صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    إصلاح الإعلام    صوم العذراء.. موسم روحي مميز    زيارة رعوية مباركة من الأنبا أغاثون إلى قرية بلهاسة بالمنيا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    أسعار الدواجن اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    وزير الزراعة: تمويلات مشروع «البتلو» تجاوزت 10 مليارات جنيه    بوتين وترامب على طاولة إعادة رسم العالم    «التهجير الصامت» للفلسطينيين من غزة    استئناف إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    احتجاجات واسعة وإضراب في إسرائيل للمطالبة بوقف الحرب    الزمالك يعود للتدريبات الاثنين استعدادًا لمواجهة مودرن سبورت    ترتيب الدوري الاسباني الممتاز قبل مباريات اليوم    طقس اليوم.. الأرصاد: أجواء صيفية معتادة.. ونشاط رياح يساعد على تلطيف الأجواء مساء    مصرع شخصين وإصابة 28 في انقلاب أتوبيس بطريق أسيوط الصحراوي الغربي    طلاب الدور الثاني بالثانوية العامة يؤدون اليوم امتحاني اللغة الأجنبية الثانية والتربية الوطنية    المصيف فى زمن الفلتر    الرئيس السيسي يوجه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصرى    قرن من الخيانة    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    وفاة شاب صعقا بالكهرباء داخل منزله بالأقصر    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    السيسي يوجه بزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    حياة كريمة.. 4 آبار مياه شرب تقضى على ضعفها بقرية الغريزات ونجوعها بسوهاج    خالد الغندور يكشف ردًا مفاجئًا من ناصر ماهر بشأن مركزه في الزمالك    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 17 أغسطس 2025    10 صور لتصرف غريب من حسام عبد المجيد في مباراة الزمالك والمقاولون العرب    خروج يانيك فيريرا من مستشفى الدفاع الجوى بعد إجرائه بعض الفحوصات الطبية    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    تدق ناقوس الخطر، دراسة تكشف تأثير تناول الباراسيتامول أثناء الحمل على الخلايا العصبية للأطفال    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    في تبادل إطلاق النيران.. مصرع تاجر مخدرات بقنا    مصرع شخصين وإصابة ثالث في انقلاب دراجة نارية بأسوان    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    رابط نتيجة تقليل الاغتراب.. موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 والكليات والمعاهد المتاحة فور اعتمادها    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    لأول مرة بجامعة المنيا.. إصدار 20 شهادة معايرة للأجهزة الطبية بمستشفى الكبد والجهاز الهضمي    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    تعليق مثير فليك بعد فوز برشلونة على مايوركا    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيًا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    الأردن يدين بشدة اعتداءات الاحتلال على المسيحيين في القدس    كيف تتعاملين مع الصحة النفسية للطفل ومواجهة مشكلاتها ؟    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف: مسابقة "دولة التلاوة" لاكتشاف أصوات ذهبية تبهر العالم بتلاوة القرآن الكريم    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ممدوح قناوي يكتب: النخبة المصرية والمصادرة على الأمل الجديد
نشر في الدستور الأصلي يوم 03 - 04 - 2010

ستثبت الأيام المقبلة أن طريق العمل الفردي من أجل التغيير مسدود ومن المكابرة عدم التعامل الواقعي مع الشرعية المنقوصة في مصر الجديد
عاشور وأباظة والسعيد فى اجتماع أحزاب الائتلاف
استرعي نظري دوما ذكاء المصريين.. ذلك الذكاء الفطري اللمّاح.. الذي يعبر عنه أولاد البلد.. بأن المصري يفهمها وهي طايرة .. ويتصل بذلك ما يقال عن «فهلوة» المصري الأصيل وكيف أنه استطاع بذكائه المجبول هذا أن يتخذه - مع الصبر - سلاحه للمقاومة في مواجهة من يتذاكون عليه، وللإفلات من حصار قوي عاتية طامعة كم تربصت بمصر الحائزة منذ فجر الضمير ومنشأ التاريخ علي جائزة «عبقرية المكان والزمان»!
ومن هنا شاعت أساطير أن المصري هو من استطاع - دون غيره من شعوب الدنيا - أن يدهن الهوا دوكو.. وأن يلبّس طاقية دي لدي!!
