عرفته قبل سنوات بعيدة، صحفيًا متمرسًا أغوته مهنة البحث عن المتاعب، فارسا بين أصدقائه ومعارفه، قبل أن يرحل عنا فجأة إثر أزمة قلبية داهمته بينما كان يمارس عمله بالإسكندرية لم يكن الزميل الراحل أشرف الفقي - مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط ورئيس مكتبها في الإسكندرية - مجرد صحفي عادي يحمل هموم جيله وأمته. كان رحمه الله نموذجا للصحفي المعني أولا وقبل كل شيء بقيمة المعلومة الصحيحة والسليمة. مات الفقي وسقط بينما كان يؤدي عمله في متابعة إحدي الندوات في مكتبة الإسكندرية، ودفن أمس بمسقط رأسه بمحافظة بورسعيد. وكما فهمت من الزميل صلاح جمعة فإن عبدالله حسن - رئيس مجلس إدارة وتحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط - المتأثر بوفاة الفقي قرر إقامة عزاء مساء الأحد بجامع عمر مكرم، تعبيرا عن محبة الجميع للراحل وتقديرا لمشواره المهني وشخصه. عندما تولي الفقي رئاسة مكتب الوكالة العتيدة بالإسكندرية ورث كما هائلا من المشاكل والخلافات لكنه قلب الأمور رأسًا علي عقب وبذل مجهودا كبيرا في تغيير المشهد الذي شهد طفرة كبيرة باعتراف الجميع. والفقي خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، علما بأنه حصل علي الثانوية العامة في الجزائر، حيث كانت والدته تعمل هناك ولديه ولد (يوسف) وبنتان. كان نشيطا للغاية لا يهدأ في مكان بحكم عشقه للسفر والترحال والمغامرات الصحفية التي طالما أبدع فيها، وكانت له صولات وجولات جعلته محط الأنظار ونال بفضل جهده الشخصي الدءوب ثقة الجميع واحترامهم له. كان اسمه علي أي موضوع يكتبه كافيا لحث القارئ علي قراءته، فهو من القلة التي أجادت الكتابة وفهمت حرفيات المهنة وطوعتها بصدق وموضوعية. من الصعوبة بمكان أن أرثي الفقي أو أن أنعيه إلي القراء ومن بينهم محبوه ومعارفه، لكن رحيله دون شك يمثل خسارة كبيرة لمن عرفوه واقتربوا منه. كان لتوه قد عاد من الكويت في زيارة عمل، التقيته قبل أيام قليلة فقط في الصالون الثقافي للسفير السعودي هشام الناظر في القاهرة، الذي كان أحد أبرز رواده وصاحب التعليقات الذكية المختصرة، قبل أن أتلقي نبأ رحيله في خبر بثته الوكالة التي أفني عمره في خدمتها ولم ينل فيها ما يستحقه وبما يتناسب مع إمكانياته الصحفية المتميزة. لطالما نظرت إلي الفقي علي أنه أحد هؤلاء الصحفيين القادرين علي إصابة معظم المسئولين العرب بصداع عندما كانوا يطالعون تقاريره وانفراداته في صحيفة «الحياة اللندنية» التي كان لسنوات أحد أبرز مراسليها في القاهرة برفقة العزيز محمد عبد الهادي. كان الراحل قامة صحفية كبيرة لم تنل ما تستحقه في شارع الصحافة المصرية، فهو لم يكن فقط واحدا من أفضل من تخصصوا في متابعة الشئون العربية والدبلوماسية، وإنما أيضا أكثرهم انفتاحا علي الجميع بغض النظر عما إذا كان موقعه في الحكومة أو المعارضة. مازلت أذكر تلك العلاقات الحميمة الرائعة التي ربطته بعدد من أكبر الصحفيين والإعلاميين العرب دون أن ينسي أو يتجاهل أدق التفاصيل التي كانت لعبته وهوايته وعمله. لذلك لم يكن غريبا أن تنعاه وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» في لفتة إنسانية تعبر عن حجم الاحترام الذي لطالما حظي به الفقي حيا وميتا. وبعدما فاز برئاسة نادي 15 مايو بأغلبية كبيرة كانت للراحل طموحات أكبر، حيث بدأ يتطلع إلي الحصول علي عضوية مجلس الشعب ويفكر جيدا في ترشيح نفسه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لكن الموت كان أسبق إليه في لحظة. أغلب أصدقائه سواء في وكالة الشرق الأوسط أو مكتب الوطن السعودية أو في مختلف الصحف ووسائل الإعلام، في صدمة، فرحيله جري دون مقدمات، وبلا أي تمهيد، فهو لم يكن يعاني أي عارض صحي أو طبي، لكن الموت حق وبلا موعد متي حانت الساعة وبات علي الإنسان أن يرحل عن دنيا الشقاء إلي حيثما أراد الله. كان الفقي رجلاً بسيطًا محبًا للحياة، شقيا بهموم مهنته وعمله، وهو رحل عنا في صمت كما عاش، إنا لله وإنا إليه راجعون.