صدمتني كلمات أقطاب الإخوان؛ البلتاجي والعريان وغيرهما؛ بعد سقوط حكم الرئيس مرسي، فهم لا يريدون الاعتراف بحقيقة ما حدث، يصفونه من وجهة نظرهم بالانقلاب العسكري على الشرعية، ويدعون أنصارهم إلى النزول إلى الشوارع، فيريدون أن يحموا شرعية وجودهم بشارعية تجمهرهم، ولا أدري ما الذي يمكن أن يتوقع هؤلاء أن يحدث إلا – لا قدر الله – الاقتتال والحرب الأهلية ؟ وإذا كنا سنعترف أو لا نعترف بما حدث؛ فهو قد حدث وانتهى الأمر بالقول والفعل وأداء الرئيس عدلي منصور اليمين القانونية، وهو رئيس مصر الآن فعلا.. فماذا سيفعل الإخوان المسلمون ؟ الواضح أن عملية جرهم إلى ساحات القضاء والمحاكمات قد بدأت بالفعل، على (جرائم)؛ إن ثبت ارتكابهم لها؛ فقد تؤدي ببعض رؤوسهم إلى الإعدام أو السجن، صحيح أن القوات المسلحة قد تعهدت بأنها لن تتخذ أية إجراءات استثنائية أو تعسفية ضد أي فصيل أو تيار سياسي، ولكن القضاة لا يقدمون مثل هذا التعهد، وبدأت أوامر النيابة في الصدور بالفعل بالضبط والإحضار.. ويعلم الله ما تخبئ لهم الأيام القادمة..
المهم.. لا ينبغي أن يجر بعضُ دعاة العنف جماهيرَ مؤيدي الدكتور مرسي، ورافضي قرارات الفريق السيسي؛ إلى الاعتصام اعتراضا على قرار الطرف الأقوى؛ الجيش، ويجب أن يخرج من الإخوان صوت رشيد، يدعو إلى إعادة ترتيب الصفوف والأولويات، والتعلم من أخطاء أول ممارسة حقيقية للحكم في تاريخ الجماعة، وهي أخطاء لا شك كثيرة وقاتلة، والانخراط في الحياة السياسية الجديدة بلون جديد، قد يعيد بالتخطيط الجيد، والتفكير الوطني الشامل الكرة بعد حين إلى ملعب الإسلام السياسي، وأي كلام عن احتمال تراجع الجيش عن قراره هو كلام في الهواء، فالجيش هو القوة الوحيدة الباقية في مصر منذ ثورة يناير، ولن يقف المصريون في وجه جيشهم، مهما بلغت الدعوات التي تدعوهم لذلك..
قال العظيم نيلسون مانديلا؛ الذي قد يكون في عداد الموتى ساعة نشر هذا المقال: (العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها)..
إليكم بعض المعلومات عن الدكتور نجم الدين أربكان؛ مؤسس الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا، أو المُعلّم؛ كما يطلق عليه تلميذه رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا وحاكمها منذ 2003، الدكتور أربكان حصل على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من ألمانيا عام 1956، أسس عام 1970 حزب (النظام الوطني) الذي يلتقي مع مبادئ حركة الإخوان المسلمين في مصر، أول تنظيم سياسي ذي هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ زوال الخلافة عام 1924، لم يصمد حزب (النظام الوطني) سوى تسعة أشهر، وتم حله بقرار قضائي من المحكمة الدستورية بعد إنذار من قائد الجيش، فقام أربكان بدعم من التحالف ذاته بتأسيس حزب (السلامة الوطني) عام 1972، وشارك في الانتخابات العامة، وفاز بخمسين مقعدا كانت كافية ليشارك في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى أتاتورك، وفي عام 1980 قام الجيش بانقلاب عسكري حل به الأحزاب وعطل الدستور، وسُجن أربكان لثلاث سنوات، خرج بعدها ليؤسس حزب (الرفاه) وخاض به الانتخابات ليحصل على أقل من 2 ٪ من المقاعد، وواصل جهوده السياسية حتى حصل على أغلبية المقاعد في انتخابات 1996، وترأس الحكومة الائتلافية حتى اضطره الجيش إلى الاستقالة عام 1998، وحُل حزب الرفاه ومنع القضاء المُعلم من ممارسة السياسة لخمس سنوات، فأسس حزب (الفضيلة) في نفس العام، وحلّه الجيش عام 2000، فأسس حزب (السعادة) عام 2003، وقُدم للمحاكمة بتهمة احتقار النظام العلماني، وحُل حزبه وحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات، وكان عمره آنذاك 77 سنة، وتوفي رحمه الله في فبراير 2011.. قال ذات مرة: إذا سألني ربي يوم القيامة، ماذا فعلتم للإسلام ؟ نقدِّم له أحزابنا الخمسة..!
ونبذة عن تلميذه رئيس وزراء تركيا الحالي؛ رجب طيب أردوغان الذي انتمى لحزب أربكان (النظام الوطني) أول السبعينيات، وارتبط بأستاذه حتى رشحه حزب الرفاه لمنصب عمدة اسطنبول، وفاز برئاسة بلدية اسطنبول عام1994، وطور البنية التحتية للمدينة، وأنشأ السدود ومعامل تحلية المياه لتوفير مياه الشرب الصحية لأبناء المدينة، وكذلك قام بتطوير شبكة المواصلات العامة، وقام بتنظيف الخليج الذهبي؛ الذي كان مقلباً للقمامة، وحوّله إلى معلم سياحي كبير، وبمجهودات مضنية مخلصة استطاع أردوغان تحويل مدينة اسطنبول إلى أجمل مدينة في تركيا، واستنقذها من ديونها التي بلغت ملياري دولار؛ إلى أكبر وعاء للاستثمار والربح في المنطقة، بفضل عبقريته ويده النظيفة، وبقربه من الناس؛ لا سيما العمال، فرفع أجورهم وأسس لهم نظاما متطورا للرعاية الصحية والاجتماعية، وفي عام 1998 اتُّهم بالتحريض على الكراهية الدينية حين ألقى خطابا جماهيريا، ذكر فيه بضعة أبيات من الشعر منها: مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. المصلون جنودنا.. هذا الجيش المقدس يحرس ديننا.. وحكم عليه بالسجن، وبعد خروجه أسس عام حزب (العدالة والتنمية) عام 2001 مع زميل كفاحه عبد الله جول؛ رئيس الجمهورية الحالي، وقال أردوغان حين أعلن عن تأسيس الحزب: (إن العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري، ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية، وسنتبع سياسة واضحة ونشطة، من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر، في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها99 ٪ من مواطني تركيا). خاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية عام 2002 وحصل على363 مقعدا مشكلا بذلك أغلبية ساحقة، وتمكن أردوغان في مارس 2003 من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط حكم السجن عنه.
بعد هذا الموجز عن حياة الأستاذ والتلميذ، يبقى أن تعرف حضرتك أن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا لعام 2010 هو 460 مليار دولار، وترتيبها ال 15 عالميا، أما مصر فالناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 هو 79 مليار دولار، وترتيبها ال 111 عالميا..
أعرف؛ بل قد أكون متأكدا أن السلطات المصرية في الفترة القادمة، ستحظر إنشاء الأحزاب على أسس دينية، وغالبا ستُحَل جماعة الإخوان المسلمين، مع غيرها من الأحزاب الدينية، بأحكام قضائية، ولكن.. يبدو أن الدكتور أربكان تأسى؛ ربما دون أن يدري بقول مانديلا.. الله يرحمنا ويرحم الجميع.. واسلمي يا مصر..