فى الأيام الأولى للثورة المصرية قبل عامين أخذت إجازة من عملى وكرست كل وقتى لمتابعة أحداث الثورة، لم أكن أخرج من بيتى إلا للمشاركة فى وقفة تضامنية أو مظاهرة باتجاه السفارة المصرية فى استوكهولم، كنت أحاول بشكل متواصل الحصول على أى معلومة أو فيديو، كنت أقوم وآخرون من أصدقائى بترجمة أى بيان أو فيديو ونشره.
مصر بالنسبة لى كفلسطينى هى القلب النابض بالحياة. وحرية مصر ونهوضها هى الأساس لحرية ونهوض شعوب المنطقة، لمصر دورها ووزنها الحضارى والتاريخى والسياسى الذى تضاءل وانحسر خلال العهد البائد، لذلك عندما بدأت الثورة عادت إلينا الروح وهتفنا «ارفع راسك أنت مصرى»، لأن المصرى هنا عبر عنا جميعا وذابت الحدود التى فرقتنا، تهاوت هذه الحدود فى التحرير وكل ميادين الحرية فى مصر.
فى زيارتى الحالية إلى مصر طلب منى أصدقائى أن أقول إننى لبنانى وليس فلسطينى بسبب حالة الاحتقان فى الشارع ضد حركة حماس وبالتالى الفلسطينيين، كان الأمر غريبا بالنسبة لى ولكنى تفهمته، فالعلاقة العضوية التى تربط حركة حماس (الفرع الفلسطينى لتنظيم الإخوان المسلمين) تجعل من الصعب الفصل بين موقف الحركة والموقف الفلسطينى (وحالة الانقسام فى فلسطين تجعل من المستحيل الخروج بموقف يعبر عن الكل الفلسطينى).
لا يمكن وضع كل الفلسطينيين فى سلة واحدة، وكما أوضحت أعلاه، فإن الانقسام فى مصر له انعكاساته فى فلسطين، لذلك ستجد فى فلسطين المؤيد للإخوان وستجد المؤيد للثورة، وذلك بسبب العلاقة التاريخية التى تربط شعوب المنطقة والتى جعلت من المستحيل الانفصال وعدم التأثر بما يحدث فى فلسطين أو سوريا أو لبنان أو الأردن.
لفهم الواقع الحالى فى المنطقة يجب علينا أن ندرك أن ما يحدث فى مصر مرتبط بما يحدث فى كل المنطقة والفسيفساء المصرية لها انعكاساتها فى كل المنطقة، وحالة الانقسام الأفقى الموجودة فى مصر هى نفسها الموجودة فى فلسطين ولبنان وسوريا وتركيا، وإن اتخذت طابعا طائفيا فى لبنان وسوريا وطابع الصراع بين قوى علمانية وقوى الإسلام السياسى التى تحاول الاستئثار بالسلطة وفرض لون واحد على مجتمعات تعددية كما فى مصر وفلسطين وتركيا. ينعكس الصراع على الاصطفافات ويتم إسقاط الصراع الداخلى على ما يحدث فى هذا المكان أو ذاك ويتحدد بناء عليه طبيعة الاصطفاف. وكانت الاصطفافات واضحة بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين بثورة شعبية عارمة، حيث اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى فى كل المنطقة، مؤيدين ومعارضين للثورة، بين هؤلاء الذين رؤوا فى الثورة أملا للخروج من مأزق ديكتاتورية الإسلام السياسى وأؤلئك الذين رؤوا فيها انقلابا على شرعية انتخابية أعمت عيونهم عن رؤية شرعية الشارع الذى قال كلمته بوضوح وبقوة غير مسبوقة.
موقف حماس لا يعبر عن الكل الفلسطينى، فحماس تحكم غزة بالحديد والنار وتحاول فرض فكرها وتضيق على الحريات الفردية وحرية التعبير، وقد تصاعدت ممارساتها منذ وصول الإخوان إلى الحكم فى مصر، فبدأت بتسريع وتيرة صبغ المجتمع بلونها واتخذت قرارات متسارعة لتحقيق هذه الغاية، من الفصل بين الجنسين فى المدارس والتعرض لأولئك الذين يرتدون الملابس تعتبر بالنسبة لهم غير محتشمة، بدأت شرطة حماس بالتعرض للرجال والنساء الذين يسيرون فى الشارع والطلب منهم إظهار وثائق تثبت العلاقة بينهما.
تصاعد الموضوع بتصريح لوزير خارجية حماس حماد حول الحفاظ على مستوى الرجولة!
والذى أعطى ضوءأ أخضر لشرطته للتغول على المواطنين. مع ذلك فقد خرج أكثر من مليون ومائتى ألف (عدد سكان غزة لا يتجاوز المليون وسبعمائة ألف) فى تظاهرات بعثت برسالة واضحة إلى حركة حماس والعالم، حماس تفقد شعبيتها والشرعية الوحيدة التى تمتلكها هى شرعية القوة.
مصر هى العمق الاستراتيجى والحضارى والثقافى لفلسطين ولن نسمح لأىٍّ كان أن يهز هذه العلاقة أو أن يكون جزءا من عملية تمكين لجماعة سياسية.. العلاقة التى تربطنا بمصر هى أكبر من الإخوان المسلمين أو حماس أو أى حزب أو مجموعة سياسية. مصر وشعب مصر سيبقيان الحاضن المبدع والعمق الاستراتيجى لكل شعوب المنطقة.
الإعجاز الرائع الذى جسدته الجماهير العظيمة التى خرجت فى شوارع مصر.. هذه اللوحة الرائعة التى عكست عبقرية هذا الشعب الجبار ستشكل بداية لموجة ثورية جديدة تجتاح المنطقة مؤسسة للدولة المدنية الحديثة ومنهية عقودا من الديكتاتورية والوهم (الشعار الأجوف) الذى حاولت جماعة الإخوان ترويجه على أنه البديل الوحيد سقط فى شوارع مصر، سقط لأنه كان مجرد شعار دون برنامج سوى تمكين الجماعة. حالة الرعب التى تسيطر الآن على مناصرى الإخوان فى كل مكان هى حالة مفهومة لأن ما حصل فى شوارع مصر هو مقدمة لما سيحصل فى تونسوغزة وتركيا. «حسين خليلى» كاتب فلسطيني مقيم بالسويد.