السنة القادمة سنة صعبة. قلنا هذا في نفس الوقت من العام الماضي. لكنها بالفعل كانت سنة صعبة.. أو حرجة علي مستويات متعددة. الشقوق زادت وستزيد. والاحتقان يتسع مداه. والنظام يريد استعادة كل أوراق اللعبة..لكن هناك أوراقاً جديدة دخلت من شقوق وسعها المجتمع المدني. و جماعة الإخوان المسلمين...لم تكن بعيدة عن الصدمات. سأبدأ بصدمة نهاية العام في الجماعة وأحاول رسم سيناريو سياسي لما يحدث داخل غرفها نصف المفتوحة، نصف المغلقة. من الباب الموارب والمعلومات المتسربة أستطيع أن أري محمود عزت هو القوة الخفية علي مايبدو.رجل الظل.محرك الأحداث من وراء ستار، إلي آخر أوصاف الوضع المعقد في جماعة الإخوان المسلمين.قوة محمود عزت كشفت عن أنها الوحيدة والمؤثرة في جماعة تدار بهيراركية تقترب من الكهنوت السري.من أين قوة عزت ؟ تبدو هي قوة الاستغناء.الرجل الأقرب من منصب المرشد لا يريده.وهذا يمنحه حق منحه لمن يشاء أو يري أنه الأنسب لتنظيم عاش 80 سنة تقريباً ومازالت نواته الأصلب في القلب. نواة تطرد الجديد وتحوله إلي قشور تتطاير عند أول صدام كما حدث مع «تيار الانفتاح» الذي كشفت انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة أن وزنه النسبي أقل من أن يتحول إلي رقم في معادلة الجماعة، وأن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الرمز القوي للتيار سقط في انتخابات المكتب وكان صدمة أكبر من سقوط محمد حبيب النائب الثاني للمرشد والمرشح «الطبيعي» لخلافة مهدي عاكف الذي تنتهي ولايته بعد ايام. «إنه انقلاب».. هذا صوت من خارج الإخوان رأي في تركيبة مكتب الإرشاد نجاحاً للتيار القديم المسمي ب«الحرس الخاص» نسبة إلي التنظيم السري المسلح الذي تكوَّن فترة الأربعينيات في الجماعة وأعلنت أنها حلته بعد 1954. الصوت الخارجي وجد صدي داخل الجماعة.صدي ضعيفاً. لكنه أقرب إلي إحساس بأن قوة التنظيم في قديمه.وسر الجماعة في نواتها الصلبة لا في محاولات تطويرها لتقترب من موديل الأحزاب المسيحية في أوروبا أو في الأحزاب الإسلامية الحاكمة في تركيا. «الانقلاب».. استعادة لقوة الجماعة القديمة.جماعة إعادة تربية المجتمع علي كتالوج وضعه حسن البنا ومجموعة المؤسسين الأوائل في 1928.. تأثراً بالأحزاب الفاشية الصاعدة في أوروبا أو بالمناخ الذي أفرزها بعد الثورة الصناعية، وطرح أسئلة الهوية بعنف وقوة. الجماعة تمزقت مؤخراً بين صورتها القديمة حول نفسها وبين تفكيكها إلي جسدين كبيرين: جماعة دعوة وحزب سياسي.التمزق ازداد في الفترة الأخيرة بعد أن استقر الإخوان علي أرض سمح بها النظام واستراح لاقتسام سلطة «افتراضي» : الحكم والثروة للنظام وحاشيته..و السقف الأخلاقي للإخوان بشرط عدم تجاوز الحدود. تقسيم افتراضي عبر به النظام فترة حربه مع الارهاب المسلح لجماعات أصولية خرجت من عباءة الإخوان بأفكار أكثر راديكالية وتوجهات أكثر عنفا.جماعات اعتبرت اعتدال الجماعة ودخولها في مناخ الدولة «صفقة خيانة». الإخوان يدفعون اليوم فاتورة خروج من العمل السري إلي العمل «شبه العلني» أو اللعب في المساحة بين الحظر والتصريح... أولاً لأن الدولة قررت استعادة الأرض التي تنازلت عنها..وثانياً لأن هناك أجيالاً لم تمر من بوابة العمل تحت الأرض.. وتعاملت مع الجماعة علي أنها صوت الحق والمعارضة القوية الوحيدة المستمرة والأهم أنها الصوت «الاسلامي». دغدغة العواطف لم تطبخ الأجيال الجديدة سياسياً من وجهة نظر أجيال المؤسسين الذين بقي لديهم من التنظيم شيخوخة ونزعة محافظة جعلتهم بعيدين عن روح العصر والموديلات الحديثة في الكيانات السياسية. لحظة الأزمة والصدام مع الدولة.. أفرزت الأجسام المضادة من النواة الصلبة للتنظيم...هذه الأجسام كانت عنيفة..ربما أكثر مما يتوقع المتحالفون مثل محمد حبيب أو المختلفون مثل عبد المنعم أبو الفتوح. ماذا فعل أبو الفتوح ومحمد حبيب وعصام العريان..مازالت الحكايات مستمرة.