إذا كنت قاهرياً ومن أهل حي السيدة أو من المترددين عليها فإنك بالتأكيد قد أكلت الفول ليلاً ذات يوم علي الرصيف عند محل «الجحش».. وانتشيت بهجة بأجواء الحياة في تلك الأماكن .. وربما غنيت «نار يا حبيبي نار.. فول بالزيت الحار».. ومن المؤكد كذلك أنك سمعت عن «بحه» وهو مسمط شهير بمنطقة الناصرية يقدم ما يسميه أولاد البلد من القاهريين «حلويات اللحوم» وهي الممبار والفشة والكرشة والعكاوي والكوارع.. وخصوصاً شوربة الكوارع.. ويقال إن المتزوجين يقدرونها تماماً ويسمونها «البهاريز».. والبعض الآخر يسميها «فياجرا» ويزعمون أنها «ترم» العظام وأن «سرها باتع».. ويقال كذلك إن الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق من محبي حلويات اللحوم وإنه من عشاق المومبار والشوربة خصوصاً من عند «بحه».. ووقت أن كان في منصبه الرفيع كانت تلك «الحلويات» تذهب إلي مكتبه مع«دليفري» مخصوص برفقة مندوب من حرسه الخاص يأتي لمسمط «بحه» بالناصرية بقائمة الطلبات.. ولكن يبدو أن السر الباتع لشوربة «البهاريز» وممبار «بحه» جاءت مع الدكتور عاطف عبيد بالعكس وعلي دماغ الشعب المصري فأنست رئيس وزراء مصر يمين القسم بالله العظيم علي الحفاظ علي مصالح الشعب وعلي احترام الدستور الذي كان ينص علي الحفاظ علي القطاع العام والحرص علي دعمه باعتباره القاطرة التي تقود عملية التنمية.. فجري خلال فترة تولي الدكتور عاطف عبيد منصب رئيس الوزراء أكبر عملية تصفية وبيع لشركات ومصانع القطاع العام وكان الساعد اليمني للدكتور عاطف عبيد في عمليات البيع والخصخصة الدكتور حسن خطاب وزير الدولة لقطاع الأعمال العام والذي يبدو أنه أيضاً كان من عشاق مسمط «بحه» ومحبيه.. ولم تقتصر الحكومة وقتها علي عمليات البيع والتصفية التي جرت بالمخالفة لنصوص الدستور وروحه - ولكن جري كذلك التصرف في أراض في سيناء من ممتلكات الدولة المصرية ذات وضع خاص وحساس.. حيث تبين بعد رحيل حكومة أصدقاء مسمط «بحه» ومحبيه أن رئيس الوزراء السابق الدكتور عاطف عبيد قد وافق علي بيع أراض بمنطقة طابا بسيناء القريبة من مدينة إيلات الإسرائيلية إلي رجل الأعمال وجيه سياج وبأسعار بخسة تقل عن مليون جنيه لمساحة 650 ألف متر مربع.. وأن عملية البيع جرت دون الرجوع للأجهزة الأمنية المعنية بالأمن الاستراتيجي للدولة أو استطلاع رأيها.. وأن وجيه سياج الذي يحمل إلي جانب الجنسية المصرية الجنسيتين اللبنانية والإيطالية والذي كان متعثراً مادياً ويعاني مشاكل نقص سيولة في تلك الفترة شرع إلي شراكة مع مستثمرين إسرائيليين من أجل توفير سيولة واستثمار تلك الأراضي.. وعندما أفاقت الحكومة من تأثير ممبار «بحه» وبهاريز شوربة الكوارع وحاولت تدارك الأمر - كان الأوان قد فات.. وبدلاً من الحوار والتفاهم مع رجل الأعمال وجيه سياج لاسترداد الأرض منه ودياً وأثنائه عن إدخال شركاء إسرائيليين في استثمار تلك الأرض عالجت الحكومة خطأها في اتخاذ القرار بحماقة في التعامل مع الموقف!.. فقامت بسحب الأرض من وجيه سياج ثم منحتها بيعاً إلي رجل أعمال آخر