كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الجدار الذي تبنيه مصر بين رفح المصرية وقطاع غزة، وهذا هو الجدار الثاني بالنسبة لهذه المدينة المنكوبة ( غزة ) فقد سبق لإسرائيل أن بنت جدارًا عزلت فيه غزة وحولتها إلي سجن كبير يقبع فيه المسجونون من إخواننا الفلسطينيين، لا ذنب جنوه إلا المطالبة بحقهم في العيش علي أرض آبائهم وأجدادهم، أما الجدار الذي يبني في أيامنا هذه ضمن الحدود المصرية، فهو تنفيذ لأوامر عليا جاءت من جهات خفية كي يحقق كل من له مصالح مصالحه، والحجة التي يتستر بها النظام المصري بأن بناء الجدار تحقيق وحماية لأمن مصر القومي هي حجة واهية، فكلنا يدرك أن أمن إسرائيل هو السبب الحقيقي لبناء هذا الجدار العازل، والحقيقة التي غفل المسلمون عنها سواء في مصر أو في أي بلد عربي آخر أن بناء بني إسرائيل للجدران هي عادة متأصلة في نفوسهم، وقد نبأنا بها القرآن الكريم في قوله تعالي: ( لايقاتلونكم جميعا إلا في قري محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) «الحشر 14». وليس أصدق من كتاب الله عز وجل لوصف هذه الظاهرة العجيبة ؛ بناء الجدران ؛ سواء كانت جدرانًا حديدية أو أسمنتية أو عربات مجنزرة أو مصفحة أو دبابات، وأيا كان السبب الظاهري الذي يدعيه اليهود لبناء هذه الجدر سواء بأيديهم أو بأيدي أعوانهم المخلصين، الخائفين علي عروشهم من الزوال، فإننا كمسلمين ليس لنا إلا أن نسلم بقول الله عز وجل في كتابه العزيز إن آمنا وصدق إيماننا، فقد رأينا علي مرّ التاريخ مدي حقيقة الإعجاز القرآني في تشخيص هذه الحالة المزمنة التي تلازم بني إسرائيل من بناء الجدر، حينما يلتقي المسلمون باليهود في أي زمان ومكان، بشكل واضح للعيان، ولقد تحققت هذه النبوءة القرآنية مجددًا حينما اشتبك الفدائيون المسلمون في الأراضي المقدسة مع اليهود، فكان اليهود يقاتلون هؤلاء الفدائيين الباسلين من وراء جدرانهم المحصنة التي بنوها علي الأرض الفلسطينية، وسواء كان بناء هذه الجدر داخل الأراضي الفلسطينية أو بجوارها كما هي الحال في الجدار الفاصل بين رفح وغزة ، يجب ألا يغيب عنا أنه ليس مُهِمًا من الذي يبني الجدار بقدر ما هو مهم من الذي أمر ببنائه، ولو تمعنا قليلا لأدركنا أن قادة إسرائيل اليهود وراء بناء أي جدار في المناطق التي تحيط بالأراضي الفلسطينية، سعيًا وراء حماية مستوطناتهم وسكانها، وحماية لمصالحهم، وخنقًا لشعب يطالب بحقه وأرضه، وتمكيناً أكبر لمساعديها من الحكام والملوك العرب للبقاء أبدًا جاثمين علي صدور شعوبهم، فإن كان ثمن البقاء هو بناء الجدار فليُبنَ الجدار، وليذهب إلي الجحيم كل من يطالب بإزالته أو هدمه، المهم هو ضمان أمن إسرائيل، التي لا يمكنها أن تحارب إلا كما أخبر العزيز الحكيم إلا من وراء جدر، ومن المتوقع أن تزداد هذه الجدر عددا واتساعا وعمقا، إذا نظرنا للخريطة التي وضعها مؤسس الصهيونية الأول ( تيودور هرتزل )، والذي كان يطالب أن يكون الوطن اليهودي من النيل إلي الفرات. إننا يجب أن نأخذ حذرنا من هذا المخطط الشرير الذي يعدون العدة له ببناء جدرانهم وحصونهم وقلاعهم لإلهائنا عما يبتغون، والقرآن الكريم يدلنا علي الطريق الأمثل لمحاربتهم، وهي أن نأخذ كل ما جاء بالقرآن مأخذ الجد، وأن نحاربهم بالدين كما يحاربونا بالدين، وأن نرجع إلي تطبيق القرآن تطبيقًا صحيحًا، حتي تكون لنا الغلبة بإذن الله، والله من وراء القصد.