البرلمان يفتح ملف العلاوة وزيادة الحافز للعاملين بالدولة ومنحة خاصة لشركات القطاع العام    جدول امتحانات «رابعة ابتدائي» الترم الثاني 2025 في القليوبية    مدبولى: الرئيس أصرّ على أن تكون الحماية الاجتماعية عمودا فقريا فى بنية الدولة الجديدة    إزالة 24 حالة تعدي على أراضي الزراعية وأملاك الدولة بمركزى ديروط وأسيوط    محافظ أسيوط يتابع أعمال الرصف بشارع مجلس المدينة بالبداري    ترامب يستعد لجولة خليجية مرتقبة: ملفات غزة واليمن على الطاولة    التشكيل المتوقع لمواجهة برشلونة ضد ريال مدريد اليوم الأحد    «مينفعش اللي عملته».. شوبير يوجه رسالة نارية إلى حارس الزمالك    شكوك حول مشاركة حارس اتحاد جدة أمام الفيحاء    مارسيليا وموناكو يلحقان بباريس في دوري الأبطال    مدرس يعترف بميوله للأطفال بعد تعديه على تلميذة.. والمحكمة تحبسه سنتين مع الشغل    كتلة أوربية قادمة من أوروبا.. الأرصاد تكشف مفاجأة في حالة الطقس: انخفاض 8 درجات    تبدأ 22 مايو.. جدول امتحانات الصف الثالث الإبتدائي الترم الثاني 2025 محافظة أسيوط    بدء محاكمة المتهمين بقتل طالب في الزيتون    تامر حسني يشعل صيف 2025 بحفل غنائي بالكويت    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    «الصحة» تنشر قائمة عيادات فحص المقبلين على الزواج في المحافظات.. وتدعو المواطنين لحجز المواعيد عبر الخط الساخن    بينهم أربع فتيات ..بالأسماء .."نيابة الانقلاب " تحبس 38 مواطناً إثر ظهورهم للمرة الأولى    «هيبتا 2.. المناظرة الأخيرة» في دور العرض قريبًا بعد تصوير جميع مشاهده    البورصة تصعد بمستهل تعاملات جلسة اليوم    «البترول» تقرر صرف تعويضات لأصحاب السيارات المتضررة من البنزين    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» عبدالصبور شاهين مثقف تحول إلى تكفيرى من أجل المال "الحلقة 4"    رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    اللواء عبدالعظيم عبدالحق: وهبت نفسى للوطن.. واستشهاد ابنتى سارة كان عنوانًا لمقتل الطفولة الفلسطينية "الحلقة 12"    انتشال جثة طالب من نهر النيل بسوهاج    مقتل عنصر شديد الخطورة وضبط آخرين في دمياط    هام من المركز الليبي بشأن زلزال المتوسط| تفاصيل    تضامن: "تكافل وكرامة" أكبر مظلة اجتماعية تستثمر في الإنسان المصري    إذاعة جيش الاحتلال: تجنيد لواءى احتياط بهدف توسيع العملية العسكرية فى غزة    مواقع أجنبية : المتحف المصرى الكبير صرح حضارى وثقافى عالمى ويمتاز بتقديم قطع أثرية نادرة    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    أسعار الدواجن اليوم الأحد 11 مايو 2025    نجيب ساويروس عن تعديلات قانون الإيجار القديم: منصف بعد ظلم سنين للملاك    الصحة: افتتاح 14 قسمًا للعلاج الطبيعي بالوحدات الصحية والمستشفيات    نصائح لحماية طفلك للسلامة من موجات الحر    شوبير: الأهلي يرفض طلبات رامي ربيعة المادية لتجديد عقده    التشكيل المتوقع لمباراة ليفربول ضد أرسنال اليوم الأحد    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    وزير الإعلام الباكستاني: لا انتهاكات لوقف إطلاق النار مع الهند حتى الآن    باكستان: إلغاء 150 رحلة جوية وسط حالة عدم اليقين بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع الهند    استشهاد 10 فلسطينيين إثر قصف الاحتلال الإسرائيلى خيم النازحين بخان يونس    محطة كهرباء جديدة ب64 مليون جنيه في أبو الريش لضمان استمرار الرعاية الطبية للأطفال    دعاية السجون المصرية بين التجميل والتزييف.. ودور النخب بكشف الحقيقة    هل تصح طهارة وصلاة العامل في محطة البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    حظك اليوم الأحد 11 مايو وتوقعات الأبراج    تشكيل ليفربول المتوقع ضد آرسنال اليوم.. موقف محمد صلاح    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    صنع الله إبراهيم يمر بأزمة صحية.. والمثقفون يطالبون برعاية عاجلة    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    أمانة العضوية المركزية ب"مستقبل وطن" تعقد اجتماعا تنظيميا مع أمنائها في المحافظات وتكرم 8 حققت المستهدف التنظيمي    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)
نشر في بص وطل يوم 11 - 04 - 2013

هناك في تلك الكهوف المظلمة في صحراء تسيلي، يمكنك أن ترى أن الليل قد دنا، ومعه بدأت الشمس الحارقة تبدي شيئا من الرحمة..
الذئاب تعوي فيرتجف رجال "التبو" الجالسون حول النيران ليلا، ويتبادلون النظرات من وراء ألثمتهم.. بينما تطلق الجمال والإبل رغاءها وحنينها بالترتيب..

هناك في تلك الكهوف المظلمة وخلف منطقة الرمال المتحركة، حيث لا يجسر أحد على الدنو، يمكنك أن ترى ذلك الكهف الذي احتشدت الصخور على مدخله.. هل صخور حقا؟ بل هي جماجم بيضاء نظّفتها العواصف والرمال الناعمة..
هناك عاصفة دانية بلا شك في الغد..
داخل الكهف يمكنك بصعوبة بالغة أن ترى ذلك المشعل الواهن، وجواره يجلس كيان فارع مفزع يخيل لك أنه هيكل عظمي، يمسك بريشة هائلة الحجم ويضع أمامه لفافة.. عينان واهنتان تراقبان الورق وسط الضوء الخافت..
إنه "أوبار" الشاعر الملعون.. الشاعر الذي نشرت أشعاره الطاعون وسببت المذابح، وأدت إلى انتحار عشاق وموت أطفال وهم يصرخون..
هناك في هذا الكهف ينتظر "أوبار" عدة عقود.. عدة قرون.. من أجل قصيدة جديدة، قصيدة مكتملة الأبيات.

غير أن قصائده كانت ذات خاصية غريبة، هي أنها تكتب نفسها بنفسها؛ يبدأ أول بيت فقط، وأفعال البشر هي التي تكملها.

كل قصيدة صنعها الطمع والجشع والمقت والحسد والكفر والشهوات.
"أوبار" ينتظر، منذ قرون..
هناك قصائد بكل اللغات تتناثر من حوله.. قصائد باللاتينية، بالآرامية، بالسويدية، بالإنجليزية، بالمسمارية، بالأترورية، قصائد اكتملت جميعا وعادت له، وعندما يحرق اللفافة فإنها تصل إلى سيده الدائم، سيده الذي لا يجرؤ على ذكر اسمه..
على اللفافة التي أمامه بدأ يقرأ الحروف التالية تكتب بالدم:

ولما توارى شعاع الأصيل..
فتجري الدماء ويهوى قتيلا..

تحركت شفتاه فيما يشبه ابتسامة قاسية؛ سوف ينتظر.

*******
الصندوق الصغير ظل على الأرض فترة طويلة..
يمكن أن ألخّص الموقف لك بأن رجال الإسعاف ألقوا بالجثة على المحفة في إهمال، ومن الواضح أنها كانت تقبض على الصندوق الصغير الذي لم يلحظه أحد، قبل دخول السيارة سقط الصندوق على الأرض وركلته الأقدام جوار جدار.

