مصدر ينفي إعلان الحكومة الجديدة خلال ساعات: مشاورات التشكيل الوزاري مستمرة    التحويلات بين المدارس للعام الدراسي القادم 2024-2025.. اعرف الموعد والأوراق المطلوبة    محافظ الغربية يقود حملة لرفع الإشغالات على الطرق والمحاور الرئيسية    أسعار الذهب في مصر اليوم.. عيار 21 يسجل 3130 جنيها للجرام    محافظ الشرقية يفاجئ العاملين بالوحدة المحلية بالصالحية القديمة    مصر للطيران تسير غدا 8 رحلات جوية لنقل حجاج بيت الله الحرام إلى أرض الوطن    وزير الأوقاف يشهد انطلاق توزيع الدفعة الأولى من لحوم الأضاحي بالقاهرة    الرئيس الروسى: تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع فيتنام من أولوياتنا    جوتيريش يدعو إلى مساعدة اللاجئين ودعم حقوقهم الإنسانية حول العالم    الاتحاد الأوروبى يوافق على حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا    استشهاد 35 فلسطينيا خلال 24 ساعة في غزة    بعد أزمة "الأحمال".. الكويت تنشر جداول "قطع الكهرباء"    تشكيل الزمالك المتوقع أمام فاركو.. صبحي يعود لحراسة المرمى وظهير أيسر جديد    محمد صبحى يحتفل بعقيقة ابنه تميم بحضور حسام عاشور.. صور    تركي آل الشيح ينعي علاء العطار مشجع الزمالك ويدعو أسرته لأداء مناسك العمرة    بدء عودة حجاج الجمعيات الأهلية إلى أرض الوطن غدا    إصابة 7 مواطنين فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    محافظ القاهرة: نجحنا فى توفير السلع الغذائية خلال إجازة العيد    السبت.. 19 طالبا وطالبة يخوضون سباق الثانوية العامة داخل مستشفى 57357    القبض على تشكيل عصابي تخصص في سرقة ماكينات ري الأراضي الزراعية في الشرقية    حرمان 39 ألف طالب فلسطيني من امتحانات الثانوية العامة في غزة    فيلم اللعب مع العيال يقترب من 16 مليون جنيه إيرادات فى 8 أيام عرض    تركي آل شيخ متفائل بعودة عمرو دياب إلى السينما.. ويعلن عن مفاجأة مع المصمم العالمى إيلى صعب    الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة ل37431 شهيدا    12 فريق للتوعية وتقديم خدمات المبادرات الرئاسية في عيد الأضحى بمطروح    20 يونيو 2024.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل اليوم بتذكار رئيس الملائكة جبرائيل    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    ماذا قال أحمد عز ل يسرا قبل إنطلاق أول عروض مسرحية ملك والشاطر؟    مصرع شابين صعقا بالكهرباء داخل مزرعة بالمنيا    التعليم العالي: تنظيم زيارة للطلاب الوافدين لمستشفى سرطان الأطفال 57357    أول تحرك لنادي فيوتشر بعد إيقاف قيده بسبب "الصحراوي"    بيان مهم من الداخلية بشأن الحجاج المصريين المفقودين بالسعودية    تقرير: واشنطن لا ترى طريقا واضحا لإنهاء الحرب في غزة    الإسكان: 5.7 مليار جنيه استثمارات سوهاج الجديدة.. وجار تنفيذ 1356 شقة بالمدينة    بعد انتهاء عيد الأضحى 2024.. أسعار الحديد والأسمن اليوم الخميس 20 يونيو    سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين    محمد صديق المنشاوى.. قصة حياة المقرئ الشهير مع القرآن الكريم    دراسة علمية في الجزائر حول الفكر التنويري للخشت    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    الإفتاء توضح حكم هبة ثواب الصدقة للوالدين بعد موتهما    الأهلي يحسم مصير مشاركة عمر كمال أمام الداخلية اليوم    "البديل سيكون من أمريكا الجنوبية".. اتحاد الكرة