ربما ليست صدفة تماماً. لا يستطيع الرئيس بسبب ارتباطاته كما سرب مصدر قريب من الرئاسة ل «الدستور» حضور عيد العمال، وهذه من المرات النادرة في تاريخ العلاقة بين «الدولة» والعمال بعد ثورة يوليو التي يغيب فيها الرئيس عن احتفال 1مايو. وفي نفس الوقت احتفل العمال في مصر بالعيد علي طريقتهم.. مستعيدين بعضاً من الروح التي تحول فيها الأول من مايو إلي عيد. الفكرة لم تبدأ من الدول.. بل من العمال وبالتحديد في أستراليا عام 1856، عندما قرر العمال تنظيم يوم للتوقف الكامل عن العمل للمطالبة بتحديد ساعات العمل ب 8 ساعات فقط. نجح عمال أستراليا وانتقلت العدوي إلي عمال أمريكا بعدها بسنوات، وفي عام 1886 حددوا يوم 1 مايو ليكون يوم إضراب عن العمل للمطالبة بتحديد ساعات العمل وتحسين ظروف العمل وتشريع قانون خاص بالعمال.. ونظمت مسيرات عمالية حاشدة تصدت لها قوات الشرطة وسقط 4 قتلي من العمال المضربين في مدينة شيكاغو. العمال اختاروا اليوم ليحتفلوا بيوم انتصارهم، وتضحياتهم من أجل تحسين ظروف العمل. هذا هو المعني الكبير: عيد العمال هو احتفال متجدد يذكر بمسيرة العمال باتجاه ظروف وحياة أفضل. الدولة في مصر وخاصة منذ 23 يوليو أرادت أن تقول إنها دولة العمال (والفلاحين) طبعاً.. وتحول الاحتفال إلي مناسبة رسمية يحضرها رئيس الدولة ويوجه فيها خطاباً سياسياً ويوزع فيه المنح علي العمال برعاية اتحاد لنقابات تعيش أغلبها تحت جناح الدولة. وهذا ما يمنح احتفال هذه السنة معني أكبر من صدفة انشغال الرئيس وارتفاع نبرات الاحتجاجات العمالية. المعني الجديد: إن المجتمع يستعيد المبادرة بشكل ما، ويدخل بالتدريج في «السياسة». مصر مازالت في عصر «ماقبل السياسة». والمكاسب الصغيرة التي تحققت في السنوات الأخيرة كبيرة في هذا المسار الذي يجعل المجتمع يفرض «أشكال» احتفاله ويحتج علي احتفال توزيع المنح وينام في الشوارع ويرفع الأعلام السوداء ويهتف كما حدث يوم أمس الأحد «بلادي يا بلادي.. مش بلاقي قوت أولادي». وأكتب هذا المقال بينما تستعد شرائح واسعة من العمال لمظاهرة كبيرة تطالب برفع الحد الادني للاجور وترفع شعار «قليل من العدل لا يضر». العمال لديهم ما يطالبون به. والدولة ليس لديها سوي الصمت والبحث عن موعد في أجندة الرئيس. لديها شيء آخر: الأمن ثم الأمن ثم الأمن. لكن حتي الأمن لا يتحرك بسهولة، واضطر الحزب الوطني إلي ضبط كلامه ومحاسبة النائب الذي طالب بضرب المتظاهرين بالرصاص. ربما تكون هذه لعبة يستغل فيها الحزب الوطني سذاجة نائب ليضحي به ويقول إنه ديمقراطي.. لكن ما حدث أن النائب خرج عن النص.. والمجتمع لم يسكت فكان التراجع. هذه هي المكاسب الصغيرة التي تشير إلي أن «مصر تتغير».. وتخرج من عصر «ما قبل السياسة» خروج بطيئاً لكنه مؤثر بشكل قد لا يشعر به عشاق التغيير السريع.