محافظ جنوب سيناء يشيد بإطلاق مبادرة «صحح مفاهيمك»    السيطرة على حريق هائل بمطعم شهير في «أبوحمص» بالبحيرة    «الفوقيه والتعالي» سبب فشل مفاوضات الأهلي مع مانشيني.. إبراهيم فايق يكشف (فيديو)    سعر الريال السعودي الآن في البنك الأهلي .. أسعار الصرف بيع وشراء وفقًا لآخر تحديث    فئة لن يسمح باستمرارها في الدراسة للعام الجديد 2025-2026 بسبب المصروفات.. التعليم توضح    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاربعاء 17-9-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خبير أمن معلومات: تركيب الصور بالذكاء الاصطناعي يهدد ملايين المستخدمين    الخارجية الكندية: الهجوم البري الإسرائيلي الجديد على مدينة غزة مروع    مباحثات سعودية إيرانية في الرياض حول المستجدات الإقليمية    فرنسا تدين توسيع العملية الإسرائيلية بغزة وتدعو إلى وضع حد للحملة التدميرية    ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 108 منذ فجر الثلاثاء    رئيس جامعة المنيا يشارك في اجتماع «الجامعات الأهلية» لبحث استعدادات الدراسة    أسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17-9-2025 في قنا    أسعار طبق البيض اليوم الاربعاء 17-9-2025 في قنا    السيطرة على حريق هائل نشب بمطعم شهير بمدينة أبو حمص في البحيرة    د.حماد عبدالله يكتب: البيض الممشش يتلم على بعضه !!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 17-9-2025 في محافظة قنا    أمين عمر حكما لمواجهة الإسماعيلي والزمالك    الخارجية السورية تكشف تفاصيل الاجتماع الثلاثي واعتماد خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء    زيلينسكي: مستعد للقاء ترامب وبوتين بشكل ثلاثي أو ثنائي دون أي شروط    «دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    مبابي: مباراة مارسيليا تعقدت بعد الطرد.. ولا أفكر في أن أكون قائدا لريال مدريد    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    سارة سلامة بفستان قصير وهيدي كرم جريئة .. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    زيارة صرف الأنظار، ترامب يصل إلى بريطانيا ومراسم استقبال ملكية في انتظاره    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    موعد إعلان نتيجة تنسيق جامعة الأزهر 2025 رسميا بعد انتهاء التسجيل (رابط الاستعلام)    تدريبات فنية خاصة بمران الزمالك في إطار الاستعداد لمباراة الإسماعيلي    بعد تضخم ثروته بالبنوك، قرار جديد ضد "مستريح البيض والمزارع"    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    مصرع وإصابة 3 شبان بحادث تصادم في محافظة البحيرة    مروان خوري وآدم ومحمد فضل شاكر في حفل واحد بجدة، غدا    أبرزها الإسماعيلي والزمالك، حكام مباريات الخميس بالجولة السابعة من الدوري المصري    أعراض مسمار الكعب وأسباب الإصابة به    كاراباك يصعق بنفيكا بثلاثية تاريخية في عقر داره بدوري الأبطال    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    رئيس أركان جيش الاحتلال ل نتنياهو: القوات تعمّق الآن «إنجازًا» سيقرب نهاية الحرب    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع في سعر الذهب اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    ننشر خريطة موعد بدء الدراسة للتعليم الابتدائي بمدارس الفيوم تدريجيًا.. صور    على باب الوزير    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شاب طافية بنهر النيل في الوراق    ضبط ومصادرة 2 طن طحينة بمصنع بدون ترخيص بالمنيرة    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    داليا عبد الرحيم تكتب: ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    أمين الفتوى يوضح حكم استخدام الروبوت في غسل الموتى وشروط من يقوم بالتغسيل    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)
نشر في بص وطل يوم 11 - 04 - 2013

هناك في تلك الكهوف المظلمة في صحراء تسيلي، يمكنك أن ترى أن الليل قد دنا، ومعه بدأت الشمس الحارقة تبدي شيئا من الرحمة..
الذئاب تعوي فيرتجف رجال "التبو" الجالسون حول النيران ليلا، ويتبادلون النظرات من وراء ألثمتهم.. بينما تطلق الجمال والإبل رغاءها وحنينها بالترتيب..

هناك في تلك الكهوف المظلمة وخلف منطقة الرمال المتحركة، حيث لا يجسر أحد على الدنو، يمكنك أن ترى ذلك الكهف الذي احتشدت الصخور على مدخله.. هل صخور حقا؟ بل هي جماجم بيضاء نظّفتها العواصف والرمال الناعمة..
هناك عاصفة دانية بلا شك في الغد..
داخل الكهف يمكنك بصعوبة بالغة أن ترى ذلك المشعل الواهن، وجواره يجلس كيان فارع مفزع يخيل لك أنه هيكل عظمي، يمسك بريشة هائلة الحجم ويضع أمامه لفافة.. عينان واهنتان تراقبان الورق وسط الضوء الخافت..
إنه "أوبار" الشاعر الملعون.. الشاعر الذي نشرت أشعاره الطاعون وسببت المذابح، وأدت إلى انتحار عشاق وموت أطفال وهم يصرخون..
هناك في هذا الكهف ينتظر "أوبار" عدة عقود.. عدة قرون.. من أجل قصيدة جديدة، قصيدة مكتملة الأبيات.