وضعوا في السيارة جثة هشام أولا ثم جثة صلاح..
صلاح قد هشّمت زجاجة رأسه من الخلف، أما عن هشام فقد فتح النافذة ووثب إلى الشارع ليتهشم جسده على الإفريز، برغم هذا يبدو أنه ظل ممسكا بالصندوق فلم يتخلَ عنه إلا لحظة دخول السيارة كما قلنا..
انطلقت السيارة وعواؤها الكئيب يمزق الأعصاب قبل أن يمزق الصمت. ولحق بها عدد من الصبية يتصايحون مرحا..
يمكنك أن ترى الصبي عماد والصبي مصطفى.. إنهما يسكنان بالمنطقة، وهما شيطانان صغيران، لهما بالضبط نفس ملامح ونفسية قراصنة الكاريبي. عندما أسرعت الإسعاف مبتعدة أدركا أن اللحاق بها مستحيل، برغم أنهما كانا يشتهيان رؤية الميت، تعثّر عماد على الأرض فسقط جوار الصندوق الصغير، التقطه ودسّه في جيبه ليفهم فيما بعد..
هناك يقف الصبية في ركن الشارع يتبادلون التحدي والسباب. عماد يدخن لفافة تبغ إذ تأكد من أن أحدا من الكبار لا يراه، وهذا يعطيه سطوة لا شك فيها على باقي الصبية الذين لا يجسرون على تخيّل مغامرة كهذه.
يقول لهم عماد:
- وعهد الله.. وعهد الله..
لسبب ما لا بد أن يقسم هؤلاء الصبية بعهد الله.. لا يستعملون طريقة قسَم أخرى..
- وعهد الله أنا فعلت هذا..
قال مصطفى في تحدٍ:
- إنت كذاب..
- وإنت ابن "...".
وانقض الصبيان بعضهما على بعض يتبادلان الركلات واللكمات.. حاول عماد أن يفعل هذا كله ولفافة التبغ في فمه، لكن الأمر كان صعبا.. وقبل أن يفهم ما يحدث وجد أذنه في يد قاسية ترفعه عن الأرض.. وعندما نظر بحذر رأى أن هذه هالة أخته.. أخته في العشرين من عمرها، وليس لديها عمل في الحياة سوى أن تجعل أيامه قاسية..
- سجائر وشجار! انتظر حتى أخبر أباك بذلك.
تراجع الصبية في ذعر، بينما الأخت الغاضبة كآلهة الأوليمب تجر الصبي من أذنه نحو ساحة الإعدام، وهي لا تكف عن الشتائم وتوجيه الصفعات له.. كان يعرف أن أمره انتهى.. التدخين جريمة لا تغتفر في بيته..
برغم هذا كان يكره أن يراه الصبية في وضع مخزٍ، لذا صاح آمرا بينما هو يبتعد:
- الليلة سوف أريكم إن كنت كاذبا.
في البيت لم يكن الأب القاسي الغضوب موجودا، فتوعدته هالة بأن عقابه قريب فعلا. لاحظت الصندوق الصغير الذي في يده فسألته عن كنهه.. قال إنه وجده في الشارع ولا يعرف ما به..
مدت يدها في حذر وفتحت الصندوق.. ذات مرة ألقى أحدهم عملا سحريا على بابهم، وكان بداخله قطعة قطن التفت على أشياء عضوية مرعبة، مع لفافة ورقية كهذه.. شعرت بقشعريرة وخطر لها أن تتخلص من الصندوق، ثم مدت يدها تفتح اللفافة وقد غلبها الفضول..

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغى الرحيلا..
وقابيل يلقى أخاه الحبيب
فتجري الدماء ويهوى قتيلا
لقد حان حينك يا ابن الدياجي
ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟

مطت شفتها في عدم فهم؛ كانت تتوقع على كل حال أن تقرأ تعاويذ وكلمات سريانية غامضة، أو ترى رسوما غير مفهومة. لكن هذا شعر.. مجرد شعر سخيف، ليس فيه حب ولا غرام ولا سهاد.. هناك كلمة "عجولا" في نهاية القصيدة تبدو نابية للأذن، بالتأكيد ليست عجول الجزار، ولكنها تدل على التعجل..
توعدت أخاها المدخن بالويل، ثم اتجهت إلى الهاتف لتثرثر مع صاحبتها..
لاحظ عماد بعد ساعتين أن جريمته لم تذكر؛ لم تقل هي شيئا ولم يعرف أبوه القاسي بشيء، إنه في غرفته يلهو ويتظاهر بالاستذكار كالعادة، لكن لا شيء غير هذا..
الصبية ينتظرونه كما وعدهم. إن هالة اللعينة غافية الآن بعد ما شبعت نميمة وتهريجا على الهاتف؛ لن يلاحظ أحد أنه خرج..
بعد لحظات اتخذ قراره، اتجه إلى باب الشقة بحذر وفتحه وفرّ إلى الخارج. هناك في الشارع عنصره الطبيعي، هناك يصير حرا، يصير ملكا، يصير قائد الشلة الذي يبهر الأنفاس..
هناك كان الصبية يقفون في تحدٍ بانتظاره، وكان أكثرهم تحديا هو مصطفى.. قال له في سخرية:
-هل علّقك أبوك من السقف؟
لم يرد.. سرعان ما اجتاز الفرجة بين الجدارين وراح يركض عبر الخرابة. كان الليل قد بدأ يزحف فلم يعد هناك سوى لون أزرق بكل درجاته، وهناك كانت المساحة الواسعة ممتدة حيث قضبان القطارات تتلوى وتتعاقد في الأفق..
قطار الثامنة سوف يمر بعد قليل..
بلع الصبية ريقهم وهم يرتجفون من هول المشهد القادم، هو نفسه كان خائفا لكنه كان بحاجة إلى أن يعرفوا من هو؛ بعد هذا لن يفتح أي أحمق فيهم فمه..
جرى بحذر إلى أن بلغ المسافة بين القضيبين، ورقد على وجهه وغطى رأسه بكفيه..
فلتمر اللحظات التالية بسرعة..

يتبع..

الحلقات السابقة:
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (2)
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (1)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.