب هنا أن أوجز تاريخ السجن الحربى منذ الحرب العالمية الثانية، فأقول إن الإنجليز كانوا قد وضعوا الدعامة الأولى لعمليات التعذيب فى السجن الحربى، وذلك للحد من عمليات الهروب من الخدمة، فقد كانت أعداد كبيرة من جنود إمبراطورية بريطانيا العظمى تهرب من المعركة ويتم القبض عليهم بعد ذلك، ويأخذون أحكامًا ثم يرحلون إلى السجن الحربى فى القاهرة الذى تم إعداده ليكون جحيمًا للهاربين حتى أصبح البقاء فى الميدان والتعرض للقتل أو للإصابة أخف وطأة من دخول السجن الحربى، وقد ظهرت أفلام سينمائية فى بريطانيا فى أثناء الحرب العالمية الثانية عن هذا الموضوع، وهذا هو التاريخ المعروف للسجن الحربى، وممكن الرجوع إليه من ملفات وزارة الحربية فى ذلك الوقت، والدليل على ذلك أذكر هذه الواقعة التى خضتها بنفسى.. ففى عام 1952 قبل وقوع الثورة فى 23 يوليو كنت ضابطًا عظيمًا «نوبتجيًّا» فى اللواء السادس المشاة، وحضر لى الضابط النوبتجى فى الكتيبة 17، واشتكى من أن أحد الجنود اعتدى عليه، وقد تم ضبطه ووضعه فى أحد العنابر فذهبت لأتحرى الموضوع، ودخلت العنبر وعندما رآنى الجندى، حدث أن أخذ يلوك بلسانه حتى أخرج من فمه موس حلاقة للتعدى علىّ، وأمكن تكتيفه لترحيله إلى السجن الحربى لمحاولة التعدى على الضابط النوبتجى والتعدى على الضابط العظيم وأخذته فى عربة تحت الحراسة وتوجهت للسجن الحربى، وبالصدفة تعطلت العربة عند بوابة السجن ونزل السائق وفتح «الكبوت» لمعالجة العطل ونزل الحرس والجندى السجين لدفع العربة حتى تم إدارة الموتور، وهنا قفز السجين ووضع يده فى مروحة الموتور فقطعت إصبعين من يده وبذلك أصبح معفيًّا من دخول السجن الحربى لحين علاجه، وهذا يدل بوضوح على أن هذا الجندى قد اختار أن يقطع أصابعه عن أن يدخل السجن الحربى الذى كان الروتين العادى فيه هو عندما تفتح البوابة يقف وراءها اثنان من جنود السجن بالكرابيج ليعطوا السجين عند بدء دخوله مذاقا لما سوف يحدث له بعد ذلك، وهذا هو الروتين الذى بدعه الإنجليز لإيقاف عمليات الهروب من الخدمة فى أثناء حرب الصحراء الغربية فى الحرب العالمية الثانية، واستمر حال السجن على ذلك الحال منذ هذا الوقت وأنا أقول كل ذلك الآن، لأنه هو المدخل لسرد وقائع تحقيقات الإخوان المسلمين فى قضية عام 1965 تلك التحقيقات التى جرت وفق الروتين العادى للسجن الحربى والتى سمحت أنا فيها باستخراج الحقائق داخل حدود هذا الروتين، لأن السجن الحربى لم يكن من مسؤولياتى فقد كنت مديرًا لمكتب القائد العام، وكان السجن الحربى يتبع وزارة الحربية، وكنت أستطيع أن أغير روتين السجن الحربى، لكنى لم أفعل، لأن هذا الروتين كان متبعا فى وزارة الداخلية أيضا، وكذلك فى جهاز المخابرات العامة التابعة لرئيس الجمهورية.
