وزير التموين: لا زيادة في دعم السلع التموينية العام المالي الجديد.. التضخم لم يرحم أحدًا    حزب الله اللبناني يكشف عن عملياته ضد الجيش الإسرائيلي عند الحدود الجنوبية    أتمني انضمام زيزو للأهلي وحزنت لرحيل عبدالله السعيد.. أبرز تصريحات عمرو السولية مع إبراهيم فايق    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    وفاة طفل غرقاً في حمام سباحة مدرسة خاصة بكفر الزيات    "الحوثيون" يعلنون استهداف مدمرة أمريكية وحاملة طائرات    إنجاز صيني في الفضاء، هبوط مسبار على الجانب البعيد للقمر بعد شهر على إطلاقه (فيديو)    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    تعرف عليها.. وزارة العمل تعلن عن وظائف متاحة في الإمارات    وسام أبو علي يتحدث عن.. عرض أوتريخت.. التعلم من موديست.. وغضب كولر    عمرو أديب يعلق صورة محمد صلاح مع حسام حسن (فيديو)    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    بشرى سارة للمواطنين.. زيادة الدعم المقدم للمواطن على بطاقة التموين    برقم الجلوس.. الحصول على نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة الدقهلية 2024    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    تطورات جديدة بشأن أزمة فك قيد نادي الزمالك    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    وزير التموين: أنا مقتنع أن كيس السكر اللي ب12 جنيه لازم يبقى ب18    القسام تكشف تفاصيل جديدة عن "كمين جباليا" وتنشر صورة لجثة جندي دعت الاحتلال للكشف عن هويته    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    «أمن الجيزة» يحبط ترويج كمية كبيرة من مخدر «الكبتاجون» في 6 أكتوبر (خاص)    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد السيد النجار: «الصكوك الإسلامية» ستؤدى لخصخصة المرافق العامة ومنها قناة السويس
نشر في الدستور الأصلي يوم 03 - 01 - 2013


أجرى الحوار: مصطفى بسيونى

يدافع الإخوان المسلمون ومعهم رئيسهم الدكتور محمد مرسى عن أنفسهم بأنهم ورثوا تركة ضخمًا، إرثًا من الدين الداخلى والخارجى، ويصدّعوننا فى كل يوم جديد بضرورة إعطائهم فرصة، وهذا المنطق فاسد بالقطع لأنهم جاؤوا مؤكدين أنهم يمتلكون برنامجًا اقتصاديًّا، و«اللهو الخفى» لم يمنعهم بكل تأكيد من تطبيقه، وعليهم أن يكفُّوا عن تصدعينا بهذا الأمر.

فى الجزء الثانى من حوار الخبير الاقتصادى أحمد السيد النجار مع «الدستور الأصلي» يواصل تحليل ما يجنيه المجتمع المصرى من الطريقة التى يدير بها الإخوان الاقتصاد المصرى، وأيضًا تصاعد الأطروحات حول الاقتصاد الإسلامى بديلًا منذ صعود التيار الإسلامى ليحتل صدارة المشهد، مؤكدًا أن مرسى سيجنى ثمار ما يقوم به خلال فترة وجيزة، وأن ثورة إجتمكاعية تقودها الطبقة العاملة والفلاحون والمهنيون قادمة فى الطريق للإطاحة به.

■ هل ترى أن ما يسمى «الاقتصاد الإسلامى» يطرح حلولا جادة لمشكلات الاقتصاد المصرى؟
- عندما يُبنَى الاقتصاد على قواعد الكفاءة والنزاهة والشفافية والعدالة ويكون قادرًا على تحقيق التنمية والتطور والتصنيع ورفع إنتاجية العمل ورأس المال من خلال العلم وإنتاج التقنيات الجديدة وتطوير الأساليب الإدارية، وعندما يكون قادرا على تشغيل العاطلين ومكافحة الفقر والفساد، فإن أى مسلم أو مسيحى سيجده نموذجا مطابقا للمبادئ السامية التى نادى بهدا الدين الإسلامى أو الدين المسيحى وحتى الأديان البدائية التى كانت تعكس حكمة البشر وخبراتهم الأخلاقية التى تنطوى هى الأخرى بلا شك على ميراث حضارى وأخلاقى عظيم، دون أن يحتاج الأمر إلى وضع لافتة دينية على الاقتصاد. والكفاءة تعنى حسن تخصيص وإدارة الموارد والأصول العامة والخاصة واستبعاد أى محسوبية فى التوظيف وتولى المناصب القيادية، والنزاهة والشفافية تعنيان إدارة المال العام بشكل شفاف ونزيه ومضمون برقابة صارمة على التصرفات فى المال العام وعلى الذمة المالية لموظفى العموم من قِبل أجهزة رقابية مستقلة، والعدالة تعنى وجود نظم للأجور والضرائب والدعم السلعى ودعم الخدمات الصحية والتعليمية والتحويلات الاجتماعية تضمن فى مجموعها تحقيق توزيع عادل للدخل بالإضافة إلى ما تعنيه من المساواة أمام القانون بين المواطنين من الرئيس إلى أصغر شخص، والعدالة فى الفرص المتاحة للتعليم والرعاية الصحية والعمل والترقى والحراك الاجتماعى.

