أفرزت مرحلة ما بعد الثورة حالة من الاستقطاب والتصنيف بين جميع أفراد الشارع المصري فأصبح من المعتاد أن نجد من يصف الآخر بأنه فل أو إخوانى أو سلفى أو ثورى أو ليبرالى إلى آخر تلك التصنيفات والتى منها أيضاً المواطنين من الأغلبية الصامتة ممن يطلقون عليهم حزب الكنبة وهؤلاء هم السواد الأعظم من الشعب المصرى الذين اختاروا أن ينتظروا ما سوف تسفر عنه تلك الصراعات السياسية بين مختلف اللاعبين... جلست أستمع إليهم دون أن أعلق، قال الفل، أنا "فل" وأفتخر، أنتم فشلتم فى كل شئ، الأوضاع السياسية والاقتصادية تتفاقم وتسير من سيئ إلى أسوأ، حتى "النهضة" التى تحدث عنها رئيسكم أصبحت أشبه بطائر الرخ الخرافى لاوجود لها إلا فى خيالاتكم... قال الإخوانى أرأيت؟ أنتم أيها الفلول تسعون إلى إفشال المشروع الإسلامي تقول رئيسكم، وتنسي أنه رئيس لكل المصريين وأنت منهم، لكنكم بسبب رفضكم للمشروع تجهضون محاولات النهضة وتستخدمون إعلامكم الفلولى فى تشويه إنجازات الحكومة... رد عليه الفل، بينما المواطن من حزب "الكنبة" وأنا نستمع إليهم فى صمت، أى مشروع هذا الذى تتحدث عنه وأى إعلام؟! إذا كان إعلام الفلول يهاجم النظام الحالى بعد أن كان يسير فى كنف النظام السابق فإعلامكم يستخدم نفس الآليات والأفكار ولكن فى الاتجاه المغاير... ثم أردف قائلاً: لاتعايرنى ولا اعايرك، ده الهم طايلنى وطايلك... قال له الإخوانى، الرئيس ورئيس الحكومة يبذلون قصارى جهدهم ويسعون للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى لحل المشاكل الإقتصادية، وأيضاً هناك مشروع الصكوك الذى من المنتظر أن يحل مشاكل مصر، أعطونا فرصة وسوف ترون... قال الفل، البنك الدولى؟ّ!، الصكوك؟! أنتم هاجمتم سياسة مبارك ونظامه وهاجمتم إقتراض مصر وقلتم أن هذا لن يحدث ووعدتم بضخ مئات المليارات بمجرد تولى رئيسكم ومع ذلك تعدوننا بالحل باستخدام نفس السياسات بعد أن اختفت بل تبخرت كل وعودكم، حتى مشروع الصكوك الذى ترغبون فى صبغه بالصبغة الإسلامية لا يختلف كثيراً عن فكرة مشروع الصكوك الذى حاول النظام السابق إصداره لبيع القطاع العام... ما الجديد الذى تقدمونه إذاً؟! أفلتت منى ابتسامة رغماً عنى بينما كنت أحاول أن أتصنع الجدية لكن ابتسامة مماثلة ارتسمت على وجه المواطن الكنبة فأزالت عنى الحرج... قلت لهما، الحقيقة أن الشعب الآن أصبح حائراً، فالمعركة لا تريد أن تنتهى وكلاكما يريد إقصاء الآخر وكأنه هو فقط المواطن المصرى بعد أن أقصيتما شباب الثورة وأكاد أشعر أنكما تسعيان إلى إجهاض الثورة ذاتها، بعد أن كانت أمل هذا البلد لغد أفضل ونسيتم أننا نعيش جميعاً تحت سماء وطن واحد وأنه لا يمكن أن نتقدم إلى الأمام إلا بالتعاون فيما بيننا جميعاً... نظر إلينا المواطن من الأغلبية الصامتة وقال، لهذا لزمت الكنبة... لا فائدة فى الجدال معكما، من قال أننا نكره مبارك أو نحبه أو نكره مرسي أو نحبه أيضاً أو أن العلاقة بيننا وبين الرؤساء تقوم على الحب أو الكراهية؟، نحن فقط كنا ولازلنا نحلم بوطن متقدم، نحيا فيه حياة حرة كريمة، نربى أولادنا ونعلمهم ونشعر بالأمان وبالكرامة صحيح أن النظام السابق ترك الفساد ينخر فى عظام الوطن وسمح بالقمع وانتهاك حقوق المواطنين بزعم الحفاظ على أمنهم لكنه ليس وحده المسئول، نحن جميعاً شاركنا فى ذلك، ولازلنا مادمنا لم نعى الدرس ومادام القانون لا يُحترم وتنتهك سيادته وتنتهك حقوق الناس، وهو أمر لا يجب أن يحدث تحت أى وازع مهما كان... مصر لن تتقدم إلا إذا قضينا على الفساد والاستثناءات وتعاوننا فيما بيننا على بناء وطن جديد يقوم على مبادئ العدل والحرية والمساواة... ومع ذلك دعونى أقولها لكم، أنا أشفق على مبارك... الرجل أخطأ لكنه أيضاً قدم الكثير ويستحق أن نعيد النظر فى رؤيتنا إليه خاصة بعد الأخطاء التى حدثت بعد الثورة وأظهرت لنا أن المشكلة هى فى ثقافة الحكم وثقافة الشعب وما درجنا عليه من عدم اكتراث بالقانون وحقوق الإنسان، لقد أصبح لزاماً علينا أن نواجه أنفسنا بموضوعية حتى نتغلب على تلك الأخطاء ونبتعد عن فكرة الانتقام وأن نتصالح من أجل غد أفضل، وللعلم نحن مللنا خلافاتكم ومظاهراتكم التى نعانى منها كثيراً وقد يأتى يوم نثور عليكم جميعاً وقد نخرج فى مظاهرات حاشدة ضدكم نطالبكم فيها بالتزام الهدوء... نظرنا جميعاً إلى بعضنا البعض وكل واحد يحاول أن يستشف على وجه الآخر هل هناك أمل فى أن يجتمع الأضداد أم أن ما نحلم به هو فى الحقيقة أصعب مادمنا جميعاً نصر على عدم الاستماع لبعضنا البعض والتفاهم مع بعضنا البعض ونصر على أن نبقى مواطن وفل وإخوانى بدلاً من أن نكون جميعاً فقط مصريين... [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود