دعاية مبكرة.. جولات على دواوين القبائل والعائلات لكسب التأييد    تسليم أجهزة برايل حديثة لطلاب مدرسة النور للمكفوفين في المنيا    معدلات تنفيذ شقق مشروع "ديارنا" للإسكان المتوسط بالعاشر من رمضان    موعد صرف المعاشات لشهر نوفمبر فى أسيوط    أقوى إعصار في تاريخ المحيط الأطلسي، ميليسا يضرب جامايكا بلا رحمة (فيديو)    تعرف على الفرق المتأهلة لربع نهائي دوري مرتبط السلة للرجال    بروسيا دورتموند يعبر آينتراخت بصعوبة في كأس ألمانيا    رابطة الأندية: من المستحيل تأجيل مباريات الدوري المصري    اندلاع حريق بأحد المطاعم في أبنوب بأسيوط    القليوبية: مقتل شاب على يد آخر بسبب معاكسة الفتيات في منطقة الفلل ببنها    رئيس المتحف المصري الكبير: نضع اللمسات الأخيرة لأكبر حدث ثقافي.. سنبهر العالم    باسم يوسف ل كلمة أخيرة: ما يحدث بين أمريكا وإسرائيل توزيع أدوار    كلها من مطبخك، وصفات طبيعية لتخفيف ألم المفاصل    محمد سامي يكشف السبب وراء عودته عن قرار اعتزال الإخراج    أخبار كفر الشيخ اليوم.. كشف لغز العثور على جثمان مقاول    لميس الحديدي: الخطيب أثبت أن الأهلي يدار بالخبرة والحوكمة    هيئة الدواء المصرية تبحث مع شركة «وقاية» الإماراتية تعزيز منظومة إدارة المخلفات الطبية والدوائية    وزيرا خارجية الصين وكازاخستان يبحثان تعزيز التعاون الثنائي    مجلس الوزراء يطلق مشروعات طاقة متجددة في مختلف مناطق المملكة باستثمارات تتجاوز 9 مليارات ريال    إعصار ميليسا يضرب اليابسة في جامايكا كعاصفة من الفئة الخامسة    محافظ البحر الأحمر: معدلات السياحة مرتفعة.. و150 شاشة بالمنشآت تنقل افتتاح المتحف الكبير    فى ذكرى رحيله.. غانم السعيد: طه حسين لم يكن مجرد كاتب بل مشروع نهضة متكامل    رئيس جهاز حدائق العاصمة: 4000 أسرة مقيمة بالكامل.. وبدء ترفيق منطقة البوليفارد الترفيهية    الصحة: فحص أكثر من 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    قبل يومين من عرضه.. زينة تنهي تصوير مسلسل ورد وشوكولاتة    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    "مطروح للنقاش" يناقش إعلان ترامب رغبته لقاء زعيم كوريا الشمالية    بحضور وزير والرياضة، عمر هشام يعلن انطلاق بطولة مصر المفتوحة للجولف 2025 بملاعب مدينتي    عنف التلامذة!    رئيس المؤسسة العلاجية في جوله تفقديه بمستشفي هليوبوليس    اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    التحالف الوطني يستمر فى تدفق شاحنات الدعم الإغاثى إلى قطاع غزة.. صور    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    متحدث الوزراء: 40 رئيسا وملكا ورئيس حكومة يشاركون بافتتاح المتحف الكبير    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    شوبير ينفي تلقي داري عرضا من ليبيا ويكشف موقف الأهلي من مستقبله    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    رسميًا مواعيد المترو بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 2026 بالخطوط الثلاثة    محمد عمر: الأهلي والزمالك لن يعترضا علي تأجيل مباريات بيراميدز    رسميًا| مجلس الوزراء يعلن بدء التوقيت الشتوي اعتبارًا من الجمعة الأخيرة بالشهر الجاري    عون يؤكد ضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة على لبنان    رؤية نقيب الصحفيين للارتقاء بالمهنة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    زلزال سينديرجي يعيد للأذهان كارثة كهرمان مرعش في تركيا.. تفاصيل    قوافل جامعة قناة السويس تتوجه إلى قرية أم عزام لتقديم خدمات طبية    نجم اتحاد جدة السابق يضع روشتة حسم الكلاسيكو أمام النصر    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    حملات أمنية مكبرة بكافة قطاعات العاصمة.. صور    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    وزيرة التخطيط: تهيئة بيئة الاستثمار لتوسيع نطاق مشاركة القطاع الخاص    اعترافات صادمة لقاتل مقاول كفر الشيخ.. أمه غسلت هدومه من دم الضحية    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    غيران ولا عادي.. 5 أبراج الأكثر غيرة على الإطلاق و«الدلو» بيهرب    ضبط 3 أطنان دقيق في حملات مكثفة لمواجهة التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    14 شاشة لمشاهدة احتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير بأسوان    الباعة الجائلون بعد افتتاح سوق العتبة: "مكناش نحلم بحاجة زي كده"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد عزب يكتب: نحو منظور إسلامي لعلم الآثار
نشر في الدستور الأصلي يوم 31 - 01 - 2013

