وحيد حامد من موقعه الشهير على نيل القاهرة الفاخر، يفاجئك وحيد حامد بأنه يفكر بنفس طريقة البسطاء فى شوارع القاهرة وقرى الدلتا، هذه الموهبة فى استنطاق الناس والبوح بما يفكرون فيه، هى السر الحقيقى لتفرده ككاتب كبير يجد الناس أنفسهم فى أعماله، من هذه الزاوية كان حوارى مع وحيد حامد حول حادث كنيسة القديسين وما قبله وما بعده وما قادنا إليه ولم تكن قدرته على الحديث الصريح و(المفتشر) هى فقط ما يميز حديثه، ولكن أيضا هذه النظرة النقدية الساخطة لكثير من الأوضاع التى بتنا نعتبرها عادية، ومسلما بها. كيف تلقيت ماحدث؟ - فى البداية الحدث كان أشبه بالصدمة، أو بلدغة ثعبان، أصبت بما يشبه الشلل المؤقت، ولكن بعد قليل من الوقت أدركت أن هذه المسألة حدث طبيعى وأنه من الطبيعى أن يحدث. لماذا؟ - لأنه على مدى سنوات طويلة مضت هناك آلات إعلامية متنوعة تعزف أنغاما متعددة للتطرف، والفرقة وبث الكراهية بين المسلم والمسيحى بل بين المسلم والمسلم أيضا، هذه الآلة الإعلامية تعمل دون أن يتصدى لها أحد بل بمباركة من الأجهزة المعنية! هذه المباركة عن غفلة أم عن عمد؟ - عن خوف! ونفاق لهذه التيارات فى محاولة لكسب ودها ورضاها، لأن الحكومة لدينا تعمل جاهدة على إظهار نفسها فى صورة الحكومة التقية الورعة والعاشقة للإسلام، ظنا منها أنها ستصبح جماعة إخوان مسلمين أخرى!، هذا يحدث بالطبع فى إطار المنافسة بين الحزب الوطنى وبين التيارات الدينية فى الشارع، لكن الحقيقة أن الدولة بشكل عام سواء كانت الدولة فى مصر أو غيرها من المفروض أن تتصدى لكل ما هو مخالف للناموس العام ولا تترك هذه التيارات تعبث بمصائر الناس. ولكن أداء وسائل الإعلام تغير مؤخرا؟ - فى الأيام اللاحقة لهذا الحادث كنت خارج مصر وكان التليفزيون هو حلقة الوصل بينى وبين الوطن والغريب أننى فى هذه الأيام شاهدت أحلى ما فى القرآن الكريم عن الأقباط، وأعظم ما قيل فى الإسلام عن السيد المسيح ومريم العذراء عليهما السلام، وكان كل ما شاهدته عظيما جدا، ولكن بينى وبين نفسى سألت من الذى أخفى كل هذه الأشياء طوال السنوات السابقة عن عمد بينما كنا فى أمس الحاجة إليها على اعتبار أننا دولة يعيش فيها المسلم والمسيحى، وسألت نفسى أيضا كيف لا يقترب القانون من أى مواطن يقدم على الإساءة لأحد الدينين، والحقيقة أنه يجب معاقبة المسلم الذى يسىء للمسيحية وكذلك المسيحى الذى يسىء للإسلام بحسم وبقوة، ولكن ما حدث أن الدولة تركت للجميع الحبل على الغارب، فعمت الكراهية بين الناس وزادت خاصة أننا نعانى من مشكلة ثقافة، ويسيطر علينا الخطاب السلفى. وحيد حامد مع محرر روزاليوسف كيف نعانى من مشكلة ثقافة؟ - أنا أرى أن الثقافة تحمى الشعوب، والثقافة لم يعد لها وجود فى حياتنا الآن، ولو رصدت الحياة العامة ستجد أن الثقافة الأصولية هى التى تحكم المجتمع، وأنا لا أعرف ماذا يعنى أن يكون جرس التليفون المحمول عبارة عن آية قرآنية أو حديث أو دعاء، أنا أرى أن مثل هذه الرموز إهانة للدين نفسه كما أنها دلالة على انتشار روح التعصب، وبجانب الثقافة ستجد أيضا مشكلة التعليم لأنه من غير المعقول أن يكون لدينا فى مصر مدارس لا تقبل وجود الطلاب المسيحيين، هذه المدارس أصحابها من السلفيين ولا تقبل طلابا أقباطا، وحتى المناهج التى كانت يوما ما مقبولة ومعقولة وكانت فيها دعوة للمحبة والتآخى ولكنها الآن أصبحت تحمل دعوة للكراهية. هل هذه هى الأسباب فقط؟ - لا طبعا هناك أيضا الدعاة الدينيون غير المؤهلين الذين يصعدون فوق منابر المساجد والزوايا التى يؤمها عامة الناس ويمطرونهم بأشياء لا سند لها من الدين الإسلامى من قريب أو من بعيد، وهناك أيضا كما قلت لك النفاق والتمسح فى الدين لتحقيق مصالح معينة، وهذه كلها أمور قادت إلى ما نحن فيه. كيف تقيم أداء بعض الأقباط؟ - أنا أرى أن المطلب الأساسى الظاهر والملح عند الأقباط هو دائما حرية بناء الكنائس وأنا أختلف معهم فى هذه المسألة وأقول ليتهم يطالبون ببناء الإنسان بنفس الحرارة.. لأن بناء الإنسان أهم من بناء الجامع والكنيسة، وقبل أن نبنى دور عبادة لابد أن يكون لدينا إنسان سوى لديه إيمان بالوطن.. وأنا أقول أنه لو لم يوجد وطن فلن يوجد دين، ومع ذلك أنا ألتمس العذر لمن يغضب من الأقباط لأن الواقع لديك أن من يريد بناء مسجد يبنيه بدون تصريح حتى ولو كان مسجد (ضرار)، ومع ذلك لايستطيع أحد الاقتراب من هذا المسجد، وأحب أن أذكرك بأن المحليات فى الماضى أصدرت قرارا بإعفاء من يبنى مسجدا تحت منزله من العوائد، وأعتقد أن مثل هذا الأمر خطأ فى حق الدين لأن المسجد له شروط وطريقة بناء ويجب أن يكون بناؤه لوجه الله تعالى لا لأى هدف آخر، وأنا أقول أنه لابد من قبضة واعية، وقوية، وتقدر مصلحة الوطن. هناك يقين لدى الجميع أن الجناة من خارج مصر ومع ذلك الجميع يرصدون عوامل أدت للاحتقان.. هل هذه مفارقة؟ - لا أحد يستطيع أن يقول من الذى خطط ومن الذى نفذ سوى الأجهزة الأمنية، ولكن الثابت والأكيد أن هناك عناصر خارجية يهمها إحداث الفرقة فى مصر وإضعاف دورها القومى، ومدى تورط هذه القوى فى الحادث من عدمه تقرره الأجهزة المختصة وهذا لاينفى ذاك لأن لنا أعداء فى الخارج وفى الداخل ومن الممكن أن يحدث تعاون. جماعة الإخوان أدانت الحادث وشجبته.. ولكن هل ترى لوجودهم دور فى حال الاحتقان الموجودة ؟ - فى الوثائق التى كنت أراجعها أثناء كتابة «الجماعة» هناك واقعة مهمة جدا استوقفتنى حيث كانت هناك مدرسة قبطية متميزة للغاية فى محافظة قنا وهى تقبل الطلاب المسلمين والمسيحيين وعلم بشأنها حسن البنا رحمه الله، فذهب واستأجر منزلا قريبا منها، وأسس مدرسة أخرى، ولم يكن لديه مدرسون فاستعان بعناصر من الإخوان منهم محمود عبدالحليم وبدأ فى بث دعايات مضادة تجاه المدرسة القبطية، وأنا أسوق هذه الحادثة كنموذج لفكر الإخوان المسلمين، ولعلمك من الأشياء المستفزة للغاية أيضا الإصرار على بناء مسجد جديد بجوار كل كنيسة يتم بناؤها. يقال إن هذا تعبير عن الوحدة الوطنية! - لا.. هذا ليس تعبيرا عن الوحدة ولكنه استفزاز، لذلك قال فضيلة شيخ الأزهر إن هذا تضييق، لأن كل دين له طقوسه الخاصة، واسمح لى أن أقول إن سماع صوت الأذان داخل الكنيسة أمر لا يرحب به المسيحيون والعكس صحيح، وعدم ترحيب الكنيسة بوجود مسجد بجوارها لايعنى أن هناك عداء، ولكن اترك لى فرصة كى أمارس طقوسى الدينية بشكل سلس ولا تشوش علىّ، لأنه فى الحقيقة أنت لا يمكن أن تصلى وهناك من يصرخ بجانبك. تحدثنا فى «روز اليوسف» عن دور بعض المفكرين فى إذكاء الفتنة وأسمينا هذا النموذج بالمثقف الطائفى - ما تعليقك؟ - من الأشياء التى تشبه المسرحيات العبثية قصة السيدة (كاميليا)، وهى سيدة مصرية عادية اختلفت مع زوجها وتركت المنزل دون أن تخبره، وسواء أسلمت هذه السيدة أو لم تسلم أنا لا أعرف ما شأن هؤلاء الذين أدخلوا أنفسهم فى الموضوع، حتى لو كانت أسيرة أو محتجزة كما يقولون فهذه مسألة تخص الأجهزة المعنية، ولكن هناك مصالح ضخمة فى إثارة مثل هذه الموضوعات ويجب ألا أترك أصحاب هذه المصالح حتى يشعلوا نيران فتنة طائفية لا خلاص منها، والمفروض أن يتصدى كبار العلماء لحل هذه المسائل لا أن يتركوها لأصحاب المصالح والأغراض، ثم السؤال