من الأعراض الغريبة التي أصابت الناس في مصر مؤخراً ترديدهم لكلام عجيب لا أفهم له معني سواء في الإعلانات أم في بعض الأغنيات. وعندما تقوم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بترديد هذا الكلام وتُلح عليه بصفة دائمة فإنها تسرّع من انتشاره بين الناس، وتجعلهم يتعاملون معه علي أنه كلام عادي له معني! علي سبيل المثال نستمع طوال الوقت إلي إعلانات الإذاعة والتليفزيون التي تعلن عن سلعة أو خدمة، وفي نهاية كل إعلان تأتي هذه الجملة العجيبة: للحصول علي مزيد من المعلومات «اتصل علي» تليفون كذا. عندما استمعت الي جملة «اتصل علي» هذه للمرة الأولي فكرت أنها خطأ لن يتكرر بعد ذلك، لكن أدهشني أنها صارت تتكرر وتم اعتمادها. الغريب أن الناس في بلادنا من قديم الأزل كانت تعرف كيف تتصل بفلان ولم يحدث أبداً أن اتصلت عليه!. ومن المعروف كذلك أن البعض يزعم اتصاله بالجن والعفاريت، لكن أحداً لم يقل أبداً إنه يتصل عليهم!. وأنا في الحقيقة وبكل الصدق لا أعرف كيف يمكن للمرء أن يتصل علي إنسان آخر، فالناس يُتصل بهم ولا يتصل عليهم. من الممكن جداً أن تتعالي علي فلان، تتقدم عليه أو تتمرد عليه، كما يمكن أيضاً أن تتحامل عليه، تتدلل عليه أو حتي تجهل عليه كما قال الشاعر عمرو بن كلثوم «ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا بمعني (تتغابي عليه).. لكن تتصل عليه..كيف؟. طبعاً يمكن التحقق مما أقول بالعودة إلي مختار الصحاح أو المصباح المنير أو لسان العرب أو أي قاموس عربي والكشف عن الكلمة، ومن الممكن أيضاً أن تسأل أي إنسان لا يقبض فلوساً من روتانا أو إيه آر تي أو إم بي سي مقابل تمرير مصطلحات سخيفة ودسها علي لغة المصريين!. وفي نفس السياق نجد أغنية الفنانة إليسا تحمل المشكلة ذاتها حين تقول في غنوة مصرية يُفترض أن مؤلفها المصري يعرف كيف يتكلم أهله المصريون: «خُد بالك عليّا». لا أدري حقيقة كيف يمكن للحبيب المصري أن يأخذ باله عليها وهو الذي تعود طول عمره أن يأخذ باله منها!. وربما يقول قائل إن هذه التعبيرات هي كلمات خليجية شائعة وليس هناك ما يدعو لإظهار التعجب منها. ولصاحب هذا الرأي أقول: ليست عندي مشكلة في أن تكون الأغنية الخليجية باللهجة الخليجية لأن هذا هو الطبيعي، وأنا شخصياً أستمتع بعشرات الأغنيات الخليجية الجميلة، لكني أشعر بالاختناق عندما أري إعلاناً في التليفزيون المصري يقول: «اتصل علي» أو أغنية مصرية تقول «خد بالك عليّا». وإذا كان الأمر يتعلق بالتفاعل الطبيعي بين اللهجات العربية فأنا أول من يرحب باستعمال كلمات خليجية جميلة صحيحة لغوياً وأكثر تعبيراً من نظيرتها المصرية، لكن «اتصل علي» لا يمكن أن تكون ضمن هذا أبداً! ومع ذلك فهناك وجهة نظر أخري للموضوع ربما يفهمها البعض ولا أفهمها، وهي أن بعض شركات الاتصالات وفي إطار خدمات الجيل الثالث للمحمول أصبحت تقدم لعملائها هذه الخدمة الفريدة، فصارت تتيح للمشترك أن يتصل «علي الناس» بعد أن كان في خدمات الجيلين السابقين يتصل بهم فقط!.