لكن إذا كان وضع عنوان الصكوك الإسلامية أو الصيرفة الإسلامية يريح البعض نفسيا، فلا ضير من استخدامه فى معاملات بعض البنوك والمؤسسات المالية.

ومنذ صعود التيار الإسلامى ليحتل صدارة المشهد البرلمانى فى مصر، تصاعدت الأطروحات حول الاقتصاد الإسلامى بديلا للنموذجين الاقتصاديين الرئيسيين: الرأسمالى والاشتراكى، بكل الأنماط الفرعية لكل منهما. وكان نفس الجدل قد تصاعد خلال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المتواصلة منذ عام 2008.

■ ولكن ما المقصود بالتحديد من «الاقتصاد الإسلامى»؟

- ليس هناك شىء يمكن تسميته بضمير مستريح بالاقتصاد الإسلامى أو المسيحى أو اليهودى أو الهندوسى أو البوذى، فكل الديانات السماوية والوضعية ظهرت فى مجتمعات بدائية تتسم اقتصاداتها بأنها اقتصادات طبيعية قائمة على الاكتفاء الذاتى، أى اقتصادات ما قبل الرأسمالية التى يبدأ اقتصاد التبادل بها، ومن ثَم فإن مشكلات الاقتصاد الراهن بكل تعقيداته وتشابكاته لم تكن موجودة أصلا ومن ثَم لم يطرح لها حل أو علاج أو سياسات للتوجيه فى تلك الديانات، وإنما توجد مبادئ أخلاقية عامة تتركز حول رفض الربا الجائر على المنتجين والتجار، وتأكيد أنماط المشاركة فى التجارة والزراعة السائدة فى تلك المجتمعات ما قبل الرأسمالية.

أما القول بأن المرابحة أو المشاركة هى الحل وهى البديل لسعر الفائدة فى النظام المصرفى الذى يرونه «ربويا»، فإنه قول مردود عليه من الناحية النظرية ومن واقع الخبرة التاريخية، فالفائدة هى محفز الادخار ولن تتحول الأموال المكتنزة عديمة الفاعلية إلى مدخرات يمكن توظيفها فى تمويل الاستثمار والنهوض الاقتصادى من دون هذه الفائدة. ومعدل الفائدة يتغير تبعا لحالة الاقتصاد ومعدل الربح فيه، بما ينفى عنها صفة الثبات القديمة التى يستند إليها البعض فى وصفها بالربوية.

كما أن الجهاز المصرفى المراقب من البنك المركزى ومن الدولة، ظهر تاريخيا فى مواجهة الربا بما كان ينطوى عليه من أسعار فائدة قاتلة للمنتجين والتجار، بصورة كانت تحول فائض القيمة الذى تم تحقيقه فى النشاط الاقتصادى إلى المرابى، بما يقيد النشاط الاقتصادى ويجعل اقتصاد التبادل يدور فى حلقة من البطء والركود الطويل الأجل، ليبقى الاقتصاد الطبيعى البطىء الحركة والقائم على الاكتفاء الذاتى هو الحاكم لحركة الاقتصاد لأزمان طويلة. أما النظام المصرفى فقد جاء ليحدد أسعار فائدة معتدلة لا تلتهم جهد المنتج أو التاجر، بل تساعد على تنشيط أعماله. وعندما تدنى معدل الربح فى الاقتصاد بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وصل سعر الفائدة إلى 0.25% فى الولايات المتحدة، ووصل إلى صفر فى اليابان، ومن ثَم فإن ارتباط سعر الفائدة بمعدل الربح من توظيفات الأموال المودعة فى البنوك، المرتبط بدوره بمعدل الربح فى الاقتصاد عموما، هو أمر ينفى صفة الربوية عن أعمال الجهاز المصرفى الذى يعمل بهذه الطريقة. وإن كان من الضرورى أن تكون هناك مراقبة صارمة لعمل الجهاز المصرفى حتى تتطابق أعماله مع هذه القاعدة وحتى لا يتفشى الفساد فيه.