نشأ علم الأثار في أوروبا نتيجة للاهتمام بمخلفات الإنسان المادية، وكان أبرز حدث ارتبط بهذه النشأة قيام ميدتشي بغإيطاليا بعرض ما لديها من تحف وأعمال فنية في بهو ملحق بقصرها في مدينة فلورنسا. وتتابعت بعد ذلك هذه الأجنحة حتى أضحت القصور تشكل المتاحف الكبرى مثل متحف اللوفر بباريس.

وأخذ الولع بالحضارات القديمة ومخلفاتها يزداد يومًا بعد يوم في أوروبا، حتى أخذ علم الآثار يأخذ شكلاً جديدًا أحدث انقلابًا في معرفة الإنسان بتاريخه وتطوره، مما أدى إلى اكتشاف حضارات ومدنيات سبقت حضارة الرومان ومدنيتهم بعشرات القرون، الأمر الذي أدى إلى تغير آراء مؤرخي الحضارات والذين كانوا يحصرون أصول المدنية البشرية وجذورها في تراث اليونان وحضارتهم.

صاحب هذه المرحلة اكتشاف مدينتي هركولانيوم وبومبي اللتان دمرهما بركان فيزوف الشهير، وما صاحب حملة نابليون من علماء سجلوا آثار مصر الفرعونية والإسلامية في كتاب وصف مصر، وهو الأمر الذي أثار اهتمام الأوروبيين بحضارات مصر والشرق الأدنى القديمة. فضلاً عن قيام اللورد انجن بفك قسم كبير من منحوتات البارثنون ونقلها إلى المتحف البريطاني بلندن حيث عرضت فيه هذه المنحوتات اعتبارًا من 1816م. ومن هنا يسجل العلماء من خلال هذه الأحداث المتتالية مولد علم الآثار.

وامتد هذا العلم بعد ذلك وأصبحت له قواعده، ولم يعد شيئًا فرديًا يختص به الأفراد، بل أصبحت له هيئات منظمة من الأكاديميات والمعاهد والجامعات مما أحدث منافسة مستمرة بين هذه الهيئات العلمية أدت بالضرورة إلى ارتفاع مستوى العلم وتعدد علمائه ومتخصصيه وانتشاره.

