شعب «فيسبوك» ظرفاء ونشطاء صنعوا تاريخًا لوقائع الثورة معجونًا بخفة الدم المصرية تغلبوا بها على المصائب وجبات الكنتاكى.. عمتو عفاف والريش.. فزاعة عجلة الإنتاج.. الاستبن ونظرية الليمون.. مظاهرات الإسرائيليين، خطابات وقرارات النظام «المخلوع والانتقالى والحالى» ومؤخرا موجة البرد وحوادث القطارات والحمامة الزاجلة.. تلك كانت أشهر نكات وقفشات شعب «فيسبوك» على مدار العامين الماضيين، فمن خلال رصد تعليقات نشطاء موقع التواصل الاجتماعى الأشهر يمكنك أن تصنع تأريخا موازيا لكل وقائع وأحداث الثورة المصرية منذ انطلاق الدعوة لها وما تلا ذلك من أحداث لحظة بلحظة فى كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، يختلف كل الاختلاف عن التأريخ المجرد المعتمد على التواريخ وتفاصيل الأحداث، فهو تاريخ معجون بخفة دم الشعب المصرى وروح النكت التى تغلب بها المصريون على أحلك الأزمات والمصائب.
ونستطيع القول إن سخرية جماهير «فيسبوك» طالت الجميع بداية من رأس الدولة وقاداتها وساستها وأحزابها وإعلامييها وفنانيها، وصولا إلى الشعب نفسه الذى لا ينتظر أحدا ليسخر منه فيبادر بإطلاق النكات التى يسخر بها من حاله وثورته وحلمه ثم يشحذ إرادته مرة أخرى وتتفقد فى عروقه ينابيع الأمل فيعاودوا الحلم والثورة من جديد، التى كانت السخرية أشد أسلحتها الفتاكة.
ومن أهم المحطات التى توقف عندها شعب «فيسبوك» كثيرا، السخرية من اتهامات النظام فى بداية الثورة للثوار بالعمالة ووجبات الكنتاكى وتصريحات المطرب عمرو مصطفى اللوزعية عن المخططات «الصهيوأمريكية» لإسقاط النظام والتى كان يستدل عليها من شعارات المشروبات الغازية «عبر مين قدك»، «اتكلم واشرب»، التى نجحت بشكل كبير، لكن فى إسقاطنا من الضحك!
ووسط حالة الرعب بعد إطلاق البلطجية وفتح السجون واللجان الشعبية فى أيام الثورة الأولى التى كانت تنزل لتأمين الشوارع جاءت تعليقات الفنانة عفاف شعيب على إحدى القنوات التليفزيونية التى تحدثت فيها عن معاناة ابن أخيها «الرضيع» الذى يفتقد البيتزا والريش لتكون مصدر ترويح كبيرا عن المواطنين، ولم تسلم بعدها عمتو عفاف من سخرية «فيسبوك» الذى دشن باسمها صفحات منها صفحات «عايزين بيتزا وريّش لولاد أخو عفاف شعيب المنهارين» و«الحملة القومية للتبرع بالريّش لبنت أخت عفاف شعيب» و«كلنا ابن أخو عفاف شعيب» و«ابن أخو عفاف شعيب اللى عنده سنتين وبيتعشى ريّش» و«لا للثورة ونعم للبيتزا» وغيرها.
المظاهرات التى اندلعت فى إسرائيل فى مايو عام 2011 احتجاجا على غلاء المعيشة كانت مادة دسمة أيضا لسخرية المصريين، ومن أظرف التعليقات التى تم تداولها وقتها «أن المتظاهرين يلقون القبض على عدة بلطجية بميادين الاعتصام ويجدون معهم كارنيهات الموساد»، و«أنباء عن هروب نتنياهو إلى جدة»، و«مواطنة صهيونية تعترف على الهواء تدربنا فى شبراخيت وغزة ومثلث برمودا على قلب نظام الحكم»، و«المتظاهرون فى تل أبيب وجدوا قنابل مسيلة للدموع ومولوتوف مكتوب عليه صنع فى مصر»، و«اكتشاف أطباق كشرى فى الميدان مما يثير غضب الثوار اليهود».