وللعلم فإن البنوك الغربية توجد بها صناديق استثمارية تقوم على أساس المشاركة بين البنك والمودع المستثمر فى تلك الصناديق، ومنها صناديق محدودة المخاطر تعطى حدا أدنى من الربح بغض النظر عن نتائج توظيف الأموال، وصناديق عادية تقوم على المشاركة فى الربح والخسارة بصورة كاملة، وذلك منذ قرنين من الزمان، قبل أن يتحدث أى أحد عن بنوك إسلامية أو شركات توظيف أموال إسلامية، وتوجد صناديق مناظرة فى الكثير من البنوك التجارية والمؤسسات المالية المصرية والعربية.

وعلى الصعيد النظرى فإن كلا من نظامَى المرابحة والمشاركة يضع المودع تحت رحمة الشركة أو البنك الدينى ومدى أمانته فى تحديد نتيجة أعماله، فيمكن أن يربح كثيرا ويزيف نتائج أعماله ليقول إنه لم يحقق ربحا أو حتى مُنِىَ بخسائر حتى يدفع أرباحا قليلة للمودعين أو يحمّلهم بخسائر ولا يدفع ضرائب للدولة. ويمكن أن يستخدم الأموال فى توظيفات عالية الخطورة ويقامر بأموال المودعين فيقدم لهم أرباحا عالية بعض الوقت لإغراء مزيد من المودعين بالإيداع لديه، لكنه يمكن أن ينهار ويوقع بالمودعين خسائر هائلة تلتهم أصول ودائعهم كلية. كذلك فإن الصفة الدينية لشركة توظيف الأموال أو للبنك الدينى، تشكل ابتزازا مسبقا يضعف أى عملية للمراقبة أو المساءلة، حيث تكون المرجعية للبنك أو لشركة توظيف الأموال هى تصوراتها حول الدين وتجلياته الاقتصادية وليس القانون، أو حتى الدين نفسه وفقا لأى جهة دينية محايدة، بما يتيح لشركة توظيف الأموال الدينية أو للبنك الدينى التورط فى بعض النشاطات الطفيلية غير المنتجة، أو حتى التورط فى تمويل نشاطات غير مشروعة وخارجة على القانون. وعلى الصعيد العملى فإن شركات توظيف الأموال والبنوك الدينية فى مصر فعلت كل هذه الخطايا، وتمكنت من الاستمرار لعدة سنوات فى ظل تغاضى الدولة والإدارة الاقتصادية والمصرفية عما تفعله، وتورط بعض الرموز السياسية الفاسدة وبعض الرموز الدينية المنتفعة فى دعمها.

■ فى هذا السياق، كيف ترى مشروع الصكوك الإسلامية؟

- هذا مثال على المضمون الحقيقى لإجراءات وقرارات ومشاريع اقتصادية يضاف إليها كلمة «إسلامى». فرغم أن مشروع قانون الصكوك يركز على استخدامها فى تمويل المشروعات للمصريين والأجانب، فإن الحكومة مصرة على استخدام الصكوك فى تمويل عجز الموازنة، ومحاولة توفيق ذلك مع طبيعة الصكوك، بالقول إنه سيتمّ ربطها بمشروعات ومرافق عامة مملوكة للدولة بما يعنى عودة خصخصة الشركات والمرافق العامة فعليا إذا سمح لهم الشعب بتمرير هذا الأمر الذى قد يمتد لمرفق استراتيجى دفعت مصر الدماء والأموال من أجله مثل قناة السويس. والغريب أن مشروع الصكوك يعطى لغير المصريين من عرب وأجانب، حق جمع الأموال من المصريين عبر الصكوك لتمويل استثماراتهم فى مصر.. أى أن المستثمرين الأجانب لن يضخوا الأموال والاستثمارات لمصر، بل سيحصلون على أموال المصريين لتمويل استثماراتهم أو للهرب بها من بعض المغامرين، وفى كل الأحوال فإن أى مستثمر غير مصرى عليه أن يأتى بأمواله أو ليبتعد عن مصر وأموال شعبها، ولترحمنا حكومة د.مرسى من استغلال الدين لتمرير اقتراضها عبر الصكوك، وسوف تكبل به الحكومات والأجيال المقبلة، والسؤال هو: ما الإسلامى فى هذا المشروع على وجه التحديد؟ لا شىء.