وتعددت تعريفات علم الآثار غير أن أكثرها شمولاً هو التعريف التالي: "علم الآثار.. علم التحري عن الأصول المادية لحضارة الإنسان، ومن ثم فهو علم الوفاء للقديم والحرص على تتبع مسيرة التطور التي سلكتها الحضارة البشرية في عصورها الماضية عن طريق استقراء الشواهد المادية من تراث هذه العصور واستخلاص القيم الثقافية والعلمية والجمالية من كل ما أبدعته قرائح الإنسان وأحاسيسه وعلومه، ومن كل ما شكلته يده وآلاته تجسيدًا لمعتقداته وفنونه في مختلف مناحيها الثابتة والمنقولة، وهو كذلك العلم الذي يدرس الآثار لذاتها ولخلفياتها لأنها في مفهومه ليست أطوالاً وعروضًا ورسومًا وأشكالاً وبساطة وجمالاً فقط، وإنما هي وقائع ملموسة تتحدث بلسان أهلها وزمانها إيجابًا وسلبًا، ولا تنفصل عن كيانهم في الزمان والمكان والتأمل والخيال ولو كانت آثارًا ساذجة غير مكتوبة".

وهذا العلم يهتم بالمادة أولاً المحسوسة وما خلفها من ثقافات، لذا كان لمنهج البحث عن المادة أثر فيه، فاعتبر وصف الأثر أهم من مضمونه، ونال منهج الفن للفن منه، حيث البحث عن جماليات الأثر دون البحث عن الفلسفة التي صاغت هذه الجماليات. وأثرت مناهج العلوم الغربية بشدة. ووقفنا نحن عاجزين مقلدين لهذه المناهج، غير مبتكرين وساعد على ذلك أن المجتمع انقسم قسمين؛ قسم يرى في الآثار تلك النظرة التقليدية التي ترى إهمال آثار السابقين وهدم ما يتنافى منها مع بعض القواعد الشرعية كالتماثيل والصور والمعابد. ولكن هؤلاء لم يقدموا لنا إجابة قانعة هل نعامل آثار حضارات المسلمين نفس المعاملة؟ أم أن لها وضعًا خاصًا؟ لم يتعرض له الفقهاء السابقين لكون عصورهم لم تنظر إلى هذا الأمر.

والقسم الآخر اتخذ المنهج الغربي في دراسة الآثار والنظر إليها فعظمها ومجدها دون أن ينتقد الانحراف العقائدي لدى الأمم السابقة، ودون أن يأخذ باعتباره أن هذا العلم من العلوم الإنسانية التي يجب أن يكون لنا فيها منهج يستمد ركائزه من تراثنا الحضاري.

وبين هؤلاء وهؤلاء وقف العديد من الباحثين والمثقفين حائرين إلى أي الفريقين يكون الاتجاه. وفي الأسطر التالية سنسطر محاولة للوصول إلى رؤية أخرى للتعامل مع هذا العلم.

نشأة الكون
حفلت الدراسات الأثرية بالعديد من الرؤى لنشأة الكون وأسبابه، وهذه النظرة لم تكن في بعض الأحيان سوى نظرة تسجيلية دونما تدخل، وهذه الرؤى بعضها يتفق مع ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية حول نشأة الكون، وحول وجود إله واحد ذا قدرة خارقة. فتصف النصوص المصرية القديمة إله الكون كما يلي: "خلق هذا الإله نفسه بنفسه، شكل نفسه بنفسه دون أب أو أم"، ولم يوصف إله الكون بأنه مذكر أو مؤنث، ووصف بأنه الواحد الأحد ونشأ في الكون قبل كل شيء؛ أليست هذه الصفات تذكرنا بسورة الإخلاص "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًأ أحد"، إن هذه النقطة في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة، ولكن إثبات صحة أن المصريين القدماء والعراقيين القدماء كانوا يرون للكون إلهًا خلفه له صفات محددة لن تحتاج إلى بحث إذ هي واضحة تمامًا. ولكن البحث سيتركز على تخليص الدراسات الأثرية من الانحرافات العقائدية التي شابت الديانات القديمة.

