عند نهاية الحرب العالمية الأولى قامت في روسيا الثورة البلشفية التي أسقطت القيصر، وحولت النظام وخرجت روسيا من الحرب وحلت مكانها الولاياتالمتحدة في العام الأخير لتحارب بجانب الحلفاء، وبالتالي بدأ الغرب الأوربي خاصة بريطانيا وفرنسا ومعهم أميركا يدركون أن روسيا صارت عدو وليس صديق.
عندما بدأت الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق، وأعلن هتلر عدائه لروسيا، فكر رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، العبقري "وينستون تشرشل" فيما يحدث حوله على الساحة الأوربية، وفكر في حال انتصار هتلر على روسيا أنه "سيعلن مساندته لروسيا ضد النازي الذي يريد غزو العالم"، وفي حال انتصار روسيا على النازي "سيعلن أنه مع هتلر الجار الألماني في غرب أوروبا ضد روسيا الشيوعية"، خاصة وأن بريطانيا التي كانت تقود العالم قبل قرن من تلك الحرب، وكانت تعمل على توزان القوى بين جميع الدول الأوربية لتظل مهيمنة.
في عام 1943 عقد الحلفاء مؤتمرا في طهران للتخطيط لما بعد انتهاء الحرب وسقوط هتلر خاصة بعد تقدم الحلفاء على المحور في معركة البحر المتوسط، وكان يجلس في المؤتمر رئيس أميركا فرانكلين روزفلت، ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل، ورئيس روسيا ستالين، وكان روزفلت وتشرشل يعرفان أن ستالين هو العدو المنتظر بعد سقوط هتلر، وستالين نفسه كان يعي ذلك، لكن النازي هو من أجبرهم على هذا التحالف المؤقت لمواجهته.
بعد سقوط هتلر تم التقسيم إلى ألمانياالغربية وسيطر عليها أمريكا وبريطانيا، وألمانياالشرقية تحت حكم روسيا، وقام الأمريكان والبريطانيون بمد يد العون للألمان واحتوائهم بمنطق تشرشل الذي تحدثت عنه في البدء وهو "لو هزم هتلر من روسيا سيقف معه باعتباره جار رأسمالي ليبرالي سقط أمام عدو شيوعي"، ولم يعاملوا مواطني ألمانياالغربية بذنب هتلر باعتبار أنهم مجتمعات تتفق على طريقة الحياة.
لماذا ذكرت تلك القصة؟ لأنه بقياس بسيط على حال الثورة المصرية دون إصدار أحكام أخلاقية سنجد أن "مبارك ونظامه في مكان هتلر"، وأن القوى العلمانية في المجتمع مكان أمريكا وبريطانيا"، و"جماعة الإخوان وحلفائها من الإسلاميين"، هما "روسيا"، مع التأكيد مرة آخرى على عدم إصدار أحكام أخلاقية بل فقط تشابه الظروف.
نظام مبارك الذي كان عتيد أمام المصريين تغييره جعل هذه القوى المختلفة أن تتحد لإسقاطه، لكن كما كان الأمريكان والبريطانيون واعيين بأن عدوهم الأهم من هتلر النازي هي روسيا الشيوعية التي تختلف معهم في المنهج والأفكار واستعدوا لمواجهاتها بعد اسقاط هتلر، لم تعي القوى "العلمانية" في مصر خاصة من جانب اليسار أن الإخوان عدو أخطر من مبارك نظرا للخلاف في الفكر والرؤى بل تمسكوا بالتحالف معهم مما أدى لإنقلابهم عليهم عندما أستولوا على السلطة.
وكما أستوعبت بريطانيا وأمريكا، ألمانياالغربية باعتبار أنهم يتفقون في الفكر وأن هتلر كان مجرد -عرض- مر على ألمانيا، أما في مصر فلم يعي عديد من القوى "العلمانية" ما يسميهم "السذج" ب"الفلول"، أن الخلاف معهم ليس فكري مثلما هو مع الإخوان الذي يبحثون عن أستاذية العالم وإقامة الخلافة المزمعة وجعل مصر مجرد إمارة، فإن ما يطلق عليهم "الفلول"، لا يعرفون إلا مصر ولو كان منهم فاسد، بسيادة دولة القانون سيضطر للتوقف عن الفساد رغما عنه وباستيعابه سيكون مواطنا مصريا صالحا، والدليل على كلامي هو انسحاب أسامة حمدان ممثل حركة حماس في بيروت من "المؤتمر القومي العربي" الذي عقد في أول يونيو بالقاهرة، اعتراضا على ما أعتبره إهانة بحق مرسي عندما تحدث محمود بدر منسق حركة تمرد عن "تخاذل الرئيس المصري بحق القضية الفلسطينية"، فكان ما شغله هو زميل التنظيم الدولي وليس وطنه فلسطينالمحتلة.
يا من تدعون الثورية وتتحدثون باسم الثورة وتنطلقون يمينا ويسارا لتوزعوا صكوك الثورية على من تريدون وصكوك "الفلولية"، على من لا يعجبكم.. رجاء انتبهوا قبل أن لا تضيعوا الثورة فقط، بل الدولة المصرية كلها وهي في طريقها للإنهيار.