يتحرك لاختيار حكام مباراة الأهلي والزمالك    عاجل - تحذير خطير من "الدواء" بشأن تناول مستحضر حيوي شهير: جارِ سحبه من السوق    ثلاثة أخطاء يجب تجنبها عند تجميد لحوم الأضحية    كيفية الشعور بالانتعاش في الطقس الحار.. بالتزامن مع أول أيام الصيف    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    يورو 2024| صربيا مع سلوفينيا وصراع النقاط مازال قائمًا .. والثأر حاضرًا بين الإنجليز والدنمارك    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 20 يونيو.. «ركز على عالمك الداخلي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد المهدي يكتب: هل مازال للعمال عيد؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 02 - 05 - 2010

أعداد العمال المعتصمين صارت مثيرة لغضب الحكومة ومطالبهم مثيرة للخوف والتوجس
هل مازال للعمال عيد؟
أعداد العمال المعتصمين صارت مثيرة لغضب الحكومة ومطالبهم مثيرة للخوف والتوجس أول مايو هذا العام (2010) مختلف، فالمفترض أنه يوم «عيد العمال»، ولكن العمال ينامون (هم وأسرهم) الآن علي الأرصفة المحيطة بمجلس الشعب ومجلس الوزراء، ويقفون معتصمين هنا وهناك للمطالبة بالحد الأدني من ضرورات الحياة المفقودة، بعد أن طردهم أو تحكم فيهم المستثمر الأجنبي الذي اشتري المصانع التي عاشوا يعملون فيها طيلة عمرهم. لقد اختلف المشهد كثيرا عما كان عليه الحال وقت أن تقرر أن يكون للعمال عيد، فقد كان عبدالناصر - رغم أخطائه الجسيمة - منحازا للعمال والفلاحين والفقراء عموما، وقد أطاح بالملك والباشوات والأحزاب والرأسماليين وتوجه بالرعاية نحو جموع الكادحين والفقراء فأنشأ لهم المصانع في حلوان وكفر الدوار والمحلة وشبرا الخيمة والصعيد، واستكمل منظومة الاقتصاد الوطني التي بدأها طلعت حرب، وكانت سعادته تتحقق وهو يفتتح المصانع كل يوم ويعين آلاف العمال فيها، وتتحقق كلما زادت أعمدة المداخن، وتتحقق كلما سلم أعدادا كبيرة من الفلاحين عقود الأراضي الزراعية، وتتحقق وهو يعيش وسط الشعب ويصافحه في غبطة وسعادة، وتتحقق وهو يخصص 50% من مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين حتي يمنع طغيان رأس المال علي الحكم، لذلك لم يكن غريبا أن يغفر الناس لعبدالناصر كارثة 5 يونيو ويطالبونه بالاستمرار في السلطة لحين إزالة آثار العدوان، ولم يكن غريبا أن يخرج أربعة ملايين مصري يودعون جثمانه حين مات في أكبر جنازة شعبية في التاريخ، حيث كان يشعر المصريون باليتم لوفاته. وربما يكون العهد الناصري قد بالغ في تدليل العمال والفلاحين عندما أوحي لهم بأن الدولة بمثابة الأب والأم والراعي الحنون، تلك الفكرة التي مازال يتوهمها العمال والفلاحون حتي اليوم رغم تغير الظروف والأحوال.
وفي عهد السادات بدأ التراجع في الحفاوة بالعمال والفلاحين والكادحين والمطحونين، وبدأ عصر الانفتاح بفتح الأبواب علي مصراعيها لرجال المال والأعمال يغترفون من ثروات البلد تحت دعوي تشجيع الاستثمار وتمهيد الطريق للاقتصاد الحر، والتحول من الاشتراكية للرأسمالية، ومنذ هذا الوقت وحتي الآن انقطعت الصلة الودية بين الدولة والطبقات الفقيرة بكل تنويعاتها، وأصبح رجال المال والأعمال هم أصحاب الحظوة ومحل الحفاوة، وصارت ألقاب العمال والفلاحين صفات انتخابية يستخدمها الرأسماليون للوصول إلي مقاعد مجلسي الشعب والشوري لتسهيل مصالحهم وتأمين مكتسباتهم، أما العامل الحقيقي والفلاح الحقيقي فقد خرج من اللعبة تماما.
