الغضب تزداد معدلاته ضد ممارسات الرئيس، بينما وزارة الداخلية تنشئ سلاحا جويا لها. هناك من يزيد مساحة الرفض وحجم الاحتقان. إنها تلك الدائرة القريبة من الرئيس التى من الواضح أنها تسعى لتوريطه وتعجيل الإطاحة به -ربما بحسن نية- وإلا فمن هو صاحب الاقتراح فى هذا التوقيت الملتهب، ليعلن بأنه يحق فقط للمواطن المصرى ثلاثة أرغفة يوميا، رغم أننا الشعب الوحيد فى العالم الذى اخترع وصفة الزواج الشرعى بين المكرونة ورغيف العيش، الشعب لا يجد ما يضعه فى الرغيف ولهذا تصبح المكرونة هى الغموس. من يجرؤ على أن يمنح المصرى ثلاثة أرغفة يوميا هو بالتأكيد لديه الكثير من الغموس ويخضع لرجيم قاسٍ، ولكن الأهم أنه يسعى حثيثا لكى يجد الحاكم نفسه وقد ضرب رأسه فى أقرب حائط، قضية رغيف العيش أمن قومى لا يجوز الاقتراب منها. فى العالم العربى يسمونه خبزًا، ولكن المصريين فقط يطلقون عليه «عيش» فهو يعنى لهم الحياة. هذه الدائرة التى تورِّط الرئيس هى نفسها التى اقترحت قبل ساعات قليلة من افتتاح المعرض الدولى للكتاب بأن لا يجلس مع أى من المثقفين مكتفيا بالناشرين، كان من الممكن وسط هذا الحشد أن يجيب عن العديد من الأسئلة التى تتردد فى الشارع، مما يؤدى إلى إزالة قدر من الاحتقان، إلا أن هناك من أضاع عليه تلك الفرصة حتى ولو كانت محفوفة بهامش من المخاطر. كان مبارك يحرص فى بداية ولايته على هذا اللقاء، ثم أحجم فى السنوات الخمس الأخيرة التى سبقت رحيله عن الكرسى. مبارك كان فى العادة يحظى بمجاملة، فهم يختارون من يضمنون ولاءهم فتنهال عليه كلمات المديح، بينما كان مرسى سيتلقى العديد من الاتهامات، وبعضها بالمناسبة ستأتى من هؤلاء الذين تعودوا على بيع أنفسهم للحاكم، ولكنهم لا يزالون يماطلون فى الثمن.. المؤكد أن وزيرى الثقافة والإعلام لن يتمكنا من حمايته برغم يقينى أن عددا لا يستهان به ممن يتصدرون مشهد المعارضة الآن كان مبارك يحرص على وجودهم فى يوم لقائه، لأنه يعلم أنهم سوف يمطرونه بنفاقهم ولكن هذه قصة أخرى. نعم لم يعد للحاكم قدرة على تدجين كل المثقفين. هناك قطاع لا يمكن الاستهانة به يقف رافضا كل هذه الممارسات، كما أن الناس التى تناست أو غفرت لعدد من مثقفيها فى الماضى تواطؤهم مع مبارك لن يغفروا لهم هذه المرة نفاقهم لمرسى. المواجهة كانت تبدو واحدة من أدوات مرسى التى أعلن عنها فى بداية توليه الحكم، ولكنه افتقد ذلك أو لعلهم -أقصد الدائرة القريبة- حذرته من الاقتراب من لغم المثقفين، فهو يعلم أن الأسئلة سوف تفضحه حتى أمام أهله وعشيرته. مرسى له خطابان فهو يعتقد أن كلمتين لمحطة أجنبية يتحدث خلالها عن الحريات فى الداخل، وعن حفظه للاتفاقيات الدولية واحترامه لمعاهدة السلام وحرصه على حقوق الأقليات تكفى، بينما فى الداخل سيقول كلاما آخر ولم يعد هذا ممكنا فى ظل الانتشار الفضائى. المأزق الحقيقى الذى تعيشه السلطة هو أن مصر تستطيع تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء، ثلث يميل بطبعه إلى الإخوان ولا يرى بأسا أن يتولوا المسؤولية، خصوصا وهم بارعون فى منحهم المقابل، ولكن هذا الثُلث تختلف درجة قناعته، ومن الممكن فى منتصف الطريق أن يعلن تراجعه، أى أننا فى هذه الحالة نتحدث عن نحو 15%. وهناك ثُلث منحاز للثورة ويسعى لاستكمال أهدافها حتى آخر نفس، وثلث يجد أن مبارك والعائلة كانت تضمن له حماية أفضل فهو ضد مرسى وضد الثورة بنفس القدر. كان على رئيس الجمهورية أن يدرك أنه حتى يكسب معركته عليه أن يكسب الثوار إلى جانبه بدلا من تنفيذ سيناريو التمكين للإخوان. هذا الثلث الذى يرفض حكم العسكر وحكم الإخوان لا يمكن أن يسمح فى نفس الوقت بعودة زمن مبارك.
الرئيس يعتقد أن الأمن الطائر يستطيع أن يوفر له الحماية على الأرض، ولهذا صار لدينا سلاح قوات جوية تابعة للشرطة بدأت التحرك قبل يومين فى سماء مصر. من يعتقدون أن الأمن يبدأ من السيطرة على السحاب لا يعرفون حقيقة مصر، الحماية الحقيقية تبدأ من الوجدان، ينبغى أن يشعر المصريون أولا بالأمان النفسى تجاه الحاكم. من لا يدركون ذلك مثل الدب الذى يقتل صاحبه أرضا وجوا!