■ دائمًا ما يدافع قادة الإخوان المسلمين أصحاب «الأغلبية» بأنهم ورثوا تركة مثقلة ويطلبون فرصة، بالإضافة إلى اتهامهم للمعارضة بأنهم يعرقلون مشاريعهم الإصلاحية، ما رأيك فى ذلك؟

- فى الحقيقة هذا المنطق فاسد لا علاقة له بالواقع، بمعنى أنه إذا كنت ترغب فى تغييرات وتمتلك برنامجا مختلفا عما كان موجودا، باعتبار أن الإخوان قدموا إلى السلطة عبر صناديق تصويت المفترض أنها نزيهة، وتقول إنك غير قادر على تطبيقه، يصبح السؤال هنا: هل بدأت أى خطوة فى تطبيق البرنامج وأعاقه أحد؟ لم يحدث. هل بدأت وضع نظام أجور جديد على الرغم من أن هذا الأمر لا يحتاج إلا إلى جرّة قلم عبر وضع حد أدنى وحد أقصى؟ لم يحدث. ولكن على العكس من ذلك، فحتى فى الدستور أضاف مادة للأجور هى المادة «14» قال فيها «يُستثنى من الحد الأقصى بقانون»، بمعنى أنه فتح الباب للاستثناء مثله فى ذلك مثل النظام القديم، وهنا تكتشف أن الإخوان لم يتخذوا أى إجراءات تعطى للمجتمع ولا للمعارضة أى إشارة بأنهم يغيرون فى اتجاه التنمية أو العدالة الاجتماعية، بمعنى آخر، هذا الأمر لا تعوقه قوى سياسية أو مجتمعية، على العكس تمامًا فهو كان يستطيع أن ينهى الإضرابات لو وضع حدًّا أقصى للأجر.

وبالنظر إلى مشكلة وزارة الصحة على سبيل المثال، فإن مخصصات الأجور بها 13.4 مليار جنيه، ووفقًا للدكتورة منى مينا فالوزارة بها 227 ألف موظف، يتراوحون بين طبيب وممرض وعامل، وهذا يعنى أن أجر الواحد منهم سيبلغ 5 آلاف جنيه من المبلغ الإجمالى، 13.4 مليارًا.

ولو وُضع حد أدنى لأجر العامل 1200 جنيه شهريًّا فإن 13.4 مليار تكفى للوفاء بمطالب الأطباء. فقط ستزيل الرواتب المرتفعة لو تم تطبيق الحد الأقصى.

من ثَم إذا نظرنا إلى كل ما سبق خصوصًا فى ما يتعلق بدعم الصناعات الاحتكارية كثيفة الطاقة ومنها صناعات الأسمدة التى تحقق أرباحًا هائلة على الرغم من أنه يتم تسعير الغاز لها بسدس سعر الغاز فى السوق العالمية، فى الحقيقة كان يمكن وقف هذه الإضرابات فى الحال واكتساب هذه الحكومة شعبية لو تم تطبيق إجراءات لها علاقة بالعدالة الاجتماعية، لأن هذه ثورة اجتماعية. فى الحقيقة المواطنون لهم حقوق ولا تستطيع أن تحرمهم منها.

