الإخوان يستهدفون القضاء لأنه المظلة الشرعية القادرة على إبطال ممارساتهم غير المشروعة شهدنا مشروعًا للسلطة القضائية أعدَّه ظاهرًا حزب الوسط.. وتقدم به إلى «الشورى» الواجب حلّه لتفاجأ مصر بأن العبث لضرب القضاء موصول أراقب منذ زمن، استهداف الإخوان ضرب القضاء المصرى، وحذرت من ذلك كتابةً فى مقال نُشر ب«أخبار اليوم» فى 12 أبريل 2012، وفى أحاديث حوارية بغير عدد للصحافة والإذاعة والتليفزيون. بدت أمارات ومشاهد هذا الهجوم من قبل حل مجلس الشعب فى 14 يونيو 2012، تارة تحت عنوان مغلوط بتطهير القضاء، وتارة باستهداف صريح معلن للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود.. وظلت هذه النغمة تكاد تكون مقررًا شبه أسبوعى فى جلسات مجلس العشب قبل القضاء ببطلان تشكيله، ومن ثم اعتباره غير موجود.. ودلت مراقبة هذا الإلحاح على أن هذا المطلب «الضرير» يأتى فى مقدمة أجندة الإخوان.. هل لمجرد الثأر؟ لا أعتقد.. فهناك فى السلطة القضائية من لم ينظروا أى قضية تخص الإخوان. فلماذا إذن؟!
بدا لى أن استهداف القضاء يأتى ضمن منظور أشمل، قُدِّر أن القضاء سيكون المظلة «الشرعية» القادرة على إبطال الممارسات غير المشروعة الجارية أو المزمعة، ومن ثم فلم يكن الاستهداف محض تخلُّص أو تصفية، وإنما كان مرماه ولا يزال الإحلال الذى يستهدف «الأخونة» بصريح اللفظ والعبارة!
لم يدَّعِ أحد أن القضاء «كامل الأوصاف».. فلا شىء كامل الأوصاف، والكمال لله وحده، وكل المرافق والسلطات بحاجة إلى إصلاح ما، ولكن القضاء كسلطة مستقلة موكول إليها إقامة العدل لا تتوانى بنفسها فى إصلاح ما قد يعترضها أولا بأول، ولكنه إصلاح يجرى طبقا لتقاليد تحافظ على ما يجب أن يكون للسلطة القضائية من احترام وهيبة يُطمئنان الناس. لذلك كان الهجوم على السلطة القضائية بالذات هجومًا مشبوهًا، تكشفه الأغراض التى أشرت إليها، وأخرى لا تخطئها العين البصيرة المتفطنة.
بدا لى وأنا أتابع هذا الهجوم أنه مقرون بسبق إصرار وتصميم لا يحيد، ودلت على ذلك شواهد، بل أدلة لا تفوت، ودلت فى ما دلت عليه أنه لا تراجع بتاتًا عن الغرض المستهدف، وأن ما قد يبدو تراجعًا ما هو إلا «مناورة» لكسب الوقت واختيار ظرف آخر أنسب أو أوفق لتحقيق الغرض المراد بتصميم وإصرار!
تجلى ذلك فى العزل الأول للنائب العام عبد المجيد محمود، تحت شعار مكشوف، ظاهره تعيينه سفيرًا لمصر فى الفاتيكان ومن قبل موافقة الفاتيكان، كالعرف الدبلوماسى، وليحال إلى المعاش لبلوغه الخامسة والستين فى اليوم التالى لصدور القرار، وظن البعض أن التراجع عن هذا القرار، وهو عزل لا تجيزه المبادئ الدستورية فى كل الدساتير المصرية، وفى الإعلان الدستورى 30 مارس 2011، تراجع محمود بعد لقاء الرئيس بمجلس القضاء الأعلى، ولكن المتابع المتأمل سرعان ما يدرك أنه لم يكن تراجعًا، وإنما كان «مناورة» لاختيار الوقت الأنسب أو الأوفق لإجراء هذا العزل المصمم عليه!
ففى نوفمبر 2012، أصدر الرئيس إعلانًا دستوريا باطلا، لأنه لا يملكه، ولا سند له فى المبادئ الدستورية، ولا فى الإعلان الدستورى 30 مارس السارى آنذاك، ولا فى مبادئ الشرعية. هذا الإعلان على ما اشتمل عليه من بطلانات هى والعدم سواء، لتحصين قرارات الرئيس من الطعن عليها، وتحصين مجلس الشورى رغم بطلانه المؤكد المستفاد يقينا من حكم مجلس الشعب الصادر من «الدستورية العليا» فى 14/6/2012 لاتحاد السبب والعلة، وتحصين الجمعية التأسيسية لوضع الدستور والتى شاب تشكيلها بطلانات ليست موضوعى الآن، فإن هذا الإعلان الدستورى المعدوم شرعًا ودستورًا وقانونًا كان التَّكِئَة أو الذريعة لعزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود المصمم على عزله، وتعيين بديل تعيينًا باطلا جرى خارج إطار «المشروعية» من زاويتين، الأولى أنه ركب على منصب مشغول بشاغله الذى وقع عزله باطلا، وبذلك قضت محكمة استئناف عالى القاهرة دائرة طلبات رجال القضاء، والثانية فى إقبال الرئيس على ما أقبل عليه، دون ترشيح أو أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى، وهو شرط لازم يبطل قرار التعيين، لأنه لم يلتزم به، وهو ما قضت به أيضًا محكمة استئناف عالى القاهرة فى ذات الحكم الذى قضى ببطلان عزل النائب العام عبد المجيد محمود من منصبه!
إذن، فلم تكن عودة المستشار عبد المجيد محمود فى أغسطس 2012 لممارسة مهام منصبه كنائب عام، عودة جادة جدية، لها مصداقية، إنما كانت محض «مناورة» انتظارًا للوقت الأنسب الذى جاء بمناسبة إصدار الإعلان الدستورى الباطل فى 21 نوفمبر 2012.
والمتابع لمسار الهجوم الإخوانى على القضاء، سوف يرى «مناورات»، ولن يرى أى مصداقية أو رغبة حقيقية فى التراجع عن استهداف القضاء.. وقد احتلت المحكمة الدستورية العليا مشهدًا مستقلا فى هذا الاستهداف، تعددت فصوله انتهاءً بالدستور المصدر 25/12/2012 وسوف أعود إلى ما حدث ويحدث مع هذه المحكمة العليا المعدودة ثالث محكمة دستورية عليا بين محاكم العالم الدستورية.
ولكننا قد شهدنا فى الأيام الأخيرة مشروعًا للسلطة القضائية أعد بمعزل عنها بليل، أعده ظاهرًا حزب الوسط، وتقدم به إلى مجلس الشورى الواجب حلّه كمجلس الشعب، لتُفْجَأ مصر قبل القضاء بأن العبث لضرب القضاء موصول.. ومن أخطر ما تضمنه هذا المشروع الضرير النزول بسن القضاة من السبعين إلى الستين، وهذه كارثة الكوارث ولها ما بعدها!.