وننتقل من ذلك إلى نقطة أخرى وهي إيمان المصريين القدماء بإله واحد. فالتوحيد عرف منذ عصور ما قبل التاريخ، وهو ما أثبتته الدراسات الآثارية الحديثة، حيث ظهر مصطلح الرب، وهذا الرب له صفات منها أنه خفي، الوحيد، العظيم الكبير، الرفيع. وهي صفات تشير إلى الوحدانية.

وتشير العديد من الدلائل الأثرية إلى نعرفة قدماء المصريين للتوحيد في عصر الدولة القديمة، ولكن يبدو ان المصريين حرفوا الديانة السماوية الأولى التي كان يؤمن بها أبو البشر آدم، فلم يكتفوا باسم واحد للخالق، ولم ينزهوه تمامًا عن التشبيه، ولم ينكروا تعدد المعبودات إلى جانبه.

وعلى ذلك لم يكن ما دعا إلى إخناتون من توحيد قادمًا من فراغ هو مبتدعه، بل قائمًا على أصول. ولكن يبقى الفرق بين ما نطرحه من خلال هذه الدراسة وبين رؤية الآخرين لهذه النصوص، هو التفسير وفق المنظور والرؤية. فهم يرون ويحملون النصوص الواضحة والصريحة في هذا الشأن ما لم تقله وما لا تحتمله. فالأصل عندهم هو تعدد الآلهة الذي نشأ منه بعد ذلك فكرة التوحيد عند المصريين القدماء. على العكس مما نراه لأننا نؤمن بالواحد القهار. وهم لا يرونه ولا يؤمنون به، وهذه هي رؤية علماء المصريات من الغربيين بصفة خاصة.

الإنسان
ينظر المسلمين إلى الإنسان ككائن حي ميزه الله تعالى على سائر البشر ولذا جاء في كتاب الله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". ولكن بعض البشر يضنون على البشر ما فضلهم الله به. فيرون أن الإنسان تطور من الحيوان حتى ظهرت منه أربعة أنواع بادت ثلاثة منها، هي نوع "القرد البشري"، ونوع الإنسان القرد المنتصب القامة والمتمثل فيما يعرف بإنسان جاوة وإنسان الصين الذي عاش قبل 5 مليون سنة، ونوع إنسان نياندرتال الذي عاش في الفترة ما بين 120000: 35000 سنة مضت. أما النوع الرابع فهو الإنسان العاقل الذي يعمر الكرة الأرضية الآن. وللأسف يأخذ بعض العلماء المسلمين هذه النظرية ويروجون لها من خلال علم آثار ما قبل التاريخ. علمًا بأن هذه نظريات غير قاطعة ولا يوجد عليها دليل مؤكد. لأن إنسان هذه العصور لم تصلنا منه سوى بقايا عظمية لا تنبئ إلا عن وجوده فقط على الأرض.

ومن الأمور الملفتة للنظر أن الأوروبيين لم يروا في الإنسان المعاصر في أوروبا محور الحضارة المعاصرة فقط بل رأوه أيضًا محور حضارات ما قبل اتاريخ فجعلوا منشأ الفنون البدائية في أوروبا وقارنوا ما عاصرها من فنون بها على أنها الأصل، علمًا بأن الاكتشافات الآثرية الحديثة والقديمة تثبت أن الإنسان عاش في مناطق الحضارات القديمة قبل سكناه لأوروبا.

وعصور ما قبل الكتابة كما نسميها هي عصور صامتة اعتمد فيها الإنسان على نقل الرواية التاريخية مشافهة، وبذلك لعبت الذاكرة دورًا محوريًا في حياة إنسان تلك العصور، ولكن بدءًا من معرفة الإنسان الكتابة وصلتنا سجلات مادية ملموسة نستطيع من خلالها أن نؤرخ له.