■ ما رأيك فى معالجة الدستور للشق الاقتصادى والاجتماعى؟

- فى الحقيقة أن هذا الدستور الذى أُقِرَّ فى عملية شابتها مخالفات جسيمة وتزوير فظ تم وضعه من خلال لجنة تأسيسية مُنعت المحكمة الدستورية من قول كلمتها بشأنها بفعل إرهاب القوى والتيارات المتشددة التى ترفع «لافتات باسم الدين» وأيضًا من خلال الرئيس نفسه الذى شنّ حملة عدوانية تجاه المحكمة الدستورية، هذا الدستور بالإضافة إلى كل ما أحاط عملية صناعته يتضمن سحقا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، ففى المادة 14 تتحدد هوية الاقتصاد، ولكن مع الأسف ظهر بلا هوية، فليس لدور الدولة فى الاستثمار أى إشارة، لا الزراعى ولا الصناعى ولا الخدمى، ليس أكثر من ديباجة عامة تبدو لطيفة جدًّا ولكنها لا تعنى أى شىء ولكن الدولة الغائبة عن الاستثمار لا يمكنها أن توفر فرص عمل ولكن يمكنها أن تتوسل للقطاع الخاص لإيجاد هذه الفرص ومن ثَم فالحق فى العمل يظل فى الحقيقة مرهونًا بأن تكون هناك استثمارات خاصة أو لا تكون. ومن ثَم الحديث مطّاط جدًّا وتغيب عنه فكرة الالتزام، وهنا حق العمل غائب بوضوح وأستطيع أن أقولها بثقة وبضمير مستريح، إن حق العمل والعامل غائب والبطالة مرتفعة بسبب خروج الدولة من مهماتها فى النشاط الاقتصادى المباشر.

ثانيًا المادة «14» ذاتها تجد أنها تفتح الباب كما ذكرت للاستثناء فى الحد الأقصى، أما فى المواد الخاصة بالفلاحين «15» و«16» و«19» و«66» و«236»، فى المادة 15 تجد أنها لم تنص على وضع حد للملكية الزراعية. بعض الناس يتصور أن الحد الأقصى للملكية الزراعية إجراء اشتراكى، وهذا جهل، لأن الاشتراكية تعمل على تأميم الأرض، ولكن وضع حد أقصى هو إبداع رأسمالى لإتاحة ملكية الأراضى لكل الفلاحين، وقد اخترقه مبارك فى الدستور القديم، وفى العهد الملكى وُضع قانون لمنع ملكية الأراضى الزراعية لغير المصريين نهائيًّا، وجاء قانون عام 1951، وفى 1913 وُضع قانون اسمه «الخمسة أفدنة» بعد اكتشاف أن بعض البنوك والأجانب أصبحت لديهم ملكية أراضٍ ضخمة فى مصر، نصّ حينها على أن أى شخص مقترض ويمتلك خمسة أفدنة أو أقل حتى لو لم يستطِع السداد، لا يمكن للبنوك الحجز على أرضه «بنَصّ يمنع الحجز على الأرض بالنسبة إلى المقترضين المتعسرين». هنا تجد أنه لا إتاحة للأراضى رغم أنه يوجد بمصر ثلاثة ملايين فلاح مُعدَم لا يملك أرضًا، وهذا الدستور يؤكد ما أقره مبارك من أنه لا ملكية للفلاح، وستظل تمنح الأرض بالآلاف وعشرات الأفدنة للأثرياء ورجال الأعمال بمبدأ غير متكافئ.

■ الكل بدأ يتحدث عن التراجع الشديد للاقتصاد وعن انخفاض التصنيف الائتمانى لمصر وتراجع الجنيه أمام العملات الأخرى واحتمالات الإفلاس.. هل تعتقد أنها ازمة فعلا أم فزَّاعة؟

- فى رأيى أن هناك أزمة حقيقية، وتُستخدم بنفس الطريقة لإرعاب المجتمع ووضعه تحت تأثير الذعر من الخراب، ومسألة تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر، مرتبطة بحجم الاحتياطى الموجود لدى مصر الذى صار بالفعل قابلا للاستنزاف خلال فترة قصيرة جدا، بمعنى أن الاحتياطى وصل إلى 15 مليارا على الرغم من كل الودائع وعمليات الاقتراض، مع العلم بأنه يوجد شهريًّا واردات بقيمة 5 مليارات دولار وواردات خدمية بنحو 1.5 مليار دولار، وتوجد إيرادات متواضعة للنقد الأجنبى متمثلة فى الصادرات وتحويلات المصريين فى الخارج وقناة السويس، إضافة إلى ذلك فإن تخفيض المستوى الائتمانى مرتبط بتقدير مؤسسات تقييم دولية تصدر تقارير عن مدى قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وهى سداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، والأمر الثانى مدى استطاعتها أن تمول ما تستورده من سلع وخدمات.