بيد أن الشاعر قال قديما إن «ذكاء المرء محسوب عليه».. ومن هنا كانت «الثغرة» التي نفذت منها «سلبيات» عديدة شابت وتشوب الحراك المصري باتجاه التقدم، وتسببت - مع العوامل الخارجية الخارجة عن إرادته - في عرقلة إنجازه لمشروعه النهضوي الذي يستعيد له مجده التاريخي، الذي لا يشهد اكتمالاً إلي الآن!
وذات يوم سألت أستاذنا الطبيب والعالم الموسوعي المغفور له دكتور محمود محفوظ، وكان وزيراً للصحة في ظرف العبور المجيد ومن بعد زاملته رئيساً للجنة التعليم بمجلس الشوري لسنين عديدة - سألته عن الفارق بين الشعب المصري - الذي هو أذكي شعوب العالم - وبين قرينه الشرقي صانع المعجزة اليابانية المعروف عنه تباطؤ التفكير وإحكام التدبير، والذي يضحك للنكتة ربما بعد سنة من استماعه واستيعابه وهضمه لها!
فقال لي محفوظ رحمه الله: أبداً.. الفرق فقط في الجغرافيا لا في الجينات.. فجينات كل بني آدم واحدة، و قد ثبتت هذه الحقيقة لاحقا باكتشاف الخريطة الجينية البشرية، فلما قلت لمحفوظ زدنا بالله عليك فهماً قال لي: إن مصر هي أرض براح مستوية صنع النيل العظيم واديها الأخضر المستقر منذ آلاف السنين.. وهي لا تعرف من مخاطر الطبيعة إلا الفيضان العالي للنهر في بعض سنين «ما قبل السد العالي طبعاً».. فإن حدث ذلك - ظهر تضامن المصريين المُعبر عن انتمائهم الأصيل لوطنهم - ينهبون هبّة رجل واحد ومن الوزير للخفير - لمواجهة خطر الفيضان بتجسير حواف النيل في الأراضي المنخفضة نسبياً، بكتل الحجارة ما أمكنهم ذلك - فإذا ما انحسر خطر الفيضان.. عاد المصريون إلي «شتاتهم» داخل نفوسهم.. كما الجزر المنعزلة .. ليتفقوا علي ألا يتفقوا.. فيما تغلّب علي «نخبتهم» نوازع التبعثر والتشرذم.. والأنا المتضخمة.. وهكذا يفسد عملهم وتذهب ريحهم.
قلت.. هذا يا عمنا محفوظ عن المصريين.. فماذا عن أولئك اليابانيين.. هل هم من الشياطين؟! فأجاب الراحل محفوظ: لا أبداً.. كل ما في الأمر أن اليابانيين يعيشون في أقصي الأرض حيث مشرق الشمس - فوق أربعمائة جزيرة وسط المحيط «فإن ما أدّفوش مع بعض يغرقوا»!!
ومن هنا نشأت لدي اليابانيين وفي حضارتهم البعيدة «ثقافة عمل الفريق».. والإنجاز بروح الفريق - فإذا ما لاح لأحدهم أن ينسب نجاح جهد الجماعة لنفسه، بغرور الأنا المتضخمة .. كان هذا كالمسمار الذي يعلو علي مستوي غيره من المسامير فيكون نصيبه أن يدق إلي أسفل - ليعود إلي الصف من جديد!
وهكذا فالفرق بين ثقافة المصري المتفرّد بذكائه الذي يجعله يُصر علي العزف منفرداً، وثقافة قرينه الياباني الذي لا يعمل إلا من خلال منظومة تعزف مع بعضها عزفاً أوركسترالياً.. فالفارق يا ولدي بين الثقافتين.. هو «فارق تراثي» يتعلّق «بالثقافة» السائدة التي يمكن إصلاحها، وليس فارقاً قدرياً لا سبيل إلي تغييره.. وهذا هو قول الجغرافي والمؤرخ المصري العظيم الراحل «جمال حمدان».
رحم الله حمدان، وغفر للعالم محفوظ الذي نادي منذ ثلاثة عقود بتعميم زراعة النخيل والزيتون في ربوع مصر للإفادة من ثمارها وزيوتها.. فلم تفعلها مصر.. وفعلتها ماليزيا التي تُصدر زيت النخيل سنويا بمليارات الدولارات، بينما اكتفت مصر ذات الآونة بتلقي المعونة الأمريكية المشروطة والمغموسة بمذلة رهن الإرادة المصرية بعد تحرير سيناء بثمن فادح!
