عندما تمنع ساقية الصاوى نشر عدد من رسوم الكاريكاتير التى تنتقد رئيس الجمهورية والإخوان فإنك لا تستطيع أن تفصل هذا القرار عما يجرى من ملاحقة الإعلاميين والصحفيين الذين يسخرون بتعليقاتهم ورسومهم وبرامجهم من شبح الدولة الإخوانية، الساقية إحدى أذرع الدولة خارج الصندوق الرسمى فى السيطرة على الحياة الثقافية والإعلامية. إنها معركة ضارية نشاهد الآن فقط بدايتها، السلطة تملك ولا شك أسلحة، وكلما أصبح فى يدها واحد تبحث عن الآخر. النظام الحاكم وضع الإعلام فى مرمى النيران وصار هو لوحة التنشين، ولهذا سنلاحظ قريبا أن عددًا من الفضائيات التى كانت تنشد الحرية وتصل إلى آخر الخط فى الهجوم سوف يبدأ فى تخفيض السقف.
ليس لدىّ ثقة بأغلب أصحاب هذه القنوات، فلقد كانوا من صنيعة عهد مبارك وكثيرا ما لعبوا لصالحه، ولو تتبعنا بالضبط فى دراسة تحليلية ما الذى فعلوه خلال أيام الثورة وقنوات تواصلهم مع أجهزة أمن الدولة بل وتلقيهم تعليمات مباشرة من قصر الرئيس ووزير الإعلام تستطيع أن تدرك إلى أى مدى عشنا فى أكذوبة ولا نزال نعيش توابعها.
كان مبارك فى يده سلطات وصلاحيات مطلقة، عندما تمّت الموافقة على الفضاء الخاص، لم يكن الاختيار عشوائيًّا بل كان لا بد من توفر شرط الولاء ويا حبذا لو كان مرفقًا به أيضًا شرط التورط فى مشاريع مع النظام الحاكم تجعل صاحب القناة لا يدافع فقط عن النظام ولكنه بالدرجة الأولى يدافع عن بقائه وحياته.
تقليم الأظافر وتهذيب أصوات المعترضين هى خطة للدولة ولكنها لا تزال تبحث عن الرجال المناسبين لتحقيق ذلك، هم يختارون المتوفر الآن.
الدولة الإخوانية كانت تضع مثلًا محمد عبد المنعم الصاوى باعتباره واحدًا من أخلص التلاميذ الذين من الممكن الاستعانة بهم وقراره بالحذف والمصادرة للرسوم هو عربون صداقة لإثبات أنه لا يزال على الخط.
الصاوى لديه ثأر قديم مع المثقفين الذين أبعدوه مرتين عن منصب وزير الثقافة، الأولى جاءت فى أعقاب الثورة مباشرة عندما لم يمكث على الكرسى سوى عشرة أيام وأجبروا الدولة وقتها على تغييره وإسناد الوزارة إلى د.عماد أبو غازى، الثانية كانت فى التعديل الوزارى قبل الأخير عندما استقبله بالفعل رئيس الوزراء بعدها كان يرقص وهو يردد «ما أحلى الرجوع إليها»، ولكن ازدادت مساحات الرفض فاضطُرّت الدولة إلى استبعاده. صحيح أن البديل صابر عرب جاء سيئًا، ولكن هذه قضية أخرى.
الصاوى لا يزال حتى الآن يحلم بأن الدولة فى مرحلة لاحقة سوف تستطيع فرضه للمرة الثالثة على الحياة الثقافية، فهو لم ينسَ كل من تظاهر ضده وتَوَعَّدهم بالانتقام، بل وقال بالحرف الواحد فى مقال ب«المصرى اليوم» إن لديه أوراقًا يدين بها كل من تآمر لإقصائه، وإنه يعرف الكثير عنهم، مؤكدًا أنه سيكشف أوراقهم جميعًا، وهكذا أوضح الرجل أنه خلال عشرة أيام فقط قضاها وزيرًا كان مشغولًا بتصوير مستندات ضد عدد من كبار موظفيه وأيضًا من المتعاملين مع الوزارة من الخارج وأنه لن ينسى أبدًا ثأره القديم ممن أدخلوه الموسوعة باعتباره أقل الوزراء سنًّا فى تاريخ المحروسة.
هذا المقال وحده الذى لا يمكن أن ينكره الصاوى كان يكفى لاستبعاده من الترشح لأنه من الناحية القانونية يقع فى إطار استغلال المنصب العامّ لتحقيق أهداف شخصية.
الصاوى تكشف دائمًا ممارساته فى ساقية الصاوى عن عقلية رقيب لا ينام لا يكفّ عن مطالبته بالمنع. إذا كان منهج المصادرة وهو خارج المظلة الرسمية للدولة هو دستوره الدائم، فما الذى تنتظرونه عندما يصبح هو المسؤول الرسمى عن الثقافة؟
كثيرًا ما كان يلجأ قبل الثورة إلى إقصاء العديد الأفلام والمسرحيات من العرض فى الساقية بحجة أنها تتجاوز فى الحرية. تركيبته الشخصية المحافِظة بطبعها هى التى تدفعه إلى الصفوف الأولى لهذا العهد الذى يناصب بطبعه الحرية العداء.
إنها معركة متعددة الأسلحة داخل وخارج الصندوق الرسمى، وعلينا أن نتحسب أن الدولة ستزداد شراسة، ولكن نضع فى كفة الميزان أيضًا أن الإبداع لن يموت.
مَن الذى صنع ساقية الصاوى؟ إنهم المثقفون الذين اختاروها مكانا دائما للعروض والندوات، وهؤلاء لو أعلنوا تضامنهم مع الفنانين الذين أبعدهم الصاوى وقرروا مقاطعة أنشطة الساقية، فى هذه الحالة فقط نستطيع أن نمنع الأيدى التى تحاول خنق الحرية.