أول يوم عمل لأحد الاصدقاء من رجال الاعمال في احد المصانع التي تم خصخصتها واشتراها لتطويرها ومعه مجموعة من المستثمرين طلبت إحدي العاملات مقابلته وحين تمت المقابلة قالت له احنا داخل علينا عيد الأم.. فين العيدية؟ عاوزينك تفرق علينا منحة عيد الأم.. وأسقط في يده فهو لم يعرف في حياته العملية بالقطاع الخاص مثل هذه الأمور.. وتذكرت قصة رواها لي أحد السادة الوزراء حين كان من نصيبه الاشراف علي بعض المصانع فقد طلب منه العمال صرف بدل عجلة. ويبدو أن تلك المهازل لا تزال مستمرة.. وقد يكون السبب هو التحايل علي ضعف المرتبات والحوافز.. والبحث عن طريق خلفي لزيادة الدخول. إلا أن هذا الاتجاه لا يزال مستمرا حتي مع عمليات الخصخصة التي يفترض أن من بين اهدافها تحسين احوال العاملين المادية ورفع كفاءتهم الانتاجية وتطوير الانتاج وادخال تكنولوجيا جديدة وضخ استثمارات فيما تم خصخصته. ولقد وقع تحت يدي عدد الوقائع الرسمية المنشور في23 ديسمبر2009 وتضمن اتفاقية العمل الجماعية بين شركة أسمنت بورتلاند طرة إحدي شركات مجموعة السويس للأسمنت ونقابة العاملين في صناعات البناء والأخشاب واللجنة النقابية بشركة أسمنت بورتلاند طرة وقد تم صياغتها باللغتين العربية والانجليزية كأي اتفاقية محترمة وفي حالة الاختلاف فيما بين اللغتين تكون اللغة العربية هي الواجبة الاتباع. المهم ماذا تقول هذه الاتفاقية؟ تضمنت بشكل أساسي لوائح تنظيم العمل والإجازات وتعديل حساب الأجر وحوافز الانتاج والارباح والتأمين علي العاملين ومكافأة الأداء ومنحة عيد العمال. وقد يكون هذا كله معقولا وطبيعيا وتقليديا إنما ما جاءت به الاتفاقية في بندها التاسع هو ما يستحق أن نقف عنده طويلا لنعرف كيف يدور الفكر, في ادارة مثل هذه الأمور بشكل مباشر. حمل البند عنوان: حلوي المولد النبوي الشريف ثم نص علي: تصرف الشركة للعاملين علبة حلوي بوزن ثلاثة كيلو جرامات بمناسبة المولد النبوي الشريف وذلك بدلا من المقابل النقدي والبالغ قيمته75 جنيها ويلغي البدل النقدي من بين مفردات المرتب. ومن يقرأ هذا سوف يتذكر كلمة الفنان حسن مصطفي في مدرسة المشاغبين.. ماشاء الله ما شاء الله. فعلا ما شاء الله لقد أنهت الاتفاقية الخلاف بين العمال والادارة حول حلوي المولد النبوي الشريف.. انتصرت ارادة العمال بإخضاعها للتقدير الكمي( ثلاثة كيلو جرامات) لاتزيد ولا تقل لا تزيد حتي لو ارتفعت أسعارها وانتصرت إرادة ادارة الشركة تخلصت من تضمين مفردات المرتب هذا البدل وانتهت من وجع الدماغ وتم تقنين الموضوع واي خلاف حوله سيتم اعتماد النسخة باللغة العربية. أليست هذه أشياء محزنة حقيقة؟ لقد كنا نتصور أن تلتقي الإرادة حول مفاهيم محددة لتطوير الشركة وضمان حقوق العمال وأسرهم في شركة تحقق أرباحا بعشرات بل مئات الملايين وتعرضت لغرامة قدرها عشرون مليون جنيه بسبب اتهامها بالممارسات الاحتكارية وذلك مقابل مبلغ هزيل يبلغ375 ألف جنيه تدفع سنويا لشراء حلاوة المولد النبوي لعدد عمال يبلغ خمسة آلاف عامل. اننا نخشي ان تصبح هذه الاتفاقية نموذجا يحتذي به في باقي الشركات التي تمت خصخصتها ويقتصر الأمر علي تقنين بند حلوي المولد وتخرج العملية الاقتصادية التي استهدفتها الخصخصة من المولد بلا حمص. دارت واستمرت تلك المفاوضات الشاقة شهورا طويلة كما جاء في ديباجة الاتفاقية خلال شهور بدأت من نهاية يونيو وشهر يولية دون اغسطس وسبتمبر حتي طلت علينا الاتفاقية في ديسمبر ومن خلال اجتماعات دائمة اربعة ايام في الاسبوع من9 5 بعد الظهر بمقر الشركة الفاخر بأبراج النيل. ولقد كنا نتصور ان تطرح بعض البنود خلالها منها علي سبيل المثال انشاء مدارس لأبناء العاملين لتطوير العملية التعليمية وانشاء مساكن للعاملين ونادي خاص بهم يليق بشركة تحمل اسما عالميا,تقديم الرعاية الاجتماعية تطوير الرعاية الصحية انشاء مركز تدريب متطور ومتخصص في هذه الصناعة يعمل علي تطوير المهنة وتلقينها ابناء العاملين وغيرهم كنا نتصور ان يهتم الاتفاق بتطوير المنطقة التي يوجد بها المصنع وتطوير بيئتها بشكل افضل واوسع مما هو عليه وايضا تأمين مستقبل العاملين بالمصنع بشكل كبير وغير تقليدي واكبر من ان يكون مجرد تفعيل بوليصة تأمين وأن تشارك الشركة بملايينها في المسئولية الاجتماعية. باختصار ان مثل هذه الاتفاقيات بين الادارة والعاملين يجب ان تخرج من النطاق الضيق لمفهوم وفكر القطاع العام الي كل قواعد العمل في القطاع الخاص والاقتصاد الحر فإذا كنا نريد صناعة تعمل في اطار السوق الحرة فإن هذا يعني أيضا ان اتفاقيات العمل هي ايضا يجب ان تكون جزءا من هذا الاطار. وفي اعتقادنا ان الدولة وهي المسئولة عن عمليات الخصخصة وتتابع المستثمر وتختاره بأسلوب المزايدة هي ايضا مسئولة عن الوجه الآخر وهو العمالة ليس بهدف المكاسب ولكن بهدف تطويرها وتنمية العنصر البشري.. وان ينتهي زمن الخصخصة بحلاوة المولد؟ كلمة... وبمناسبة الحديث عن الخصخصة وبناء علي الاتفاق الاطاري لتسوية مديونيات شركات قطاع الاعمال العام المتعثرة مع بنكي مصر والاهلي بمبادلة العقارات, الموقع في14 سبتمبر وبناء علي ما عرضه وزير الاستثمار قرر رئيس الوزراء في9 ديسمبر نقل ملكية36 قطعة ارض الي البنكين بمساحة قدرها899 ألف متر مربع واذا كان متوسط سعر المتر ألف جنيه( وهو بالتأكيد يزيد عن ذلك) فإن الحصيلة تقترب من العشرة مليارات جنيه. وهذه المقاصة أو الصفقة بمبادلة الأرض بالديون أمر فيه ذكاء شديد ولكن تبقي التساؤلات: ماذا سيفعل البنكان بهذه القطع؟ هل سيتم ارساء مبدأ مبادلة العقارات بديون البنوك ويسري ذلك علي بعض رجال الأعمال الذين تجمدت ديونهم وتعثروا في سدادها وارتفعت قيمة عقاراتهم وبالتالي فإن القيمة الحقيقية للديون قد انخفضت؟ ماذا يتبقي في قطاع الأعمال العام لخصخصتها؟ صحيح لا تزال هناك شركات ولكن ماذا تملك من اراض لتكون صفقة ثمينة وسمينة ومغرية ذات عائد يستخدم لتنمية هذا البلد استثماريا واجتماعيا؟