أقول للقارئ العزيز.. لقد انهمرت علي خاطري هذه التداعيات.. لما وجدت فريقاً من النخبة المصرية الأكاديمية المثقفة - التي تُغطي بمقالاتها ومقولاتها الفردية عين الشمس في الصحف والمحافل - التي أصرّت وتُصر علي تعاطي السياسة من الصالونات المخملية لتعزف كل منها عزفها المنفرد.. عزوفها كذلك عن الانخراط في الأحزاب السياسية، بل إنها كثيرا ما عمدت وتعمد إلي تشويه صورة العمل الحزبي لدي الرأي العام.. متناسية أول الأبجديات في العلوم السياسية التي ربما تخصص بعضهم في تدريسها.. وهي أنه لا ديمقراطية ولا تداول للسلطة إلا من خلال آليات حزبية قوية متنافسة.. وفارق بين تقييم نتفق عليه للواقع الهش للمنظومة الحزبية الراهنة وبين تثبيت صورة مُظلمة للعمل الحزبي.. بما يُسهم في المزيد من عزلة الجماهير المصرية عن المشاركة السياسية.
فإن أضيفت لظاهرة العزف الأكاديمي المنفرد.. للنخبة المصرية.. ظاهرة أخري تعمد إلي تصنيف الأحزاب القائمة ما بين أحزاب كبيرة وأحزاب صغيرة بلا سند ولا دليل ولا معيار موضوعي مُنصف.. وهذا ما تُصر عليه النخبة نفسها وقطاعات من الكتاب المنحازة بهواها لتري غير الحقيقة!
لقد كان الحصاد من ذلك كله مزيداً من التبعثر والتشرذم لحراك النُخبة المصرية القائم علي قدم وساق هذه الأيام - وبهذا فليهنأ أهل الحُكم في مصر ببقائهم السرمدي فوق أنفاس وصدور المصريين.. ولا ثمة عزاء للشعب المصري المُحاصر بين شقي رحي.. ما بين حكامه وحكمائه.. وكأنهما وجهان لعملة واحدة!
لقد بدأ علي الفور، ومنذ وفود طاقة الضوء التي أشعلت أملاً جديداً في نفوس المصريين، مما بشر بإحياء جديد للسياسة في مصر منذ مواتها عبر خمسة وخمسين عاماً مُمثلة في شخص المواطن المصري صاحب القامة والقيمة العالية د. محمد مصطفي البرادعي - أن ثمة فيروسات نُخبوية سرعان ما بادرت إلي حصار ومُحاصرة الأمل الجديد للمصريين في دائرة شُخوصها وذاتيتها الضيقة.. ولو بإقصاء من قد يكونون الأكثر حرصاً علي التضحية والبذل لإنجاح العمل.
وهكذا قد تضيع علي أهل مصر آخر الفرص المتاحة «للتغيير» إذا ما انفرط العقد من جديد.
ولسوف تثبت الأيام المقبلة.. أن طريق العمل الفردي من أجل التغيير.. هو يا ولدي طريق مسدود مسدود!.. وأن من المكابرة عدم التعامل الواقعي مع الشرعية المنقوصة في مصر علي صفتي الأغلبية المزعومة والمعارضة الموهومة.. حيث لا بديل عن خوض المصريين معركتهم الأخيرة مع الاحتلال الداخلي والهيمنة الخارجية.. إلا بالالتحام فوراً تحت مظلة حزبية قد تكون مُتاحة وواعدة لعدم إضاعة الوقت.. وحيث بدأ العد التنازلي لميقات الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يفصلنا عنها ما لا يزيد علي ثمانية عشر شهراً.
وعلي هؤلاء الرومانسيين المحلّقين في خيالات الفضاء وتوابعهم - وبعضهم من المُنافسين المستترين علي مقعد الرئاسة - أن يهبطوا فوراً إلي أرض الواقع إن كانوا جادين بالفعل للنزال والنضال.. وإلا فضّوها سيرة بقي!
وقي الله مصر شر مقاديرها.. ووقانا جميعا شرور أنفسنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.