لا يذهب عادة كبار المسئولين بالدولة للمقر البابوي ولقاء البابا شنودة سوي في المناسبات والأعياد الدينية لتقديم التهنئة..أو عند وقوع أحداث طائفية هنا أو هناك تستلزم توضيح ملابساتها..لكن هذه المرة لا توجد مناسبة تستدعي زيارة أحد كبار رجال الحزب الحاكم وهو المهندس أحمد عز للقاء البابا شنودة..كما أن الزائر لا يتمتع بصفة رسمية فهو ليس مسئولاً تنفيذياً كبيراً بالدولة..وعندما التقي عز البابا مساء الاثنين الماضي..فقد كان ذلك بصفته أمين التنظيم بالحزب وليس بوصفه رجل الأعمال والعضو البارز بمجلس الشعب ورئيس إحدي لجانه..وبحكم موقع الرجل داخل الحزب ودائرته العليا الضيقة.. فإن المعني يجب أن يكون قد وصل إلينا..فهذا لقاء رسمي سياسي لا يحتاج إلي تأويلات..حيث الانتخابات علي الأبواب. نعرف أن المهندس عز هو الذي يدير العملية الانتخابية لأعضاء حزبه في انتخابات مجلسي الشعب والشوري القادمة.. وقد تلقي الرجل هزيمة كبيرة بعد فشله في إدارة انتخابات مجلس الشعب الماضية..عندما حصل الوطني علي 35% من مقاعد مجلس الشعب..ولولا انضمام الفائزين من المستقلين إلي الحزب الوطني..لضاعت هيبة عز وقبلها هيبة الحزب..ولصدر القرار بحل المجلس قبل أن تبدأ أولي جلساته. وقد وعي السياسي أحمد عز الدرس جيداً وعرف أن إحدي الأوراق المهمة في اللعبة الانتخابية..التي لايمكن تجاهلها ككتلة تصويتية كبيرة هي ورقة الأقباط إذا تم توظيفها بشكل جيد..ساعد علي ذلك أن البابا تجاوز منصبه الديني منذ زمن بعيد..وأصبح أحد اللاعبين السياسيين الكبار في حياتنا السياسية..وبات رقماً صعباً لا يمكن تجاهله..ولا تنس تصريحاته السياسية المؤيدة للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية السابقة. ما سبق كان في ذهن أحمد عز أثناء زيارته الأولي للمقر البابوي..وحسب التصريحات التي نسبتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية لمصدر في المكتب البابوي..فقد كان اللقاء سياسياً بحتاً عندما أشار البيان إلي أن البابا شنودة ناقش مع ضيفه حالة الحراك السياسي التي تعيشها مصر حالياً في ضوء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة!!..كما أكد أحمد عز ضرورة المشاركة السياسية للأقباط وتعميق مفهوم قيم المواطنة كما أرساها الدستور المصري. دعك هنا من بقية سطور البيان التي ذكرت أن المهندس عز طلب دعم البابا لموضوع تحديث المناهج الدينية في مراحل التعليم المختلفة..فهذا المطلب ليس هو الهدف الرئيسي للزيارة بل هو من حشو البيان..لأن ذلك إذا كان قد جري فهو بمثابة تعدٍّ من أمين تنظيم الحزب الوطني علي المهام الوظيفية للدكتور زكي بدر..بصفته وزير التربية والتعليم الذي يدير هذا الملف..خاصة أنه قد التقي فضيلة المفتي ثم فضيلة شيخ الأزهر..والطبيعي أن وزير التعليم كان سيزور البابا شنودة قريباً لبحث هذا الموضوع. إذن هدف المهندس عز من زيارة البابا هو الانتخابات التشريعية والرئاسية..ورغبة حزبه في أن يكسب دعم الأقباط من خلال البابا شنودة..لهذا جاءت زيارته للمقر البابوي..وبتلك الزيارة يكون قادة الوطني قد بدأوا اللعب بورقة الدين وأقحموه في السياسة..رغم تكلفة وخطورة هذه السياسة علي مفهوم ودعائم الدولة المدنية..وقد أكدت هذه الزيارة كيف ينظر الحكم إلي البابا بوصفه رمزاً سياسياً للأقباط بدلاً من دعم موقعه الديني كزعيم روحي للأقباط. وإذا كنا قد عرفنا من تصريحات المصدر الكنسي لوكالة الأنباء الرسمية مطالب أمين تنظيم الحزب الوطني من هذه الزيارة..فقد بقي لنا أن نعرف ما الذي طلبه البابا شنودة من أمين التنظيم بالحزب الحاكم..مقابل دعمه لأنصار الوطني وتأييد مرشح الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية القادمة..ولأن الزيارة سياسية في المقام الأول..ولأنه لا يوجد دفع مجاني في عالم السياسة فلكل شيء ثمن..فلابد من معرفة ثمن هذه الزيارة؟