هو حسين سالم الذي يشار إليه بأنه أحد أصدقاء الرئيس مبارك وأحد كبار المستثمرين في المشروعات السياحية بسيناء وعلي طول خليج العقبة.. واعترف وزير السياحة وقتها ممدوح البلتاجي في تصريحات صحفية بعد تداعيات قضية سياج بأن التصرف في الأرض التي سحبت من سياج وأعطيت إلي سالم قد جري بناء علي «تعليمات عليا»، الأمر الذي دفع رجل الأعمال وجيه سياج للجوء إلي القضاء والتحكيم الدولي والذي حكم علي الحكومة المصرية بدفع تعويض.. وتقاضي وجيه سياج ما يعادل مبلغ 340 مليون جنيه تعويضاً من أموال الشعب المصري عن أرض دفع فيها أقل من مليون جنيه.. وجري كل ذلك بفعل وتأثير«ممبار بحه».. والسر الباتع «للبهاريز».. و«التعليمات العليا» التي تنزل علي رؤوس الوزراء فلا يملكون معها إلا الرد :«تمام يا أفندم»!!.. ولأنه لا يوجد في مصر برلمان ذات وزن وتأثير تخشاه الحكومة ويستطيع محاسبتها عن بلاويها وكوارثها وسحب الثقة منها - لم يسأل أحد الدكتور عاطف عبيد أو يحاسبه عن أخطاء وخطايا حكومته ولكنه كوفئ بعد خروجه من الحكومة بتولي منصب رئيس المصرف العربي الدولي براتب يزيد علي 250 ألف دولار شهرياً.. ثم تبين بعد خروجه أن مسلسل المصائب والكوارث الاقتصادية مستمر ودون توقف حيث جري التصرف بالبيع لمساحة 100 ألف فدان في أراضي مشروع توشكي لشركة المملكة التي يرأسها الأمير الوليد بن طلال بمبلغ 5 ملايين جنيه أي بسعر 50 جنيهاً فقط للفدان!!.. توشكي التي أنفقت الدولة علي مشروعها ما يقرب 9 مليارات جنيه مصري من أموال الشعب المصري تباع منها تلك المساحة الشاسعة من الأراضي المتاحة للاستغلال وبسعر 50 جنيهاً فقط للفدان - والمصيبة الكبري أنه لم يزرع منها منذ خمس سنوات وحتي الآن سوي ألف فدان فقط.. ؟!..لقد أثار هذا الأمر غضب الكثيرين من المصريين وجعل بعضهم يتساءلون: لماذا لم تُملَّك أراضي المشروع لشركات مصرية بنفس السعر ؟!.. ولماذا لم تُعط لأهل النوبة الذين عاشوا منذ عام 1971علي وعود المرحوم الدكتور محمود فوزي رئيس الوزراء الأسبق - والتي لم تنفذ - بتمليكهم الأراضي الواقعة علي صفاف بحيرة ناصر وفي وديانها وخلجانها الممتدة خلف السد العالي والبالغ مساحتها أكثر من ثلاثة ملايين من الأفدنة ؟!.. إن كارثة الأرض التي خُصصت لشركة المملكة أنها بيعت للأمير الوليد بن طلال الذي ينظر إليه كثيرون داخل الحكومة المصرية وعامة المصريين علي أنه «مركز قوي» لانتمائه للأسرة السعودية الحاكمة والذي تقول الشائعات إنه كان وراء إقالة الدكتور محمود أبو زيد وزير الري السابق من منصبه.. كما تخشي حكومة الدكتور نظيف من «بطحة» وجيه سياج التي لا تزال علي «رأسها» إذا ما حاولت سحب الأراضي المخصصة للأمير الوليد في مشروع توشكي واضطر الأمير للجوء إلي التحكيم الدولي - وقد قالها الأمير الوليد صراحة لرئيس حكومة مصر وفق ما نشرته «الدستور» صباح السبت الماضي.. فأي هوان أصبحنا فيه ؟!.. ومتي يتوقف مسلسل المصائب والكوارث التي ابتليت به مصر علي يد حكومات الحزب الوطني ورجالاتها من عشاق ومحبي ممبار وبهاريز «بحه».