العربية أصل اللغات
يميل علماء الآثار إلى القول بأن الإنسان اكتسب اللغة من خلال محاكاة الأصوات التي تصدر من الحيوان والرياح وغيرها، كما تفعل الببغاء التي هي دون الإنسان في الإدراك. وهذا عكس ما نؤمن به؛ فاللغة العربية ليست من اللغات التي نشأت من اختلاط الإنسان بالمحيط الذي يعيش فيه، فهي ليست مأخوذة من أصوات الحيوانات والعالم المحيط المتحرك حوله، لأنها لغة الله، وهي من مصدر أصلي لا ريب فيه، وغير مقتبسة من لغات أخرى ولا من محاكاة الأصوات الصادرة من حيوان أو إنسان أو رياح أو غيرها، بل هي لغة قائمة بذاتها، علمها الله لآدم عليه السلام "وعلم آدم الأسماء كلها". وهي أولى اللغات وأولها استعمالاً على وجه البسيطة، ثم انتشرت مع نزول آدم وحواء من الجنة بعرفة، وهي ليست من اللغات المسماة السامية. لأن آدم مقدم على سام في الوجود.
والقول باللغات السامية أمر غير ذا صحة، إذ أن هذه اللغات خرجت من الجزيرة العربية مع هجرة قبائلها إلى العراق والشام. ولذا أجمع العديد من الباحثين على تسميتها بالجزرية. وليست السامية. وهذه اللغات هي الأكدية والبابلية والآشورية والآرامية وغيرها. ذات أصل واحد هو العربية. ويتجلى التقارب بينها في جوانب أساسية هي:
1- اعتمادها بصورة أساسية على الحروف الصحيحة وليس حروف العلة، كما هو الحال في اللغة الآرية. ثم أن فيها حروفًا صحيحة إضافية غير موجودة في اللغات الآرية كالحرف اللهوى "ط" والحنكي "ق" والسنى الصافر "ص" والحلقي "خ".
2- أن الغالبية العظمى من الكلمات بها مشتقة من أفعال ذات جذور ثلاثية.
3- وجود جنسين فقط هما المذكر والمؤنث وعدم وجود ما يعرف بلا مؤنث ولا مذكر.
4- وجود مجموعة كبيرة من المفردات في هذه اللغات تتطابق لفظًا ومعنى.
وكان اليهودي النمساوي شلوتسر أطلق على هذه اللغات "السامية". متجاهلاً أنها خرجت من الجزيرة العربية وأن العامل الجغرافي تنسب إليها اللغات كاللغة البابلية والسومرية نسبة إلى أرض سومر. فضلاً عن أن هؤلاء القوم لا يوجد تطابق خصائص وملامح بينهم. وهو أمر يراه شلوتسر بين الساميين إذ يذهب بعد ذلك إلى قضية نقاء العنصر ومعاداة السامية بطريقة غير مباشرة. والحديث عن أصل مشترك للساميين على النحو الذي جاء فيه التوراة لا يقوم على أساس تاريخي، فقائمة النسب التوراتية لا تتفق مع الحقائق التاريخية. وأصبح في حكم المؤكد لدى العديد من الأثريين أن اللغات الموجودة في بلاد الرافدين والشام والحبشة واليمن والجزيرة العربية خرجت من أصل واحد أراه العربية، وأن القول بلغات سامية أصبح واهيًا ولا دليل عليه.
وأصبح من المؤكد أن اللغة المصرية والكوشية (اللغات السودانية) والبربرية ذات أصل واحد. وأنها هي واللغات الجزرية مشتقة من لغة مشتركة. هذا ما يتحدث عنه بعض الأثريين دون توضيح ودون نشر مفصل لهذه القضية. واللغة المشتركة هي اللغة العربية، إذ بين اللغة العربية وبين لغة قدماء المصريين سمات مشتركة بل أن الأمر وصل إلى وحدة قواعد النحو بينهما.