وبذكر الفكاهة لا بد أن يأتى الإعلامى توفيق عكاشة على أذهاننا، وكان أحد الذين استهدفت سخرية نشطاء «فيسبوك»، فبمجرد أن يتفوه بكلمة تنطلق الضحكات والنكات، وكان ألطفها النكات التى انتشرت بعد هزيمته فى الانتخابات البرلمانية الماضية، وحصوله على 112 صوتا -بحالهم- فى الدائرة الأولى بالدقهلية، وهو ما علق عليه «الفيسبكيون» بسخرية مزدوجة «توفيق عكاشة يحصل على 112 صوتا فى المنصورة، وعمرو مصطفى يسأل: عايز تقوللى 11 فبراير». وبعد تصريحات عكاشة الشهيرة عن جهل البرادعى كيفية تزغيط البط أعطته الجماهير رمز «البطة» فى الانتخابات وبعد خبر هزيمته أعلنوا أن «والت ديزنى تعلن عن مجموعة أفلام جديدة: ليلة بكى فيها البط - انتف ريشى»، كما قام شباب ال«فيسبوك» بتصميم صورة دونالد دك يقتل فيها نفسه بسبب خسارة توفيق عكاشة فى الانتخابات.
محطات وأحداث كثيرة طالتها سخرية «فيسبوك» لا يمكن أن تتسع لها الصفحات، كمليونية الأشباح التى دعا إليها النائب السابق محمد أبو حامد لإسقاط النظام، وعود ال100 يوم الانتخابية للسيد الرئيس، والتصريحات المستفزة لرئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل بشأن طرق تخفيض استهلاك الكهرباء برعاية «قطونيل»، الخطاب الحميم لشيمون بريز، وألبوم تامر حسنى الأخير «لسه اللى جاى أحلى.. طب نزلت ده ليه»، قرارات تعيين النائب العام السابق عبد المجيد محمود ومن بعده المستشار مكى سفراء للفاتيكان ليتساءل بعدها جمهور «فيسبوك» «وما ذنب الفاتيكان؟!» -على غرار تعليق مرشد الجماعة الشهير «ما وذنب النباتات؟!».
المعارضة والأحزاب والمرشحون للرئاسة نالوا نصيبهم الوافر من السخرية، ومما يعلق فى ذهنى التعليقات التى انتشرت بعد نشر صورة للمرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى يتوسط فتاتين تقبلانه، وهو سعيد جدا، ومنها «صباحى واحد مننا وبيتشاقى زينا»، «الكبير لازم يتدلع»، «حمدين صباحى واحد بيتباس.. مش زينا».
الأزمات والمحن التى مر بها الشعب لم تمنعه من ترك بصمته المميزة فتجد «فيسبوك» يعلق على حكم براءة جميع متهمى موقعة الجمل، مطالبا بإحالة جميع شهداء الموقعة للتحقيق معهم بتهمة الموت الكذب، ويسخر بألم من حوادث القطارات الأخيرة «من كتر الشهداء اللى بيخرجوا من مصر فى الحوادث.. هناخد مركز أول فى الجنة» و«هو كان شعار الإخوان بالدستور العجلة تدور ولا بالدستور هنروح للقبور». ونظرا لما تمر به البلاد من حوادث الموت المتكررة فقد تم تغيير شعار الثورة إلى «عيش.. حرية.. موتة طبيعية»، «النهضة صابتنا ورب العرش يتولانا»، «إينما تكونوا تدرككم النهضة».
حتى موجة البرد الأخيرة لم تسلم من سخرية «شعب فيسبوك»، الذى أصبح كتلة قائمة بذاتها لا يمكن الاستهانة بما تستطيع أن تفعله من حشد وتعبئة الجماهير وإلهام الشعوب الأخرى بما لديها من عزيمة وإرادة تشحذها دائما بسلاح «النكتة».