لم تحمل الدعوة إلى حوار وطني من قبل الرئيس محمد مرسي أي دلالات على تقدم من الممكن أن يتم التوصل إليه فيما يتعلق بالمطالب التي سبق وأن قدمتها المعارضة على مدار الثمانية أشهر الماضية. فحتى من قبل أن تنعقد جلسة الحوار، التي كالعادة لم تسفر عن شيء يحمل قدراً من الأهمية، لم يتمكن الرئيس (وربما لم يرد) أن يطرح أي مغريات للطرف الأخر من الممكن أن تكون سببا يدفعه للحضور، حتى ولو من منطلق حسن النوايا.
ناهيك عن النتائج الكارثية التي خرج بها الحوار، والتي أوضحت أن بعض من المشاركين فيه ممن يمتلكون نية صادقة، وممن يعتقدون أنهم يقومون بواجب وطني، وأنهم هناك لإيجاد مخرج للأزمة الحالية.. أن ما يقومون به مجرد حرث في ماء.
بل ربما تكون هذه الدعوة التي لم تسفر عن شيء سوى بعض توصيات للهيئة العليا للإنتخابات! ربما تكون سببا في زيادة حالة الانسداد السياسي والمجتمعي التي تمر بها مصر الأن، وتعميق للمقاطعة السياسية التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ مصر الحديث. فلأول مرة تصل القوى السياسية المعارضة للحاكم لدرجة المقاطعة التامة، فطوال تاريخ مصر الحديث حافظت المعارضة المصرية على درجة من الاتصال (تقلصت أو اتسعت) مع الرجل القابع في القصر، الذي كان ملكا، وصار فيما بعد رئيسا.
حالة الانسداد تلك تتطلب بالضرورة إيجاد وسيلة فعالة للتخلص من مكوناتها وأسبابها، والتي من الممكن أن تأتي في صورتين:
-إما أن تصل التفاعلات المكتومة بين المكونات والقوى الاجتماعية إلى أن تحدث انفجارا مفاجأ يؤدي إلي الدفع إلى الأمام، وهو ما نطلق عليه الثورة الشعبية الرأسية، أي التي تنطلق من القاعدة إلى القمة لتطيح بها.
-وإما أن تستسلم هذه القوى لفكرة التغيير بصورة تدريجية، ومن ثم معالجة هذا الانسداد على مراحل متباعدة، تؤدي كل مرحلة منها على حدى إلى احداث تغييرا جزئيا يفضي في النهاية إلى التغيير الكلي المطلوب.
-أو يأتي التغيير من داخل النظام بصورة مفاجئة أيضا عن طريق أقوى مؤسساته وأكثرها إستقلالية، متمثلة في القوات المسلحة، وفي هذه الحالة تدخل عملية التغيير في حالة من الضبابية يصعب معها التنبؤ بالمستقبل.
غير أن تلك الاحتمالات تتطلب بعضا من الوقت حتى تنضج الفكرة، وتظهر الصورة بوضوح لدى قطاعات كبيرة من المجتمع، الذي كان قد اختار الانتظار في حالة النظام السابق لفترات طويلة، لأنه ببساطة لم يكن يعلم أن سمة انسداد في شرايين الحياة السياسية قد حدث، وأن هناك سمة أمل في إمكانية حدوث تغيير من الممكن أن تقوم به الجماهير. بالضبط كما حدث مع سيدنا سليمان (عليه السلام) عندما عكف جنوده من الجن على بناء القصر العظيم الذي طلبه، تحت إشرافه ومتابعته، اعتقادا منهم أنه يراقبهم لأيام دون أن يعلموا أنه قد مات. كذلك فإن الجماهير والعامة في مصر لم تكن لتقوم بثورة على النظام السابق لفترات طويلة اعتقادا منها أن النظام مازال بقوته وجبروته، من دون أن يصل إلى علمهم أنه في حقيقة الأمر كان قد مات منذ وقت بعيد.
أما النظام الحالي فإنه (على العكس) يبدو ضعيفا لأنه مازال يبحث عن هويته ومن ثم فهو يدرك أنه لم يتمكن من الإمساك بخيوط اللعبة بعد، لذا فهو يعقد الأمل الآن على الوقت، وعلى طاقة واحتمال قوى المعارضة، وإذا ما كانت تمتلك النفس الطويل الذي يمكنها من الاستمرار في الضغط على النظام بنفس القوة، أو أنها سوف تصاب بالملل السياسي، وتفقد قدرتها على تحريك الشارع ضده.