قبل أن ينتهى العام كانت هناك احتفالية بعيد ميلاد سيدة الغناء العربى أم كلثوم، لا أحد يستطيع أن يحدد على وجه الدقة العام الذى ولدت فيه كوكب الشرق بينما اليوم لا خلاف عليه فهو 30 ديسمبر. البعض يقول إنها مولودة عام 1904، وبين المؤرخين مَن يؤكد أنها اختصرت ست سنوات وهناك مَن يزيد سنوات الاختصار إلى عشر. إنها كذبة بيضاء، حيث إن أم كلثوم كانت حريصة طوال حياتها على أن تحيل تاريخ ميلادها إلى سر أشبه بالأسرار العسكرية، بل أكثر من ذلك، لأن السر الحربى بعد مرور 50 عامًا تسقط عنه دواعى السرية، بينما عام ميلاد أم كلثوم لا يزال محتفظًا بسريته.
لو رجعت إلى شهادات ميلاد أغلب النجوم وقارنتها بالحقيقة التى من الممكن أن تراها من خلال الأعمال الفنية التى تعتبر بمثابة توثيق لحياة الفنان، سوف تكتشف أنهم يختصرون العديد من الأعوام. فى آخر جواز سفر لأم كلثوم مكتوب أنها من مواليد 1908 والذى أذاع هذه المعلومة هو الدكتور مصطفى الفقى، قال إنه فى أثناء تولى السادات الحكم زارت أم كلثوم مدريد فى رحلة علاجية، فكان هو فى استقبالها بحكم عمله فى السفارة المصرية، واستطاع الاطلاع على جواز سفرها وهو يتولَّى مهمة إنجاز تأشيرة دخولها الأراضى الإسبانية.
ومن الممكن بالطبع التعامل ببساطة مع هذا النوع من الكذب الذى يعتبره البعض يقع تحت طائلة قانون كذب اللون الأبيض.. إلا أن هناك بعض الأكاذيب تؤثر بلا شك على التقييم التاريخى لحياة الفنان.. أتذكر مثلًا أن عبد الحليم حافظ طوال حياته وفى التسجيل الذى تحتفظ به الإذاعة المصرية بصوته ويروى فيه قصة حياته لم يذكر أبدًا أنه دخل الملجأ وهو طفل، وأنه انتقل إلى القاهرة بعد أن كسرت ذراعه فذهب إلى شقيقه الأكبر إسماعيل شبانة بالقاهرة للعلاج، وأيضًا لتوفير الرعاية الفنية له.. عبد الحليم يقدم حكاية أخرى مسجلة بصوته، وهى أن محمد عبد الوهاب كان فى زيارة إلى قريتهم «الحلوات» بمحافظة الشرقية لإحياء فرح هناك، وأنه صعد فوق سطوح أحد البيوت وبسبب اندماجه فى متابعة عبد الوهاب سقط وكسرت ذراعه فذهب إلى القاهرة.. شاهد الإثبات على واقعة سقوط عبد الحليم من سرير الملجأ هو الشاعر أحمد فؤاد نجم، الذى كان زميلًا لعبد الحليم. وكان الموسيقار كمال الطويل يشير إلى أن عبد الحليم لم يرحب كثيرًا باللقاء الفنى مع نجم رغم حماس الطويل لهذا اللقاء، ربما لم يكن حليم يريد أن يذكره أحد بأيام الملجأ، بالطبع فإن كل الأعمال الفنية التى تناولت حياة عبد الحليم بعد ذلك لم تغفل أبدًا سنوات الملجأ.
عبد الحليم كان يعترف بتاريخ ميلاده 1929 بينما عبد الوهاب كثيرًا ما كان يغير فى التاريخ، حتى إنه فى آخر وثيقة له عندما تم إعداد رسالة دكتوراه عن حياته قال إنه مواليد 1914 مختصرًا على أقل تقدير 13 عامًا. عبد الوهاب لم يكن يخشى فقط من الإفصاح عن عمره الحقيقى، ولكن كان يخشى أن يبوح بخوفه من ركوب الطائرات.
مثلا عندما طلب منه الرئيس جمال عبد الناصر أن يشارك فى عام 1958 بإحياء حفل فى دمشق للاحتفال بالوحدة بين مصر وسوريا، كان ينبغى أن يسافر بالطائرة وعبد الوهاب حتى ذلك العام كانت لديه «فوبيا» الخوف الشديد من الطائرات، وكان يسافر فقط بالباخرة، فلم يستطع أن يخبر عبد الناصر بتلك الهواجس، ولكنه ادّعى إصابته ببرد شديد ووضع يده على قربة ماء ساخن لخداع مندوب الرئاسة، ليتأكد أن درجة حرارته مرتفعة، ولكن أحد المقربين من عبد الناصر وهو كبير الياوران وقتها صلاح الشاهد، كانت لديه صداقات بالوسط الفنى ويعرف حكاية «الفوبيا»، فهمس لعبد الناصر بأن عبد الوهاب يتمارض فأصدر عبد الناصر أوامره بسفر عبد الوهاب بالطائرة، والغريب أنه بعد أن استقل عبد الوهاب الطائرة ووصل إلى دمشق وقبل موعد الحفل بساعات قليلة أصيب بالفعل بارتفاع مفاجئ فى درجة الحرارة حال دون غنائه فى دمشق!!
نعم كان الكبار لديهم أيضًا أكاذيبهم، ولكنك من الممكن أن ترى أن أغلبها ناصعة البياض، أما نجوم هذه الأيام، فإن أكاذيبهم متعددة الألوان ولا علاقة لها باللون الأبيض، ولكن هذه قصة أخرى!!