أظن أنه لا مفر من أن يعلن فضيلة الدكتور أحمد الطيب - شيخ الأزهر الجديد - استقالته من حزب الحكومة فورًا ودون إبطاء، ولست أعتقد بوجود أي فتوي سياسية أو شرعية (مهما حشد المنافقون لتأسيسها مسوغات ومبررات كلامية فارغة) بمقدورها أن تيسر لفضيلته سبيلا للتملص والهرب من هذا الواجب الذي تحتمه المصداقية فضلا عن احترام أبسط مقتضيات ومستلزمات موقع روحي جليل علي رأس مؤسسة دينية عتيقة وعريقة (كانت حتي عهد قريب) تنهض بدور عقلي ووطني وإنساني وتتمتع بثقل معنوي هائل مازالت الأرواح والأفئدة تهفو لعودته. ولعله غير بعيد عن وعي وإدراك فضيلة الإمام الجديد أن دور ونفوذ الأزهر الشريف تراجعا وتضررا بشدة في السنين والعقود الأخيرة، وقد تجلي هذا التراجع المضر في مظاهر وظواهر عدة يستحيل إنكارها، ربما أقواها وأكثرها وضوحًا ذلك الفشل الذريع الذي آلت إليه كل المحاولات الخجولة لاستخدام منارته في بث شيء من الفكر الديني المستنير وسط ظلام التصحر العقلي والجفاف الروحي الذي يكاد يبتلع الصورة الراهنة للإسلام والمسلمين. والحقيقة أن المطلع علي أوضاعنا وظروفنا الكارثية الحالية، وكل من تابع بتجرد ونزاهة مقدمات ومجريات تفاقمها، لا يحتاج إلي ذكاء عظيم لكي يكتشف أن السبب الأقوي (وإن لم يكن الوحيد) الذي يقف خلف ما يعانيه الأزهر الشريف الآن من تآكل مؤسف في دوره وتأثيره ومصداقيته عند الناس، إنما يعود إلي انطباع ترسخ في الأذهان بأن تلك المؤسسة الروحية العريقة «تسيست» أكثر من اللازم أو المعقول حتي فقدت كل أثر لاستقلاليتها وصارت مجرد «آلة تبرير شرعي» للسياسات الحكومية تنتج الفتوي علي مقاس أهواء وتوجهات نخبة الحكم، ولو خالفت أو اصطدمت بمصالح ومشاعر أغلبية خلق الله في هذا الوطن. إن التصاق رجال الدين ومؤسساته بالسلطة (أي سلطة) عوار وعيب مؤكد لم يعد أحد في هذه الدنيا الواسعة يجادل فيه، فما بالك والسلطة التي بات أزهرنا العظيم متهمًا بمحاباتها والعمل علي خدمتها، هي علي ذلك القدر من السوء والعسف والتخلف والفساد المشهور والمعلوم بالضرورة. لقد قرأت بمزيج من الدهشة والحيرة تصريحًا نشرته صحيفة «الشروق» أمس منسوبًا للكاتب الإسلامي البارز الدكتور محمد عمارة قلل فيه من أهمية العلاقة الحميمة التي تربط فضيلة الإمام أحمد الطيب بالحكومة وحزبها، لكني توقفت بالذات أمام قوله متسائلا باستنكار: «وهل مهمة شيخ الأزهر أن يعارض الحكومة»؟! طبعًا ليس من شأن رأس الأزهر ولا من مهامه أن «يتخصص» في معارضة الحكومة، وهذا السؤال الاستنكاري في غير محله؛ لأن أحدًا لم يقل أو طالب بذلك أصلا.. ومع ذلك فمن غير المجدي محاولة تغيير الموضوع وحرف النقاش عن موضعه الحقيقي، وهو أن الإمام الأكبر لا يليق به ولا يناسب مقامه ولا يفيد حسن أداء مهامه أن يبقي جزءًا من قمة هرم السلطة وحزبها سيئ السمعة. يا فضيلة الإمام.. أرجوك لا تستمع لمن يهوِّنون الأمر العظيم عليك، وإنما استفت قلبك يا شيخ، واسمع لنداء ضميرك، وعد إلينا وإلي الحق وغادر حزب الحكومة.. الآن، الآن وليس غدًا.