صدفة أن يجمع بين الموسيقار الكبير «محمد عبدالوهاب» والمطرب الكبير «محمد رشدي» يوم الوفاة مع اختلاف السنوات.. رحل الاثنان يوم 3 مايو «عبدالوهاب» عام 1991 بينما رشدي 2005. وُجدا في مرحلة زمنية كانت تفرض علي «عبدالوهاب» أن يلحن لمحمد رشدي مثلما لحن لآخرين ولكنه لم يفعلها.. كان «محمد عبدالوهاب» هو الهدف، بل القبلة - بكسر القاف - التي اتجه إليها «رشدي» عندما جاء من بلده «دسوق» إلي القاهرة حيث كان طموحه قبلها لا يتجاوز أن يغني في مولد «إبراهيم الدسوقي».. دخل «رشدي» بيت «عبدالوهاب» متلصصاً من السلم الخلفي - الذي نطلق عليه سلم الخدم - حيث كان لديه قريب يعمل طباخاً عند «عبدالوهاب» فكان يسمح له بالدخول من باب المطبخ وأن يتنصت علي «عبدالوهاب» ولم يكتف «رشدي» بذلك، بل امتدت يده من فرط الحب إلي سلة مهملات «محمد عبدالوهاب» وعثر فيها علي كلمات أغنية «ع الجبين مكتوب».. الكلمات يبدو أنها لم تعجب الأستاذ ولهذا مزقها ولكن «رشدي» التقطها لتصبح «ع الجبين مكتوب» الأغنية التي يتم اعتماده بها في الإذاعة المصرية وعندما استمع «عبدالوهاب» للأغنية في الإذاعة اكتشف ما حدث واعتبره جاسوساً ومنعه من دخول المنزل.. «رشدي» بدأ الحياة الفنية في مرحلة متوافقة مع «عبدالحليم حافظ» الفارق الزمني في الميلاد بينهما عام واحد «رشدي هو الأكبر مواليد 1928.. لا شك أن الستينيات طرحت اسم «رشدي» بقوة في الساحة الفنية حيث صار يشكل تهديداً لعرش «عبدالحليم» بتلك الأغاني الشعبية التي بدأت مع «وهيبة» ثم «عدوية» واستمرت مع «عرباوي» و«حسن المغنواتي» وغيرها وغيرها وأطلقوا عليه لقب «مطرب العمال والفلاحين» ولهذا اضطر «عبدالحليم حافظ» إلي إعلان أنه أيضاً مطرب الفلاحين، ودلل علي ذلك قائلاً: إنه مصاب بمرض البلهارسيا وإن 80% من الفلاحين في مصر مصابون بهذا المرض، وبدأ أيضاً في تقديم الشعبيات مثل «سواح» و«علي حزب وداد قلبي» و«أنا كل ما أقول التوبة».. «عبدالوهاب» تبني صوت «عبدالحليم» ولم يقترب من صوت «رشدي» سألت «رشدي»، عن الأسباب في تحقيق نشرته علي صفحات «روز اليوسف» قال لي «رشدي» إنه بالفعل طلب من «عبدالوهاب» أن يلحن له وكان علي استعداد أن يدفع ما يطلبه منه إلا أن «عبدالوهاب» اشترط عليه أولاً أن يقدم ما يشاء من أغانيه القديمة ولكن «رشدي» لم يفعلها فلم يلحن له «عبدالوهاب».. الغريب في الأمر أن «محمد رشدي» بعد رحيل «محمد عبدالوهاب» غني عدداً من الأغنيات القديمة لمحمد فوزي مثل «مال القمر»، «يا سلام»، «ويلك ويلك» لم يغن لمحمد عبدالوهاب لا قديمًا ولا جديدًا.. يبدو أن عدم لقائهما كان أيضاً «علي الجبين مكتوب»!!