أليس كل هذا كافيًا لأن نصحح الخطأ الشائع أو الأخطاء الشائعة ونعود إلى القول بأن أصل اللغات هي العربية، وأن اللغات القديمة تشعبت منها. أليس الدليل الأثري كافيًا لدحض الافتراءات حول هذه القضية. خاصة أنه دليل مادي يشاهد بالعين وبالتالي لا يقبل الجدال حوله.
ولكن ما هي الأهداف التي نسعى إليها من إعادة النظر في المنهج الحالي لعلم الآثار في البلاد الإسلامية؟
إن هناك أهداف عديدة ومتشعبة ولكن نستطيع أن ننتقي بعضها لنتحدث عنها بإيجاز إذ أن الحديث عنها يحتاج إلى مساحة أكبر من المساحة المطروحة حاليًا.
أول هذه الأهداف هو العظة والعبرة، وهما أمران شدد عليهما الإسلام، إذ أن تمجيد آثار الأولين أمر غير شرعي. ولقد حث الإسلام على الاتعاظ من حال الأولين "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" سورة النمل آية 69، وهذا التأمل في آثار السابقين ينتج عنه اتعاظ يتحول إلى سلوك ونهج علمي في واقع ملتزم بأمر الله ونهيه. وهذا أمر بالسياحة في الأرض لمزيد من الاتعاظ.
ولو أدركنا ما حولنا من آثار لعرفنا أن حولنا آيات، يقول الله تعالى في سورة ق "أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد" آية 15. وهذه الآية تحققت في مصر إذ حدث زلزال بها في أوائل القرن السابع الميلادي قبل الفتح الإسلامي بسنوات، دمر أجزاء كبيرة من دلتا النيل وقراها، ومازالت شواهد هذا الزلزال باقية في مطوبس وسيدي سالم وفوة ودمنهور وتل بسطا تلال أثرية عبارة عن مدن وقرى مدمرة. هذا الزلزال أدى إلى تناقص سكان مصر بشدة خاصة في شمال الدلتا حيث تتركز العناصر اليونانية والرومانية المحتلة وكأن الله تعالى يمهد أرض مصر للفاتحين. وهذا يفسر سهولة فتح الدلتا عند فتح عمرو بن العاص مصر.
والهدف الآخر توظيف علم الآثار في مجال مقارنة الأديان للوصول إلى هدفين أن أصل الأديان واحد. وأن الأديان الوثنية ديانات محرفة. وأن الديانات السماوية حرفت وتأثرت بالديانات الوثنية. والشواهد الأثرية على ذلك عديدة فتوراة موسى كتبت باللغة المصرية القديمة ولم تكتب بالعبرية؛ فأين التوراة الأصلية؟
اهتم الغرب بتوظيف التراث في خدمة أهدافه التربوية ولذا نشأ عندهم علم يسمى "التربية المتحفية" نجهله نحن لجهلنا، بل نفاجئ برجال وشباب ما يعرف بالصحوة الإسلامية يرون أنه لا توجد فائدة مرجوة من الحفاظ على التراث المعماري الإسلامي والمتاحف الإسلامية، ونسوا أنه يمكن أن نستفيد منها في صياغة الطفل المسلم كما يفعل الغرب، فزيارة الطفل والشاب المسلم لمنازل رشيد أو جدة أو فاس مثلاً والتي يوضح تخطيطها وعناصرها مدى احترام أجدادنا لخصوصية المنزل، والتي صيغت وفقًا لتعاليم الدين الإسلامي، واحترامهم لحقوق الجار، أليس لهذا وقع طيب في نفوسهم، وزيارتهم لقلعة حربية كقلعة حلب توضح مدى الجهد الذي بذله أجدادنا في الدفاع عن ديار الإسلام ونحببهم في الجهاد من خلالها، ونربطهم من خلال الأحداث التاريخية التي وقعت حول هذه القلعة بتاريخهم مما يثبت لديهم المعلومة التاريخية الصحيحة، وزيارتهم لبيمارستان (مستشفى