الآن هو هل تم اختصار الوطن فى السيدة كاميليا، وسواء أسلمت هذه السيدة أم لا فهل لإسلامها علاقة برغيف العيش وتدهور التعليم، وصحة المواطن وغياب النظافة عن الشوارع، مسألة كاميليا كان يجب أن يتصدى لها كبار العلماء ويحسموها، ولكن على الجانب الآخر عندما يظهر الأنبا بيشوى ويقول نحن أصل مصر والمسلمون ضيوف فهذا استفزاز لأن هذه قضية يمكن مناقشتها كقضية علمية إذا كان المجتمع متنورا، إنما لا تلقى بعود كبريت على قش ساخن ولا تنتظر الحريق! ما كنت أقصده أن هناك أناسا لهم جماهير مثل زغلول النجار الذى قال للناس إن وفاء قسطنطين قتلت.. ود. سليم العوا الذى قال إن الكنائس بها أسلحة.. ما تأثير هذا من وجهة نظرك ؟ - أنا أرى أن الذنب ليس ذنب هؤلاء الرجال، ولكن ذنب من سمح لهم أن يقولوا هذا، وأنا هنا لا أقول نصادر حرية الرأى، ولكن هذه أخبار، فمن قال إن السيدة وفاء ماتت أو أنها معتقلة، هذه قضية تختص بها جهات الأمن، وهى لاتخص الإسلام فى شىء وإضافة عنصر لملايين المسلمين لا يعنى أى شىء، ثم أنت لديك مسلمون مارقون وملحدون ومكتوب فى خانة البطاقة أنهم مسلمون والمعنى أن الإسلام والإيمان مسألة فى القلب، وبالنسبة للدكتور العوا أنا أقدره، وأقدر علمه ولكن الإعلام له سحر خفى، والكل يريد أن يكون له نصيب من هذا السحر. من الذى يتحمل المسئولية أكثر الإعلام.. أم التعليم.. أم رجال الدين؟ - المصائب لا تقسم بالعدل إنما كل هذه عوامل أدت إلى هذا الوضع. ما الذى يجب أن نفعله؟ - أول شىء هو القبضة القوية، قد تكون هذه القبضة للدولة، وقد تكون لرجال الدين المستنيرين، ولكن فى النهاية أنت محتاج لقبضة قوية تنهى عن الفحشاء والمنكر لأن التطرف منكر وفحشاء، هذه القبضة يجب أيضا أن تعيد للعقل المصرى اتزانه لأن الأفكار أصبحت مشوهة فى نفوس الناس، يعنى أنا سمعت أن الدولة كانت تعمل على تقوية الاتجاه السلفى ليواجه الإخوان المسلمين وأنا أسال: ألم يفكر أحد أن التيار السلفى أكثر خطورة من الإخوان؟! السلفيون لا يواجهون الحزب الوطنى فى الانتخابات؟ - الحزب الوطنى ليس الدولة، والمفروض أن يكون فى خدمة الدولة، أنا أسأل: هل تستطيع أن تعتبر أن إسرائيل ليست عدوا لمجرد أنها لا تحاربك حاليا؟! نفس الأمر والقياس مع الفارق، تيار لايحاربك ولكنه فى النهاية يشكل خطورة على مواطنيك، ودعنى أختصر لك الموضوع، وأقول لك مشكلة الدولة فى مصر إنها تريد أن تكون جماعة إخوان مسلمين ثانية، يريدون أن يكونوا بديلا للإخوان المسلمين، وأنا أقول ألا يكفينا ما حدث لنا من الإخوان حتى يأتى الحزب الوطنى ليكون بديلا لهم. ولكن فى السنوات الأخيرة تم تعديل الدستور لينص على أن مصر دولة مدنية تقوم على المواطنة؟ - العبرة ليست بالقوانين على الورق، ولكن بأن يتم تطبيقها. هل لديك أقوال أخرى؟ - هناك مثل قاله لى صديق وهو أننا لا نبنى الكوبرى إلا بعد أن تغرق المعدية، وهناك شىء خطير جدا وهو أننا سرعان ما ننسى، وأنا أحذر من آفة النسيان وأقول ماهى إلا أيام قلائل وتعود «ريما لعادتها القديمة». البعض يرى أن الحديث عن المطالب القبطية بعد الحادث خطأ وأن الاستجابة السريعة أيضا خطأ؟ - أنا أيضا أتحفظ على كثرة المطالب لأنك يجب أن تنال حقوقك فى مناخ عادى، ولكن المطالب القبطية ونحن نعيش المأساة بدت وكأنها تعويض، لأن حقك يجب أن تأخذه بشكل عادى جدا وليس عندما يقع عليك ضرر تقول حققوا لى ما أريد خاصة أن المطالب ليست لها علاقة بالحادث، وأنا أرى أن المطلب الأساسى الآن هو إعادة حالة الوفاق بين المسلم والمسيحى لأن حالة الوفاق هذه هى التى ستحقق كل المطالب.؟