30عاماً قضاها تاجر المخدارات «بنداري» في تجارة الحشيش والأفيون وسجن خلالها 11 مرة، كما تعرض للموت أكثر من مرة علي يد قوات الأمن من جهة وتجار نفس الصنف من جهة أخري، لكنه رغم ذلك مازال مستمراً في نشاطه. المعلم «بنداري» كما يفضل أن يناديه البعض يقترب عمره من ال 70 عاماً، لكنه مازال محتفظاً ببقايا شباب وذاكرة قوية ملمة بأرق الأحداث التي واجهته خلال مشواره في تجارة «الكيف» يحبه أهل منطقته نظراً للمساته الإنسانية، ولا يأبه باحتقار القلة من تجارته. يتسم بوجه بشوش طوال الوقت، له شبكة علاقات قوية مع الأمن وغيره يستطيع من خلالها الخروج من بعض المشاكل التي تواجهه، رغم عشقه «للصنف» والتجارة فيه، فإنه أبعد أبناءه عن تجارته لأسباب يراها مقنعة، خضنا معه في بعض التفاصيل عن أزمة الحشيش في السوق، فأكد عدم وجودها، مؤكدًا أن السبب في حالة الرواج أو الأزمة ترجع لسياسة «أباطرة» المخدرات بالاتفاق مع جهات أخري. بنداري تعاون مع ضباط المخدرات -طوعاً وكرهاً- للإيقاع بتجار آخرين ومتعاطين خوفاً من غضبهم عليه، واضطهاده -كما يقول- وعن أشهر أنواع الحشيش يؤكد أنه «الهبو» الذي يصل سعر «القرش» منه إلي 350 جنيهاً في الأيام العادية. يتاجر في 4 أنواع من المخدرات هي: (شجرة الدر، توكلت علي الله، التركي والهبو)، بالإضافة إلي تجارته وإن كانت قليلة نظراً لنوعية زبونها في «الأفيون».. الحديث معه عن تجارته وماضيه لم يكن أمراً سهلاً، لولا أنه يثق في الوسيط الذي تواجد معي أثناء هذا الحوار: بداية دعنا نتحدث عن نوعية المخدرات التي تتاجر فيها؟ - عندنا 4 أنواع معروفة في المنطقة وهي: (شجرة الدر، وتوكلت علي الله، والتركي والهبو).. ده بالنسبة للحشيش، ونتاجر أيضاً في الأفيون لكن بكميات قليلة نظراً لقلة الطلب عليه وغلاء سعره. ما النوع الأغلي بالنسبة للحشيش؟ - أغلي هذه الأنواع هو «الهبو» فهو الأفضل والأغلي شهرة وسعراً، بل وكيفاً نظراً لتأثيره ونوعية متعاطيه، فقد يصل سعر « الأوقية» منه إلي 25 ألف جنيه، ويمكن أبيعها بأعلي من كده لو حسيت إن الزبون «مريش» ويصل سعر القرش منه إلي 350 جنيهاً. «بنداري».. هو اسمك الحقيقي؟ - لا طبعاً .. بنداري اسم حركي يعرفه فقط تجار الصنف. خلينا نكمل حديثنا عن سعر أنواع الحشيش الثلاثة الأخري؟ - قليل نسبياً في شجرة الدر، وتوكلت علي الله، والتركي، إلي جانب أنواع أخري تسمي حسب مزاج أصحاب الصنعة، كل هذه الأنواع التي تصنع محلياً يصل سعر «القرش» منها في الأيام العادية إلي 130 جنيهاً، أما في أوقات المواسم فيرتفع إلي 200 جنيه تقريباً وقد يزيد. الحشيش أيضاً له مواسم؟ - المواسم دي بيكون الأمن فيها نشيط جداً في جميع مناطق تهريب المخدرات ومخازن التجار الكبار وأماكن تصنيعه ومن هنا تشح البضاعة ويصبح الحصول عليها بشق الأنفس.. والحشيش فيها تشعلل أسعاره وتنشط تجارته نظراً لقلته المفتعلة من كبار التجار. ممكن توضح كلامك فيما يخص أماكن التهريب؟ - المعروف للعالم أن « أم الدنيا» مصر يعني مستورد قوي للحشيش وتدخل كميات كبيرة منه عبر الحدود والموانئ وأحياناً قليلة عن طريق المطارات.. صحيح أن كميات غير قليلة من المخدرات يتم ضبطها، لكن فيه كميات ب «الهبل» بتدخل... إزاي؟.. أنا معرفش.. ممكن تسأل غيري. لماذا تستوردونه وتعانون في الحصول عليه طالما أنكم تستطيعون تصنيعه محلياً؟ - دي نقرة ودي نقرة ثانية.. فالكميات المهربة لها زبون خاص، وسعر خاص.. أما الحشيش المحلي، فنلجأ إليه لتوسيع العمل فقط، لكن يظل الاعتماد الأساسي علي المهرب منه. تحدثنا عن الحشيش، ونسينا الأفيون.. ماذا عن تجارته؟ - تجارة الأفيون وتوزيعه قليلة جداً .. وذلك نظراً لقلة زبونه ونوعيته في الوقت نفسه، فنحن نحصل عليه «خام» ثم نقوم بخلطه بحبوب الأسبرين بعد طحنها، إضافة إلي مواد أخري كل ذلك لكي تكسب فيه، لأننا لو بعناه خام هنخسر فيه.. والمعروف أنه مخدر طبي أكثر منه للمزاج.. أما عن سعره فتصل «الأوقية» منه عادة إلي 7 آلاف جنيه... في الغالب متعاطوه كبار السن. دخلت السجن يا معلم؟ - فيه تاجر مخدرات مادخلش السجن؟!.. أكيد دخلتوأعتقد 11 مرة مابين 4 أيام وحتي 3 سنوات. ما نوعية زبائنك؟ - أنا مش ببيع قطاعي علشان أعرف نوعيته بالضبط، لكن السماسرة بتوعي بيقولولي إنهم ما بين سن ال 20 وحتي ال 50 سنة، وأغلبهم من «الصنايعية» وعدد بسيط من الموظفين، وأحياناً زبائن «متريشة» أوي ومن أوساط «عليوي» أوي أوي. بصراحة.. فيه أزمة حالياً في الحشيش؟ - الأزمة دي بيعملها تجار المخدرات «التقال».. «التقال أوي».. هم فقط من يستطيعون افتعال الأزمة، وهم أيضاً يستطيعون حلها بمعني أن علاقتهم واسعة جداً سواء بالأمن أو بالتجار «إللي بره مصر» .. ده بالإضافة لأنهم يقدروا يصنعوه عندهم.. تبقي هتيجي منين الأزمة بقي؟!. كلمني عن علاقتك بالمباحث؟ - يجعل كلامنا خفيف عليهم.. لكن علاقتي بيهم زي الفل.. وكل إللي بيحتاجوه مني بعمله قدر الإمكان. مش فاهم؟ - أفهمك.. علشان تكون تاجر معروف لازم يكون لك ملف عند الأمن.. والأمن مستحيل يسيبك تتاجر إلا إذا كنت بتتعاون مع رجالته.. فهمت؟!. يعني.. - أوضحلك أكثر.. ضباط مكافحة المخدرات يحتاجون دائماً لمساعدة تجار الكيف.. والعكس صحيح، فالمنفعة هنا متبادلة.. التاجر بيوقع قضاياً للضابط والضابط بيغض الطرف -بعض الشيء- عن التاجر إللي بيتعاون معاه. معني ذلك أن كل تجار الكيف يتعاونون مع ضباط المخدرات؟ - بالطبع لا.. لكن التاجر غير المتعاون بيوضع تحت المراقبة 24 ساعة في اليوم.. وبيعملوا زي القط والفار.. الضابط عاوز يمسكه متلبس علشان يعمله قضية، والتاجر بيكون حذر وصاحي لنفسه. بنسمع دايماً -خصوصاً في هذه المنطقة- عن مشاكل شرسة بين تجار الصنف.. ما السبب برأيك؟ - شوف.. تجار الصنف دول -وأنا واحد منهم- بيخافوا علي بعض جداً.. فهم من أزكي الناس وأكثرهم شجاعة، وإلا ما كان عمل بتجارة المخدرات.. القصد أن مشاكل التجار فيما بينهم نادرة جداً.. لكن إذا حدثت بتسمع الدنيا خصوصاً إذا كانوا «تقال». بعض ضباط المخدرات لديهم دائماً كمية من الحشيش لعمل قضايا للتجار والمتعاطين الذين يخرجون عن أوامرهم.. هل تتفق مع هذا الكلام الذي نقرأه أحياناً من قلة من المتهمين؟ - نعم أتفق معه وبشدة.. ولما لا وقد عاصرت كل هذه الأمور. ومن أين يحصل الضابط علي هذه المخدرات؟ - إذا تم القبض علي كميات من الحشيش مثلاً.. فيفترض حرقها بأماكن خاصة تبع الداخلية، ومن هنا يستطيع الضابط أخذ كمية قليلة لهذا الغرض بعد إذن رئيسه حسب علمي. حدثنا قليلاً عن «البانجو» الذي انتشر في مصر بين أوساط الشباب؟ - للأسف أنا لا أعمل فيه لكني أعرف طريقة تصنيعه، فهو يزرع بالمناطق الصحراوية مثل سيناء ونباته يشبه «الملوخية».. تفرك أوراقه وتوضع في عبوات خاصة للبيع، ومن ثم توضع علي حجر الشيشة، أو يلف في السيجارة.. أما عن سبب انتشاره فيرجع لارتفاع سعر الحشيش، وسعر «الباكيت» منه يصل لمبلغ 30 جنيهاً. ألا تعمل في الهيروين أو الكوكايين؟ - بصراحة لم يطاوعني ضميري علي التجارة في هذه الأصناف التي تضيع الشباب والشابات. المعروف -بصراحة- أن تجار المخدرات لا يصاهرون إلا من أوساطهم و.. - ما تكملش، وبلاش أعدلك علي «صوابعي».. فتاجر الكيف نظراً لإمكاناته المادية العالية وعلاقته الاجتماعية غير العادية يصاهر أعلي الأسر شأناً حتي رجال الأمن. ما أشهر الأوزان المطلوبة في السوق؟ - كل الأوزان مطلوية، فعندنا مثلاً ما يسمي ب «حدا شرات».. وهو وزن مكون من 3 فردات، و الفردة 1/3 كجم وهي 32 أوقية، والأوقية بتعمل 8 قروش.. ثم يوجد أيضاً «إنصاص» و «كوالي» و «خمسات» وأخيراً «إربع». ألم يحدث مرة وهددك ضابط مخدرات؟ - كتير جداً.. فكل ضابط جديد في المنطقة أول ما بيسأل عني ألاقيه جاي يزورني.. وهذه الزيارة في الغالب بتكون لجس النبض، وأنا بصراحة بتلاشي الصدام معاهم.. وفي الغالب بحاول أكسب رضاهم وأراعي طلباتهم بشكل أو بآخر حتي لا أصطدم بهم. علي كده معارفك في الأمن كتير؟ - أوووه... علي مدار 30 سنة شغل في الكيف، لابد وأن يكون لي معارف في الأمن بعدد شعر رأسي، بداية من الغفير وحتي أعلي الرتب، وأحياناً بتوسط لناس علشان أحل مشاكلهم مع الضباط. هل توجد لديك نيه للتوبة من تجارة الصنف؟ - بصراحة الكلام ده فات ميعاده من زمان.. حاولت أكتر من مرة لكن.. وعلي فكرة، لقد تعرضت للموت أكثر من مرة، لكن. سبق وعملت لتجار أو متعاطين قضايا لكسب رضا الضباط؟ - بصراحة نعم ... لأنني لو ماتعاونتش مع الضباط، فسيكون مصيري الاعتقال. لكنك أكدت إن تجار الصنف لا يمكن يعضوا في بعضهم؟ - ده صحيح.. لكني تعاونت ضد من لا أعرفهم وليسوا من منطقتي، ولا يعرفوني. هل تستثمر أموالك في نشاط آخر غير المخدرات؟ - بصراحة نعم.. فكما قلت لك عمري في «القار» 30 سنة، والمهنة غدارة جداً علشان كده كان لازم أنوع تجارتي فسبق واشتريت أرضاً زراعية، وأيضاً عقارات، وفي وقت من الأوقات فتحت معرض سيارات، لكني أغلقته. أخيراً.. أطرف المواقف التي واجهتك خلال رحلتك في تجارة الكيف؟ - بصراحة موقفان الأول: كان لي ابن يصر علي أن أساعده في دخول كلية الشرطة وتحت إصراره ذهبت معه بعد حصوله علي الثانوية العامة إلي أحد المعارف الكبار.. «الكبار أوي» وعرضت عليه الأمر فضحك وقال: مش للدرجادي يا حاج «.....» ما تنساش إنك تاجر «كيف» ولحظتها بكيت حتي الضحك، لأني قضيت علي حلم ابني!... أما الموقف الثاني أن أحد شباب المنطقة صغار السن جاءني لأتوسط له في دخول كلية الشرطة لحظتها لم أعرف كيف أشرح له الأمر!