كثير من الموقعين على استمارة «تمرد» من أعضاء حزب الكنبة أو الأغلبية الصامتة الذين تَحدَّث باسمهم مبارك ونظامه مرة، والمجلس العسكرى مرة، وتوفيق عكاشة مرات، وحاليًّا يلعب الإخوان وفلول مبارك معًا على استمالتهم بالضغط على احتياجهم تارة وبتخويفهم تارة أخرى، ثم بتخوينهم أخيرا، كأن يُقال إنهم «مضحوك عليهم - حصلوا على مقابل لتوقيعهم - فلول - مسيحيون والعياذ بالله»، والحقيقة أن هذا الحزب وتلك الأغلبية براء من الجميع، والحقيقة الأهمّ أن الإخوان يكرهون «تمرد» كما يكرهها أعتى الفلول وأكثرهم صفاقة وتفاهة.
الأغلبية التى كانت صامتة لا هدف لها سوى استقرار مصالحها، وهذا ليس عيبًا، خصوصا إن كانت المصالح تتلخص فى لقمة شريفة ومنزل مجهَّز وشارع آمن.. لا طموحات فى دولة قوية أو ديمقراطية أو عدالة أو حرية.. أحلام هذه الأغلبية متواضعة إلى حد البؤس، وهى أحلام مشروعة.
هذه الأغلبية الصامتة انتفضت الآن، فلا الثورة التى كانت تهدد ما يعتقدون أنه استقرار قد نجحت فى تحقيق مصالحها البسيطة، ولا المجلس العسكرى والإخوان الذين كانت الأغلبية الصامتة تنتظر منهما أن يعيدا إليها بعضًا من هدوء حياتها السابقة قد نجحا فى اختبار طبقة لا تعرف سوى الاستعجال لتحقيق أقل ما يطمح إليه إنسان.. أحلام الأغلبية الصامتة وحزب الكنبة متواضعة تمامًا كما أسلفنا، ولم تتحقق بعد.
الآن.. المنتمون إلى الأغلبية الصامتة وحزب الكنبة.. هؤلاء الذين ظنوا أنهم بتغاضيهم وصمتهم قد أصبحوا فى مأمن من كل الأذى الذى لحق بغيرهم.. مكتفين بتحقيق سلامهم الشخصى فى مجال وهمى اخترعوه ولم يفهموا كيفية تأمينه وحفظه، فغضُّوا الطرف عن كل ما رأوه بأم أعينهم من ظلم وفساد، معتقدين أنهم آمنون، ولن يطالهم ما يطال الباقين.. الآن يعانى هؤلاء من كل ما عانى منه الثوار ومَن ساندوا الثورة، من اتهامات بالتخوين والعمالة والتمويل والطائفية، ومن عدم استقرار وخوف من مجهول ربما يباغتهم ويباغتنا الآن وحالا.
نظام مبارك روج أن الثوار مموَّلون وخونة وعملاء وإخوان مسلمون، بينما يروج نظام الإخوان الآن أن الموقعين على حملة «تمرد» هم مجرَّد ممولين وخونة وعملاء وفلول ومسيحيون.. وكل هذا الهراء وجد مردِّدين من عشاق «الاستقرار» الوهمى أيام مبارك، ويجد الآن مرددين من عشاق «المشروع الإسلامى» الوهمى فى عصر الإخوان، بمعاونة أعتى فلول مبارك شراسة وتفاهة.. «الإخوان والفلول الحقيقيون يعادون (تمرد) معاداة التحريم»، والحقيقة أن «تمرد» تعادى الاثنين، وذلك أفضل جدًّا، فكلاهما أسوأ من الآخر.
لا أنكر أننى سعيدة بما يُقال عن «تمرد» وبما تفعل «تمرد» وبما يحدث عموما، فعلى الإخوان طلاب السلطة أن يدركوا أن الكرسى ليس هدفًا، كما أنه لن يكون مريحا بعد ثورة كهذه، ولن يكون آمنا بعد فشلهم فى تحقيق المطالب المتواضعة للأغلبية الصامتة، وعلى الفلول أن يَعُوا أنهم لن يعودوا ثانية مهما حاولوا، وعلى أصحاب الأحلام الضئيلة أن يذوقوا بعضًا من مرارة تتجرعها أم شهيد مات من أجل تحقيق أحلام كبرى «عيش - حرية - كرامة وعدالة اجتماعية»، بحق وأحقية واستحقاق لا بهِبَة ومِنَّة من حاكم خائب.
ربما لم يدرك حزب الكنبة أو حزب الأغلبية الصامتة هذه الحقيقة أيام الثورة وأيام المجلس العسكرى، فلا ضير إن أدركوها الآن.. أن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتى أبدًا.. أدركوا اللحظة الفارقة ووقِّعوا على استمارات «تمرد»، ومرحبًا بالوافدين الجدد إلى جانب الحق والعدالة، لإسقاط الغربان التى عششت فى مصر أيام مبارك مدة ثلاثين عام،
ويفقس بيضها الآن فى جنبات مصر.. مرحبا بالوافدين الجدد إلى جانب لقمة العيش المستحقة والعدالة الاحتماعية والكرامة والإنسانية من حزب الكنبة والأغلبية الصامتة يوم 30 يونيو.. مرحبا بالذين لم تتلوث أيديهم ولو بكلمة تأييد لمبارك وعصابته التى أفسدت مصر لثلاثين عاما ضت وما زال فسادها طاغيا زاعقا منعكسا على من يحكم مصر الآن.. مرحبا يوم 30 يونيو بمن عانى سوء الفهم ومن أصيب بقصر النظر ومن كان حسن النية ثم أخطأ وراجع نفسه وضميره.. مرحبا يوم 30 يونيو بمن لم يغضوا الطرف عن جسد سُحل وفتاة صُفعت ودم أُرِيقَ فى عصر من ركبوا الكرسى وركبوا الثورة وأهانوها وأهانوا الشعب الذى قامت من أجله الثورة.. ثم إنهم يرغبون فى الاستمرار بكل هذا الكذب والتلفيق والدجل والخيبة بواجهة يقول الشعب إنها مجرد «استبن»، ويقولون إنها مرسى، ويدَّعون أن هذه الواجهة «رئيس جمهورية مصر العربية»!