إصرار حكومة نظيف علي مواصلة سياسة الصمت الغبي علي فضيحة رشوة مرسيدس، وعدم الإفصاح عن اسم المسئولين المهمين الذين تورطوا في فضيحة الرشوة، لا يفسر إلا بأنه تعمد لحماية مرتكبي هذه الجريمة وأن المجرمين يتمتعون بمكانة ونفوذ يغل يد الحكومة ويمنعها من كشف أسمائهم أو محاولة تقديمهم للعدالة. وإذا تصور المسئولون بحكومة نظيف أن هذا الصمت الغبي سيسمح لعامل الوقت بأن ينسي الجماهير هذه الفضيحة التي تتابع أخبارها، فهم واهمون، لأن هذه الجماهير بدأت أمام هذا الصمت في الاستماع إلي «إشاعات» كثيرة يتم فيها تداول أسماء تحتل مواقع قيادية حساسة بالدولة، وفي ظل استمرار الصمت الرسمي تنتشر الإشاعات كل يوم في مساحات أوسع، ويقوم من يردد أو يسمع هذه الإشاعات بإضافة تفاصيل كثيرة من خياله ليضفي علي الإشاعة المزيد من الإثارة التي ينميها مناخ الغموض والصمت الرسمي. الخطير في هذه الاشاعات أنها تتعرض لأسماء كبيرة في مؤسسات حساسة كمؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية بمنطق أن الحكومة ما كانت لتلتزم الصمت لو أن مرتكب جريمة الرشوة هذه كان يشغل منصبًا قياديًا مهما كانت منزلته، وأن الحالة الوحيدة التي لا تستطيع الحكومة أن تقترب منها هي حالة مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية. هذا الاتجاه الخطير للاشاعات والذي يستند إلي منطق يقنع الجماهير ويلحق أبلغ الإساءة والضرر بالمؤسستين اللتين يحرص كل مصري علي أن ينفيهما بعيدا عن كل ما يمسهما بسوء. وآمل أن تتنبه حكومة نظيف إلي أن صمتها هو الذي سمح للإشاعات بأن تنطلق في هذا الاتجاه، وأن استمرار الصمت لن ينسي الجماهير هذه الفضيحة. لكن الجماهير سوف تختزن هذه «الإشاعات» في ذاكرتها وتضيفها إلي اشاعات أخري استقرت في هذه الذاكرة، ومع تراكم هذه الإشاعات واعتبارها «حقائق» يتكشف شعور المواطنين بأن نظام الحكم يشجع المنحرفين ويحمي الفساد خاصة إذا مارس هذا الفساد كبار القوم ممن يشغلون مواقع قيادية عليا في مؤسسات حساسة. وكلما نشرت أخبار عن عمليات فساد وانحراف كبري استدعت الجماهير من ذاكرتها «المخزون» المتراكم من أخبار الفساد السابقة ومن بينها «الاشاعات» التي استقرت في الذاكرة «كحقائق» بسبب الصمت الرسمي، وتعاظم هذا المخزون في ذاكرة الجماهير يمثل «وقودا» قابلا للاشتعال في أي لحظة تقترب منه شرارة تسببها عملية فساد جديدة، وما أكثر هذه العمليات؟! أنا هنا لا أطالب حكومة نظيف أن تكشف عن اسم أو أسماء مرتكبي جريمة رشوة مرسيدس من منطلق حق المواطنين في معرفة مرتكبي هذه الجريمة التي أهدرت الملايين من المال العام رغم أن هذا هو الحق الطبيعي للمواطنين. لكنني أطالب حكومة نظيف بأن تسارع بكشف أسماء مرتكبي هذه الجريمة حفاظا علي سمعة مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية التي تتعرض لرذاذ يتطاير من الإشاعات التي تنتشر بين الملايين والتي يغذيها ويمنحها المزيد من الانتشار الصمت الغبي ورفض حكومة نظيف الكشف عن اسم أو أسماء مرتكبي جريمة رشوة المرسيدس، خاصة أن كل الأعذار التي يمكن أن تبرر بها الحكومة صمتها أعذار ساقطة وغير مقنعة. فالجريمة خضعت لتحقيقات قضائية علي أعلي مستوي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والحكحم صدر متضمنا تفاصيل الجريمة وأسماء مرتكبيها، وأحد أطراف الجريم وهي الجهة التي قدمت الرشاوي اعترفت بالجريمة وتحملت غرامة مالية ضخمة. كل التفاصيل إذا مسجلة في وثائق رسمية يسهل علي الحكومة أن تحصل عليها، وكل يوم يمر والحكومة مستمرة في سياسة الصمت الغبي يضيف المزيد من التفاصيل المثيرة والأسماء الكبيرة إلي القوائم التي تنشرها «الإشاعات» والتي تمثل إساءة بالغة ومرفوضة لمؤسسات حساسة تحتاج جميعا إلي صيانتها من أي رذاذ يلحق بسمعتها. فهل تصر حكومة نظيف علي الاستمرار في الصمت الذي يسيء إلي مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية؟