واستمر نفس النهج في الثلاثين سنة الأخيرة، فبدلا من افتتاح المصانع أصبح هناك بيع متسارع للمصانع، وبدلا من الاحتفاء بالعمال والفرح بهم وهم يهتفون للثورة وزعيمها نجد الآن حكومة تهرب من مقرها في شارع قصر العيني حتي لا تواجه جموع العمال المفترشين الأرصفة هناك وتذهب لتعقد اجتماعاتها في «القرية الذكية» في «دريم لاند» بعيدا عن العمال وما يصدر عنهم من روائح وما يصدرونه من احتجاجات وصرخات. ولم يعد قصر الرئاسة في «منشية البكري» في «قصر القبة» في القاهرة قريبا من الناس، بل صار بعيدا في شرم الشيخ، حيث تفصله عن الناس مئات الأميال والتحصينات ونقاط التفتيش، ولم يعد العمال مصدر حفاوة للدولة بل صار منظرهم مثيرا للاشمئزاز، وأعدادهم الكثيرة مثيرة للغضب، ومطالبهم مثيرة للخوف والتوجس، ولم يعد العمال يرون القيادات تسلم عليهم في المناسبات وتهنئهم بالوظائف الجديدة وبالمنحة، بل صار العمال لا يرون إلا جنود الأمن المركزي وهم يحوطونهم حتي لا ينتشروا كالوباء في أماكن اعتصامهم. وربما يرجع ذلك إلي إحساس المسئولين تجاه العمال، حيث يرونهم كائنات زائدة عن حاجة العمل، وأنهم ليسوا ثروة بشرية يمكن الاستفادة منها بل مخلوقات طفيلية كثيرة الشكوي تتكاثر بشكل عشوائي وتسبب عبئا وحرجا للمسئولين علي المستويات المختلفة.
وهناك من يقول إن العمال المفترشين للأرصفة ليسوا فوق مستوي المساءلة والمحاسبة فهم تركوا أعمالهم وأهملوا مسئولياتهم وهم يطالبون بزيادة الأجور دون أن يحسنوا من أدائهم ومن إنتاجيتهم وجودة عملهم، وأنهم أدمنوا الشكوي والبكاء وأهملوا العمل والإبداع. وقد يكون بعض ذلك صحيحا، ولكن علينا أن نعرف أن غالبية العمال من الفئات البسيطة التي لا تتمتع بمهارات حياتية عالية، وأنهم تحت الضغوط المزمنة قد يكتسبون صفات سلبية من التواكل والاعتمادية وإهمال العمل والتحايل علي الإدارة وإدمان الشكوي والمطالبة بالحقوق دون تقديم الواجبات. وهذه الفئة تحتاج لمن يضعها في منظومة حياتية وإنتاجية مناسبة تخرج منها أفضل ما فيها، وتساعدها علي الإتقان والإبداع وتحسين جودة الإنتاج وأن تكون هناك علاقة حقيقية بين أداء العامل وراتبه والحوافز التي يحصل عليها.
إذن فتغير المشهد يستدعي مراجعة فكرة عيد العمال إذ لم تعد ثمة أجواء عمالية تستدعي تسمية العيد، إذ كيف يعيش العامل عيدا وهو لا يجد لقمة العيش له ولأولاده، وكيف يعيش عيدا والمستثمر الأجنبي يطرده من المصنع أو يهدده بالطرد ليصفي المصنع ويبيعه أرض بناء ويجني الأرباح الطائلة ويعود لبلده سالما غانما، وكيف يعيش عيدا وأولو الأمر يتأففون من منظره ومن رائحته ويعيشون بعيدا عنه وعن مشاكله التي لا تنتهي، وينظرون إليه علي أنه ضيف غير مرغوب فيه. وليس فقط عيد العمال هو الذي يستدعي المراجعة، بل أيضًا عيد الفلاح وعيد العلم، إذ لم يعد ثمة اهتمام بالعامل أو الفلاح أو العلم. وربما من الأنسب أن يستبدل عيد العمال مثلا بعيد المال (نسبة إلي أصحاب الأموال الذين يرتعون ويسعدون بما كسبوا في هذا العصر)، أو عيد رجال الأعمال (حيث إنهم الطبقة المدللة في هذه الحقبة من الزمن)، أو أي اسم آخر غير عيد العمال الذي لم يصبح له وجود علي أرض الواقع، بل أصبح مثارا للشفقة والسخرية.
فإذا انتقلنا إلي ما أصاب التركيبة النفسية للعمال نتيجة هذه الحياة التي يحيونها وتلك المعاملة التي يعاملهم بها المجتمع لوجدنا أن العامل المصري تغير كثيرا فلم تعد لديه الرغبة في إتقان ما يعمله فخرج إنتاجه ناقصا أو مشوها، ولم يعد لديه الانتماء لمصنعه أو شركته، بل أصبح يشعر بالغربة تجاه مكان عمله وربما تجاه وطنه، ولم يعد مبدعا في عمله إذ يتطلب الإبداع حالة من انشراح الصدر وصفاء البال والرضا، وهي أشياء يفتقدها العامل المصري بشدة، ولم يعد العامل المصري مهتما بالنواحي الجمالية في إنتاجه إذ هو يفتقد الرؤية الجمالية في مسكنه العشوائي وفي الشوارع التي يسير فيها كل يوم وفي الميكروباصات التي يركبها وفي الأغاني التي يسمعها، ولم يعد العامل المصري طيبا وصبورا ومتسامحا بل صار خشنا عنيفا جراء ما يجده في المجتمع من فقر ومرض وضغوط حياتية ومصادر للقهر، ولم يعد العامل المصري مؤمنا بالعمل والجهد والكفاح طريقا للكسب والترقي وإنما اتجه للنفاق والفهلوة والدسائس ليتقرب من مديريه ويحصل علي ما يريده، ولم يعد العامل المصري كريم النفس، بل صار يقبل الرشوة أو التسول في بعض الأحيان ليحل مشاكله، خاصة في وقت الأزمات وما أكثرها في حياته. وهذه الصفات السلبية ليست لازمة للعامل، إذ نجد أنه يتخلي عنها ويظهر معدنه الأصيل حين يوضع في منظومة إنتاجية صحيحة وسوية وخالية من الفساد والإفساد في داخل أو خارج الوطن.
وربما يكون من الأنسب أن نضم عيد العمال إلي يوم اليتيم، فقد أصبح العامل المصري يتيما بعد أن تخلت عنه الحكومة أو لم تعد قادرة علي حمايته ورعايته وسلمته وسلمت مصيره إلي المستثمر الذي باعت له المصنع أو الشركة، وهذا المستثمر لم يأت إلي هنا ليرعي ذلك العامل، بل جاء ليخطف خطفته من المال ليستمتع بها في بلده، وليذهب العامل إلي الجحيم. وهذه هي الأزمة التي ستواجهها مصر في الأيام المقبلة، أزمة العمال المسرحين والمطرودين والمظلومين والجائعين والغاضبين، تلك الأزمة التي ظهرت بوادرها منذ فترة في تلك الجموع المعتصمة في المصانع أو علي الأرصفة أو في الشوارع. ولم يعد أحد قادرا علي رعاية هذا العامل، وما يصدر من تطمينات ووعود ما هو إلا مسكنات لن تصمد كثيرا أمام قسوة الجوع والحاجة والإحباط والغضب وتراكم أعداد المسرحين، ولا حل سوي أن تعلن الدولة مرة أخري تصحيح انتمائها لهذا الشعب، وتخليصه من سيطرة وسطوة رجال الأعمال الذين ما عملوا يوما إلا لمصالحهم الخاصة، وعلامة ذلك أن يستطيع رئيس الوزراء الذهاب إلي مقره في شارع قصر العيني وأن يتحدث مباشرة مع العمال المفترشين للأرصفة ويسمعهم جيدا وفي نيته حل لمشاكلهم (بحق وحقيق وليس الالتفاف حول مطالبهم) وأن يعود العمال إلي مصانعهم وشركاتهم ومنازلهم وقد تأكدوا أنهم أصبحوا محل الرعاية والحب والاحترام، وأن يعود قصر الرئاسة من منتجع شرم الشيخ إلي وسط القاهرة، وأن تتراجع جحافل الأمن المركزي لتعطي الفرصة لحوار مباشر بين الناس وحكامهم، وأن تتخلي الدولة عن حالة الصمم السياسي والعناد السلطوي وتنزل إلي الشارع دون خوف أو قرف أو اشمئزاز من العمال والفلاحين والكادحين والجائعين وكل من أكلهم الفقر والمرض وصاروا تحت خط الإبادة ونحن عنهم غافلون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.