لم يعد هناك الآن أكثر من ادعاء الكتابة الساخرة بين الكتاب الشباب، وبعدما كان من الصعب العثور علي إصدار ساخر وسط إصدارات جادة، صارت المشكلة هي العثور علي كتاب ساخر حقيقي وسط "لوكشة" من الكتب التي يدعي أصحابها أنها كوميدية جدا بدرجة تصيب القارئ بالمغص، لكن ها هو كتاب ساخر «بجد» يصدر، بعيدا عن «الزغزغة» حاملا أفكارا وجيهة يحاول صاحبها أن يعرضها بأسلوب غير مفتعل. خذ مثلا ما يلاحظه أحمد الصباغ في كتابه «الضرب في الميت» - الصادر عن دار المصري- عن فكرة تلازم وتعدد الكوارث في مصر : «عندما يتصادم قطار الصعيد كعادته، يتصادم في نفس اليوم أتوبيس مع مقطورة علي طريق الأوتوستراد ساعة عصاري، وينقلب أوتوبيس نقل عام من فوق كوبري السيدة عائشة ساعة مغربية، أتوبيس سياحي من فوق كوبري الجيزة وقت القيلولة، ويسقط ميكروباص علي طريق المنيا في الترعة في غفلة من الزمن، وتتحول صفحات الجرائد إلي محطة مصر كبيرة». الكتاب أيضا لا يخلو من جراءة عندما يرصد أشهر 13 شائعة بين المسلمين والمسيحيين كوجود أسود في الكنائس وأن الرهبان يرتدون الأسود حزنا علي دخول الإسلام مصر، واللطيف أن المؤلف يهدم هذه الشائعات بأسلوب ساخر ومنطقي في ذات الوقت «وهو ياتري الشيخ في الجامع بيلبس أبيض من كتر فرحته؟!». يسخر أيضا «الضرب في الميت» من عادة المصريين في التعامل بعدم أهمية من الوقت، وعليه تجد في قاموسنا المصري مصطلحات زمنية حصرية مثل «ساعة المغربية، وقت العصاري، طلعة الشمس، دخلة الشتا، قبل الدودة، ديك النهار»، ثم يعود ليسخر مجددا من صدور مجلة متخصصة في «الجسد» مقترحا تأسيس علم جديد باسم «الجسدولوجي» ويعرفه ب «العلم الذي يختص بدراسة الجسد من حيث الشكل، مثل طول الودان، وحجم المناخير، ونصف قطر الكرش، بالإضافة إلي دراسة وظائف الأعضاء مثل التحرش، والبصبصة، ودراسة فنون الإثارة بالجسد، فيما اصطلح عليه في شارع الهرم باسم الإغراء، واصطلح عليه شعبيا باسم «المرقعة». وفي مقال بعنوان «جمهورية مصر الإلكترونية»، تصل السخرية مداها حينما يقترح «الصباغ» أن يصبح التعذيب في أقسام الشرطة إلكترونيا عبر إمبابة دوت كوم، وعمرانية دوت كوم، وبولاق دوت كوم، متخوفا من أنه لو تم تعميم الخدمات الحكومية إلكترونيا أن : «تدخل» سجل مدني دوت كوم، تطلع بطاقة، تلاقي اللي يقول لك: شخشخ الكيبورد ياسيد!». الكتاب ممتع ويخلو من الاستظراف، وإن كانت الكلمات المختارة علي غلافه الخلفي تظلمه كثيرا، لكن لابد لمن يقرأ الكتاب حتي الثمالة أن يستنتج من هو ذلك "الميت" الذي حتما الضرب فيه حرام!