النداهة جنِّية جميلة.. شعرها أسود فاحم وطويل ومنسدل علي كتفيها لدرجة أنه يغطي ظهرها العاري بأكمله.. تجلس علي شاطئ البحر أو الترعة تمشط شعرها في هدوء وغموض.. تعبر من جانبها فتندهك باسمك بصوت خافت ومخيف وأشبه بالفحيح، وطالما حدث هذا وندهتك باسمك.. إذن.. أنت بصدد أمر من اثنين.. إن تتجه إليها مسحوراً بفحيحها مأخوذاً بغنجها ودلالها.. وعندها.. سوف تهبشك من رقبتك وتأخذك معها تحت الماء.. أو أن تجري مبتعداً عنها.. وعندها.. سوف تصاب بلوثة عقلية، حيث يظل صدي صوتها وهي تندهك باسمك يتردد في دماغك حتي تتلحس تماماً وتهيم علي وجهك في البرية، بينما العيال بتحدفك بالطوب وتقول..«المجنون أهو»! تلك هي الأسطورة التي أخبرونا إياها عندما كنا لا نزال أطفالاً علشان لما حد غريب يندهنا مانروحلوش.. وهي الأسطورة التي كان ينبغي علينا أن نكبر لكي نعرف أنها ليست أسطورة ولا حاجة.. وإنما حقيقة.. الفارق الوحيد بينها وبين حكاية زمان.. إن النداهة ليست جنية.. النداهة مدينة كبيرة وضخمة ولا قلب لها مثل «القاهرة» .. تظل تنده «فتحية» الجالسة علي الزراعية تتابع القطارات المتجهة إليها وهي ترقص فيظنها الناس اتجننت، ثم عندما تلبي نداءها وتذهب إليها ينتهي بها الفيلم وهي تجري هاربة وخائفة وباكية وضائعة في شوارعها الواسعة.. وفي هذا الصدد.. ينبغي علينا أن نتساءل ..مين اللي قال أساساً أن المدن يفترض أن يكون لها قلب؟!.. المدن مكعبات أسمنت.. والأسمنت مالوش قلب.. الناس اللي في المدن همة اللي يا يبقي عندهم قلب يا يبقي ما عندهمش.. مش المدن!