د. أحمد عكاشة: كلما استمر الإنسان في المنصب يتوحد مع كرسيه ويفقد القدرة علي الحوار ويصبح الهم الأساسي لحياته هو البقاء في الحكم الرئيس مبارك في كتابه الشهير (المرض والسلطة) تناول اللورد ديفيد أوين وزير الخارجية البريطاني الأسبق تأثير السلطة في نفس الحاكم خاصة الزعماء الذين طال بقاؤهم في الحكم بفضل أنظمتهم الشمولية وهو ما تسبب في إصابتهم «بمتلازمة الغطرسة»، والتي تعني ببساطة الوثوق المفرط بالنفس وفقدان القدرة علي الإبداع ورفض النصيحة والمشورة التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتي رفض أي نصيحة مهما كانت، وفيما يحتفل العالم بانتهاء العقد الأول من الألفية الثالثة يتذكر المصريون أن الرئيس مبارك ما يقرب من 29 عاماً بالسلطة وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول التحليل النفسي لطبيعة شخص الرئيس بعد كل هذه السنوات من البقاء في الحكم؟ العالم النفسي الكبير د. أحمد عكاشة يحلل أثر طول فترة بقاء الرئيس بالسلطة قائلا إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فكلما طال زمن البقاء في السلطة انتشر الفساد وكلما استمر الإنسان بالمنصب فانه يتوحد مع كرسيه ويفقد القدرة علي الحوار ويصبح الهم الأساسي لحياته هو البقاء في الحكم والتمسك به مما قد يعرض الأمة لحالة من الركود وعدم القدرة علي التغيير والتصلب في الرأي والعناد مع وصف كل من يعارض السلطة بالخائن. ويشير عكاشة إلي أن السلطة المطلقة أكثر ما يفقد الإنسان آدميته ومشاعره خاصة أن قوة السلطة تجعل الإنسان ينسي أي عواطف بما فيها الأمومة والأبوة وهناك أمثلة عديدة عن آباء وأمهات قتلوا أبناءهم لشعورهم بالقوة فالحاكم يشعر بالقوة وانه نصف اله أرسلته العناية الإلهية لإنقاذ الوطن وهو ما يولد الإحباط واللامبالاة والاكتئاب والحزن لدي الشعب بحيث يلازمه شعور باليأس والعجز ويتمركز حول ذاته. ويضيف د. عكاشة قائلا:يمكن ملاحظة أن الاضرابات الأخيرة التي حدثت في مصر لم تحدث من أجل تزوير الانتخابات أو وقائع الفساد وإنما كانت من أجل زيادة الأجور وبالتالي اختزلت المواطنة بشكل مهين للغاية في الطعام والشراب، وهو ما لابد من التأكيد عليه بأن أي أمة لا تنهض بقوتها الاقتصادية وإنما بأخلاق شعبها القادر علي تغيير واقعه. أما الدكتور علي إسماعيل أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر فيري انه لا يمكن وضع تقييم لتأثير طول بقاء الحاكم في السلطة علي الحالة النفسية له دون الوضع في الاعتبار التفرقة بين طبيعة الشخصية وطبيعة عمل المنصب، والبقاء في السلطة لفترة زمنية طويلة يجعل الرئيس يتملك سلطة كبيرة تجعله دائما يشعر بالزهو بأن لديه دائما القدرة والإرادة لتنفيذ ما يريد، أي بمعني آخر أنه دائماً ما يشعر بأن أحلام سيادته أوامر وهو ما لا يمكن التنازل عنه وبالتالي ينتقل الشعور ذاته للمحاطين بالرئيس، حيث يشعرون بالقوة ذاتها وخاصة أن في النظم الديكتاتورية الانطباع الشخصي هو الذي يبقي وبالتالي يتولد الشعور بالقوة لدرجة أن الرئيس يؤمن تماما بأنه في أي وقت وفي أي ساعة سيستطيع علي الفور بمجرد إشارة منه تغيير مجريات الأحداث، وهو ما اتضح في حالة الرئيس مبارك الذي دائما ما يوصل إحساس لدي الشعب بأنه (بابا) والراعي الرئيسي للشعب وهو ما يمكن وصفه بالذكاء الفطري في إدارة الأحداث بحيث يظل هو النجم الأوحد لينال دائما أقصي شعبية، فحينما يتعالي الجدل حول موضوع في اتجاه معين يتدخل الرئيس لقلبه للوجه الآخر المعاكس،كما حدث في موضوع الخلاف الأخير مع الجزائر فحينما تعالت الأصوات للمطالبة بالانتقام من الجزائريين طالب الرئيس بالتهدئة وهو ما أدي إلي تغيير الموقف الحكومي من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار كذلك كما حدث في موضوع الطبيبين المحكوم عليهما بالجلد بالسعودية فلما انتهي الاهتمام الإعلامي بهما تدخل الرئيس فجأة للإفراج عنهما وتفسير ذلك أن الرئيس يريد دائما أن يظل في بؤرة الحدث باعتباره بطل الحدث والمحرك الرئيسي له وذلك ليرجع الفضل الرئيسي له باعتباره الرجل الأوحد والأب الذي يعرف مصلحة أبنائه بغض النظر عن مطالبهم أو رغباتهم.