إسلامي) كالبيمارستان النوري بدمشق مصحوبة بشرح وافي عن دور الأطباء المسلمين به والخدمات التي يقدمها للمرضى. أليس في ذلك تحبيب لهم في الطب ودور المسلمين الحضاري فيه. وزيارتهم للوكائل التجارية كوكالة الغوري بالقاهرة، تبين لهم كيف أنها كانت بورصات عالمية تعقد بها الصفقات، كيف أنها خططت ليكون بها مخازن بالدور الأرضي ومسجد ومساكن للتجار بالأدوار العلوية. كل هذا يوضح لهم أيضًا أن الفندقة وعلوم الضيافة كان المسلمون سباقين فيها، وزيارتهم للرباع وتوضيح أنها كانت مجمعات سكنية لفقراء المسلمين وأنه كان أسفلها سوق تجاري كبير؛ يبين لهم أن فكرة المجمعات السكنية التجارية التي يسكنها الأغنياء اليوم فكرة إسلامية اقتبسها المعماري الغربي من المسلمين. وزيارتهم للمدارس افسلامية كالمدرسة المستنصرية في بغداد، ومدرسة السلطان حسن بالقاهرة تجعلهم يوقنون أن الجامعات فكرة نقلت عن الحضارة الإسلامية إلى الغرب. فقد كانت كل مدرسة تضم مناهج لتدريس الفلك والطب والحساب والعلوم الدينية، وزيارتهم لمتحف إسلامي ولقسم العملات به مثلاً ومشاهدتهم لدنانير عبد الملك بن مروان تبين لهم الجهد الذي بذله هذا الخليفة لبناء دولة مسلمة مستقلة اقتصاديًا عن الدولة البيزنطية.
إن هذا كله يقودنا إلى أهمية إدخال التربية المتحفية في الدراسات التاريخية بمدارسنا، بل وربطها بمناهج المواد العلمية كالرياضيات والعلوم وغيرها.
وهناك كارثة نعيش فيها منذ القرن الماضي وهي انفصام الدراسات المتعلقة بالتراث المعماري الإسلامي عن مضمونه. فالدراسات الآثارية وكذلك الهندسية بكليات الهندسة تدرس هذا التراث من خلال منهجين الأول وصفي يهتم بوصف الشكل المعماري للأثر وكأنه وحدة قائمة بذاته، لا رابط بينه وبين ثقافة المجتمع، ولا بينه وبين المنشآت المحيطة به، ولا بينه وبين روح العصر. فكأن هذا الأثر وحدة تخضع للبحث الأثري المادي الجاف.
والمنهج الآخر هو منهج التأصيل المعماري لكل عنصر زخرفي إسلامي حتى يذهب به المأصل إلى جذور فرعونية أو يونانية بهدف تجريد المسلمين من كل إبداع فني خاص بهم. وللأسف الشديد جرى كثيرين من الآثاريين المسلمين خلف هذا المنهج دون وعي منهم.
ونشأ عن هذا كله النظر إلى العمارة الإسلامية بصورة شكلية لدى المهندسين المعماريين. فصار لديهم مفهوم العمارة ينحصر في مشربية على واجهة العمارة أو طبق نجمي على باب بالمنزل أو مقرنص يستخدم كحلية في الواجهة. فهم معذرون لأنهم لم يدرسوا العمارة الإسلامية من خلال فقة العمارة الذي صاغها وجعل لها قوانين التزم بها كل مسلم، ولم تلزمه بها السلطات. ولم يعرفوا أن وراء فقة العمارة منظومة متكاملة من القيم ورؤية حضارية لوجود الإنسان في هذا الكون.
وبعد.. هذه محاولة لوضع منظور أو رؤية إسلامية لعلم الاثار، وهي مشروع لكتاب أعده أشمل وبه نقاط تفصيلية أكثر. ولذا فالأمر يحتاج إلى سنوات أخرى من البحث ويحتاج إلى رأي آخرين فيه سواء أكان نقدًا أو تمحيصًا أو إضافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.