فنتيجة انخفاض الاحتياطى واستمرار العجز فى الميزانية فى الحساب الجارى وهو عجز المعاملات الخارجية الذى كان 7.9 مليار أى نحو 8 مليارات دولار فأنت الآن تتحدث عن وضع يتزايد فيه هذا العجز، وبالفعل من الممكن استنزاف الاحتياطى ومن ثَم الجهات الدولية ستفقد الثقة بقدرتك على سداد التزاماتك لأن الاحتياطى يتجه نحو التراجع، والمشكلة أن الدولة لا تدير الوضع الخاص بالنقد الأجنبى بشكل إدارة أزمة بل بترك الأمر. ومثال على ذلك أرباح البورصة لأن كل الأجانب المضاربين فيها يحولون أرباحهم إلى الخارج دون أى ضرائب ويتم ذلك عبر تحويل أموالهم إلى دولارات ومن ثَم يشكلون عبئًا على الرصيد الدولارى الموجود، وهنا أصبحت البورصة منفذًا رئيسيًّا لاستنزاف الرصيد الدولارى بمصر.

هنا نرى أن الإيرادات محدودة نتيجة تراجع السياحة من 13 مليار دولار إلى نحو 8.8 مليار دولار فى العام الماضى، وتراجع التدفقات الاستثمارية التى حدثت لها حالة من الشلل، ولو كان الرئيس بدأ بعمل حالة من التوافق الوطنى والاستقرار، وكان هذا واردًا جدًّا، كانت الاستثمارات الكبيرة سوف ستتدفق، إلا أن الإعلان «اللا دستورى» الذى أصدره، وتغوُّله على السلطة القضائية وبدء حالة من الاحتقان هو الذى خلقها، هى فى الحقيقة أكثر ما آذى الاقتصاد المصرى والتصنيف الائتمانى، لأنه لا استثمارات ستأتى فى ظل هذا الوضع المحتقن، وأيضًا المستثمرين الأجانب فى البورصة فى ما يعرف ب«الاستثمارات غير المباشرة» سيظلون يقومون بما يقومون به من نزح النقد الأجنبى من الداخل للخارج، وبالمناسبة، الذين أنقذوا مصر خلال العامين الأخيرين كانوا العاملين بالخارج، أعلى مستوى للتحويلات فى عصر مبارك 2009/2010 كان 9 مليار دولار، فى 2010/2011 أصبح 12 مليار دولار، وفى 2011/2012 أصبح 18 مليار دولار، ولن يستمر ذلك كثيرًا. نتيجة تراجع تشغيل المصريين فى الخارج والهجرة العكسية، فالغريب أن العهد الحالى يسير على نفس خطوات النظام البائد بما يُحدِث مزيدًا من الاحتقان وسيؤدى إلى انفجار ثورة جديدة.

■ ما الطبقات المرشحة لعمل تلك الثورة الجديدة؟

- بشكل أساسى طبقة المهنيين والعمال والفلاحين، فالسياسات التى يتبعها نظام مرسى تخلق ضغطا غير محتمل على هذه الطبقات. فتزايد معدلات البطالة وارتفاع الأسعار وتخلى الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية سيؤثر سلبا على العمال والفلاحين والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى والمهنيين، وستؤدى السياسات الضريبية وسياسات الدعم إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية. ولكن هناك مُعطًى لا يمكن إهماله، أن حركات المقاومة الاجتماعية فى مصر آخذة فى التطور على مدار السنوات السبع الأخيرة وتحديدا منذ بدء إضرابات المحلة فى نهاية عام 2006 وبدء تكوين النقابات المستقلة فى 2008، وتبدو الحركة العمالية والمقاومة الاجتماعية فى المرحلة الأخيرة أكثر نضجا وتطورا فى مطالبها وتنظيمها، ولا يمكن إنكار دورها فى التمهيد لثورة يناير 2011، وهو ما يعنى أنه سيكون لها دور كبير ومحورى فى أى تغيير قادم. والمؤكد أن وجود قوى اجتماعية منظمة فى حركة التغيير القادمة سيعطى لهذا التغيير وجهة اجتماعية، أى أن الثورة الجديدة ستكون ثورة اجتماعية، والحركة العمالية وحركة المقاومة الاجتماعية مرشحة لقيادة الثورة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.