وفى سياق ثان أحب هنا أن أبدأ بالقول «فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقسُ أحيانا على من يرحم»، وزعم أن ذلك كان لا ينطبق تمامًا على حالتى مع الإخوان المسلمين، ولكنى سوف أبدأ الحديث عن التعذيب منذ وعيت الإحساس به منذ أكثر من سبعين عاما مضت عندما بدأت حياتى الدراسية وأنا طفل صغير فى مدرسة روضة الأطفال بالجيزة، وعندما وصلنا إلى السنة الثالثة وهى السنة النهائية قبل الانتقال إلى المدرسة الابتدائية حدث أن أخذنا نتعلم اللغة الإنجليزية، وكانت المدرسة سيدة إنجليزية «عانس» طويلة القامة نحيفة الجسم تسمى ميس «أركس» شديدة العناية بأظافر يديها، وكنا إذا أخطأ أحد منا باستهجاء كلمة «إنجليزية» تقوم المدرسة بالإمساك بطرف أذن المخطئ بين أظافرها الطويلة والضغط عليها حتى يصرخ الطفل المخطئ من الألم، وكان هذا تعذيبا رهيبا لمن مر بهذه التجربة، ثم انتقلت إلى مدرسة الأورمان الابتدائية، وكان مدرس اللغة العربية يسأل دائما اثنين من الطلبة الفطاحل كبيرى السن والجالسين فى آخر الفصل وغالبا ما يخطئون فى الإجابة، فيقوم المدرس بتوجيه نفس السؤال لى، وعندما أعطى الإجابة الصحيحة يأمرنى بالتوجه إلى آخر الفصل وصفع كل منهما مرتين على وجهه، وكان هذا أيضا تعذيبًا، وعندما ينتهى اليوم ونأخذ فى الخروج من المدرسة كان يحدث أن يقوم هذان الطالبان بانتظارى فى الخارج ويعطوننى علقة ساخنة ويهددونى إذا أخبرت المدرس بذلك، وكان ذلك أيضا تعذيبًا ثم انتقلت إلى مدرسة السعيدية الثانوية، وكان مدرس اللغة الإنجليزية أيضا إذا أخطأ أحد منا كان يقوم بضربه بشدة على ظهر كفه بسن المسطرة وكان ذلك أيضا تعذيبًا، أما التعذيب الأكبر فكان عندما يصيب اليأس أحد المدرسين من أحد الطلبة، فقد كان يقوم بتحويله إلى ناظر المدرسة «جعفر النفراوى» الذى يأمر بخلع حذائه ورفع قدميه إلى أعلى ويكلف أحد المساعدين بالإمساك بهما ليقوم هو بجلد القدمين العاريتين بسوط كان يبقيه دائما فى مكتبه لهذا الغرض، وكنا نطلق على تلك العملية كلمة «يعبط» أو «العبط»، ولذلك كانت مدرسة «السعيدية» هى المدرسة الأولى على كل المدارس الثانوية فى القطر المصرى فى ذلك الوقت وهذا «العبط» هو ما كان يتم تماما فى السجن الحربى بواسطة حمزة البسيونى وأطقمه، إضافة إلى الروتين العادى للسجن الحربى منذ الحرب العالمية الثانية وكل ما يقال خلاف ذلك، فهو إما كلام مختلق أو كان يتم دون معرفتى أو معرفة من كان معى من المحققين، وذلك أيضا هو ما حدث فى تحقيقات عام 1954 التى كانت تجرى تحت إشراف زكريا محيى الدين كما سبق التنويه عنه، وهو ما حدث أيضا فى تحقيقات 1965، وكنت قد طلبت من عبد الناصر أنه بعد المحاكمة لا يوقع أحكاما بالإعدام، وسافرت إلى لندن للعلاج ونشرت الجرائد خبر الإعدام على السيد قطب، ومعه اثنان آخران وهما يوسف حوّاش وعبد الفتاح إسماعيل، وعندما عدت إلى مصر قابلت عبد الناصر وسألته لماذا لم يأخذ برأيى فى عدم الإعدام، فقال لأنهم كانوا ضمن المحكوم عليهم فى حادثة المنشية عام 54، وأفرجت عنهم قبل انتهاء العقوبة، وقال إن تحية «زوجته» كانت أيضا ضد حكم الإعدام وعاتبتنى على ذلك وأنتم تضعونى الآن فى موقف صعب.
وفى خاتمة هذا الموضوع أحب أن أشير إلى ما حدث فى ألمانياالغربية فى الستينيات عندما قامت جماعة «Bader Manienhoph« «بادر مانينهوف» بخطف رئىس شركة «هاتيكان» -وهى تعادل جماعات «Red Brigades» «الألوية الحمراء» فى إيطاليا- وبعد أن اعتقلهم البوليس الألمانى قتلهم جميعا فى السجن قائلا إنهم انتحروا بمسدس مهرب، فى نفس الوقت الذى كان يعلم فيه كل المسؤولين الألمان الحقيقة، ووافقوا عليها، ونحن لم نفعل ذلك فى السجن الحربى.