هل يستطيع الإعلاميون والمثقفون الانتصار على النظام الذى فرض عليهم وزيرين تم تقفيلهما طبقا للمواصفات الإخوانية؟ كما توقعت احتفظ كل منهما بحقيبة الوزارة مجددا، الدولة الإخوانية تضع عينها على وزارتى توجيه الرأى العام «الثقافة» صابر عرب، و«الإعلام» صلاح عبد المقصود، وزير الإعلام يبدو أكثر وضوحا ومباشرة فى أخونة الإعلام، لكن عرب أشد خطورة، لدى كل منهما لحية على المخ. عبد المقصود لن يستطيع أن ينهض بالإعلام من عثرته، الأشهُر التى سبقت التجديد له التى أمضاها فى ماسبيرو تؤكد أنه ليس رجل إعلام ولكن رجل إخوان، استعان الوزير مؤخرا بشكرى أبو عميرة فى رئاسة التليفزيون وهو رجل مهنى ومخرج منوعات من الطراز الأول، إلا أنه لم يكن فى أى مرحلة من عمره صاحب وجهة نظر، من الممكن بالطبع أن ينفذ التعليمات حرفيا ولكنه لن يحقق رؤية، لن تتجاوز طموحاته سوى الاحتفاظ بالكرسى منفِّذا لما يريده الوزير، بينما الوزير لديه قصور إعلامى حتى فى أسلوبه المباشر لترويج الإخوان.
عبد المقصود يخطئ عندما يتكلم، وكثيرا ما يدلى بآراء تثير السخرية وتضع الدولة التى اختارته فى حرج بالغ، يخرج من حفرة ليتعثر فى دحديرة. إيقاع الزمن لا يساعد الدولة الإخوانية على حُسن الاختيار فهى تلهث وليس لديها كوادر، وهى تسارع فى الحصول على المتوفر بشرط مبدئى وهو الولاء، صلاح لديه الولاء والقناعة، كل خبرته السابقة فى الصحافة لم تتجاوز العمل فى جرائد إخوانية التوجه. يقولون (وأنا بالمناسبة أصدّقهم) إنه يحاسب على كوب الشاى وساندويتش الطعمية الذى يطلبه، وأنه قد تخلص من أكثر من عشر سيارات فاخرة تستخدم كمخصصات لمكتب الوزير، وتناقصت الميزانية إلى الحدود الدنيا على عكس الوزراء السابقين، والحقيقة أنه نظيف ماديًّا ولا تشوبه شائبة فى هذا الشأن، لكن هل الشرف ونظافة اليد تعنى أنه يصلح وزيرا للإعلام؟ إنه نظيف اليد ولكنه فى ما يتعلق بالشأن الإعلامى نظيف المخ، والدليل أنه لم يستطع أن يقدم طوال الأشهر الماضية ما يجذب المشاهد المصرى للشاشة الرسمية.
الوجه الآخر للعملة (بضم العين وفتحها أيضا) هو وزير الثقافة، إنه الأشد ضراوة لأنه يجيد اللعب مع الوسط، وخبرته فى الهيئة العامة للكتاب أتاحت له أن يعرف بالضبط كيف أن عديدًا من المثقفين ينتظرون نشر الرواية أو الديوان أو السفر فى رحلة على حساب الوزارة أو الحصول على منحة تفرغ. نجحت خطته فى تدجين جزء من الوسط الثقافى ليس فقط لأنه يمتلك الخبرة ولكن لأن عددا كبيرا من المثقفين فى بلدنا ينتظر دائما شىئًا ممن يملك القرار وهو يجيد ملاعبتهم، وهم يعرفون قواعد اللعبة. لا أتصور صابر عرب سوى أنه سيزيد الجرعة الإخوانية فى كل جنبات وزارة الثقافة من خلال تقييد الرقابة.
هل ستسمح الدولة بأن يُنتقد الإخوان أو الرئيس أو حتى التلميح بشىء من هذا، نعم من السهل جدا أن توافق على مسلسل مثل «المزرعة» الذى ينتقد العديد من رموز الفساد فى العهد البائد، ولا أجدها بطولة على الإطلاق أن يكتب سيناريست عن تلك الحقبة الزمنية وأن يشير تصريحا لا تلميحا فقط إلى جمال وعلاء وزكريا وعز وسوزان ومبارك والعادلى وصفوت، أنا حتى الآن لم أفهم كيف ننعت الرقيب الحالى بالشجاعة لأنه وافق على المسلسل وأن نَصِف الرقيب السابق بالجبن لأنه اعترض. الوزير ينفذ تعليمات السلطة الإخوانية المتحمسة، لذلك تمت الموافقة.
ما الذى يملكه الإعلاميون والمثقفون للمواجهة؟ الحقيقة أن فى أيديهم كثيرًا. راجعوا مثلا ماذا حدث فى ساقية الصاوى عندما نشطت الغدة الرقابية لدى صاحب الساقية فقرر الفنانون مقاطعة أنشطة الساقية وهددوا بوقفة احتجاجية فتراجع محمد الصاوى، مؤكدا أن مصادرة الرسوم الكاريكاتيرية التى تنتقد الإخوان لم يكن قراره، الكل يعلم أن الصاوى هو الذى منع وفى تاريخه وعلى مدى عشر سنوات من عمر الساقية العديد من القرارات القمعية المماثلة، ولكنه هذه المرة لم يتوقع حجم الغضب الذى ينتظره فتراجع.
نعم يملك الإعلاميون والمثقفون قرارهم لو اتحدوا لكنهم سوف يفكرون، أقصد بالطبع أغلبهم فى مصالحهم الصغيرة، وكل من عبد المقصود وعرب لن يجدا صعوبة فى كسب المعركة، أظن ذلك، وكم أتمنى أن يخيب ظنى.