نفترض أن لديك علبة مجوهرات ثمينة وذهبت إلي إحدي الشركات للتأمين عليها.. سيكون طبيعيًا أن تجد قيمة التأمين مرتفعة.. لارتفاع قيمة الشيء الذي تؤمن عليه. علبة المجوهرات التي أقصدها هي جميع مناطقنا الصناعية بالجمهورية.. والتي تضم المصانع والشركات.. ورغم أن رأسمالها يقدر بعشرات المليارات من الجنيهات ويعمل بها ملايين العمال.. فإنها تعمل دون مظلة من الأمن الصناعي الحقيقي.. ولنأخذ المنطقة الصناعية بمحافظة أكتوبر علي سبيل المثال.. حيث تبلغ استثماراتها أربعين مليار جنيه.. ورغم ذلك أثبتت الحرائق الأخيرة (الشرقية للدخان وجهينة) غياب نظم التأمين الصناعي بها.. وأن أجهزة الإطفاء الموجودة بتلك المصانع -كانت ولا تزال- بمثابة ديكور مثل طفاية الحريق الموجودة في غالبية السيارات التي تجري في شوارعنا.. مجرد زينة عندما يسألنا عنها ضباط المرور. ويقدر خبراء الصناعة تكلفة نظام الأمن الصناعي إلي رأسمال أي مشروع بحوالي 5%.. وإذا طبقنا تلك النسبة علي مصانع أكتوبر فيجب أن تكون تكلفة أنظمة الأمان الصناعي بها حوالي ملياري جنيه.. لكن هل تمتلك المنطقة الصناعية بأكتوبر وأجهزة الإطفاء المدني بها مقومات لتحقيق هذا الأمان بقيمة ملياري جنيه؟.. النفي هو الإجابة المؤكدة.. ودليلي هو الحرائق الأخيرة. وما يجري في المنطقة الصناعية بأكتوبر حاصل مثله في برج العرب والعاشر من رمضان وبقية مناطقنا الصناعية.. والسؤال: لماذا لا تكون لدينا أنظمة أمان صناعي علي كفاءة عالية.. يعمل بها رجال مدربون تدريبًا عاليًا وبكفاءة متناهية؟. سؤالي السابق سببه الحريق الذي دمر مصانع شركتين كبيرتين هما الشرقية للدخان وجهينة، مما يتطلب إعادة نظر لأنظمة الأمان الصناعي والدفاع المدني ومنظومة الإطفاء بجميع مناطقنا الصناعية، خاصة أن علوم وخطط مواجهة الحرائق قد تطورت عالميا بشكل كبير، مثلما ذكر لي أحد خبراء هذا المجال، والذي ضرب مثالا علي ذلك بسيارة الإطفاء التي تتوجه لإطفاء الحريق.. حيث إن طبيعة المواد المستخدمة في الإطفاء تختلف حسب نوع الحريق.. فإطفاء حريق ناتج عن مواد صناعية تختلف مواده عن إطفاء حريق منسوجات قطنية وهكذا. إذا طبقنا ذلك علي ما يجري عندنا.. سنجد أن سيارة المطافئ التي تعمل في بلدنا بها مادة واحدة للإطفاء أيا كان نوع الحريق الذي تتعامل معه شيء أشبه بطبيب الوحدة الصحية الذي يصرف الأسبرين للمرضي مهما كان نوع مرضهم.. إذن أين نحن من ذلك؟ وإذا كانت المشكلة في التمويل فأعتقد أن كل صاحب مصنع لن يتأخر عن تمويل منظومة حكومية ذات فعالية للأمن الصناعي توفر الحماية لشركاته. وعندما كتبت منذ أيام أتساءل عن سبب فشل أجهزة الأمن الصناعي الموجودة داخل مصنع جهينة بأكتوبر في التعامل مع الحريق الذي شب به الأسبوع الماضي.. فإن المهندس صفوان ثابت - صاحب مصانع جهينة - كانت له وجهة نظر قالها لي في اتصال تليفوني.. لكنه أكد بداية حصول مصنع جهينة الذي أصابه الحريق علي رخصة تشغيل (عندي صورة منها).. والمفاجأة كانت في اعتراف الرجل بأن أجهزة الأمان الصناعي والإطفاء بالمصنع كانت أقل كفاءة مما ينبغي أن تكون عليه.. وسيتدارك ذلك فيما بعد.. لكنه طالب بتطوير منظومة الأمان الصناعي الحالية، وعندما قلت لصفوان ثابت، يتردد استفادتكم من الحريق عبر صرف فلوس التأمين، فإنه استنكر هذا التفكير.. وقال: هل سأحصل علي الفلوس وأهرب؟. الحريق يسبب لي مشاكل وتعطيل شغل واتفاقيات، لكنه لم ينس مطالبة الجميع بمناقشة كيفية حماية ثروات المصريين من المصانع الموجودة بمناطقنا الصناعية.. السؤال للأجهزة المعنية.