غير أن قصائده كانت ذات خاصية غريبة، هي أنها تكتب نفسها بنفسها؛ يبدأ أول بيت فقط، وأفعال البشر هي التي تكملها.

كل قصيدة صنعها الطمع والجشع والمقت والحسد والكفر والشهوات.
"أوبار" ينتظر، منذ قرون..
هناك قصائد بكل اللغات تتناثر من حوله.. قصائد باللاتينية، بالآرامية، بالسويدية، بالإنجليزية، بالمسمارية، بالأترورية، قصائد اكتملت جميعا وعادت له، وعندما يحرق اللفافة فإنها تصل إلى سيده الدائم، سيده الذي لا يجرؤ على ذكر اسمه..
على اللفافة التي أمامه بدأ يقرأ الحروف التالية تكتب بالدم:

ولما توارى شعاع الأصيل..
فتجري الدماء ويهوى قتيلا..

تحركت شفتاه فيما يشبه ابتسامة قاسية؛ سوف ينتظر.

*******
الصندوق الصغير ظل على الأرض فترة طويلة..
يمكن أن ألخّص الموقف لك بأن رجال الإسعاف ألقوا بالجثة على المحفة في إهمال، ومن الواضح أنها كانت تقبض على الصندوق الصغير الذي لم يلحظه أحد، قبل دخول السيارة سقط الصندوق على الأرض وركلته الأقدام جوار جدار.

وضعوا في السيارة جثة هشام أولا ثم جثة صلاح..
صلاح قد هشّمت زجاجة رأسه من الخلف، أما عن هشام فقد فتح النافذة ووثب إلى الشارع ليتهشم جسده على الإفريز، برغم هذا يبدو أنه ظل ممسكا بالصندوق فلم يتخلَ عنه إلا لحظة دخول السيارة كما قلنا..
انطلقت السيارة وعواؤها الكئيب يمزق الأعصاب قبل أن يمزق الصمت. ولحق بها عدد من الصبية يتصايحون مرحا..
يمكنك أن ترى الصبي عماد والصبي مصطفى.. إنهما يسكنان بالمنطقة، وهما شيطانان صغيران، لهما بالضبط نفس ملامح ونفسية قراصنة الكاريبي. عندما أسرعت الإسعاف مبتعدة أدركا أن اللحاق بها مستحيل، برغم أنهما كانا يشتهيان رؤية الميت، تعثّر عماد على الأرض فسقط جوار الصندوق الصغير، التقطه ودسّه في جيبه ليفهم فيما بعد..
هناك يقف الصبية في ركن الشارع يتبادلون التحدي والسباب. عماد يدخن لفافة تبغ إذ تأكد من أن أحدا من الكبار لا يراه، وهذا يعطيه سطوة لا شك فيها على باقي الصبية الذين لا يجسرون على تخيّل مغامرة كهذه.
يقول لهم عماد:
- وعهد الله.. وعهد الله..
لسبب ما لا بد أن يقسم هؤلاء الصبية بعهد الله.. لا يستعملون طريقة قسَم أخرى..
- وعهد الله أنا فعلت هذا..
قال مصطفى في تحدٍ:
- إنت كذاب..
- وإنت ابن "...".
وانقض الصبيان بعضهما على بعض يتبادلان الركلات واللكمات.. حاول عماد أن يفعل هذا كله ولفافة التبغ في فمه، لكن الأمر كان صعبا.. وقبل أن يفهم ما يحدث وجد أذنه في يد قاسية ترفعه عن الأرض.. وعندما نظر بحذر رأى أن هذه هالة أخته.. أخته في العشرين من عمرها، وليس لديها عمل في الحياة سوى أن تجعل أيامه قاسية..
- سجائر وشجار! انتظر حتى أخبر أباك بذلك.
تراجع الصبية في ذعر، بينما الأخت الغاضبة كآلهة الأوليمب تجر الصبي من أذنه نحو ساحة الإعدام، وهي لا تكف عن الشتائم وتوجيه الصفعات له.. كان يعرف أن أمره انتهى.. التدخين جريمة لا تغتفر في بيته..
برغم هذا كان يكره أن يراه الصبية في وضع مخزٍ، لذا صاح آمرا بينما هو يبتعد:
- الليلة سوف أريكم إن كنت كاذبا.
في البيت لم يكن الأب القاسي الغضوب موجودا، فتوعدته هالة بأن عقابه قريب فعلا. لاحظت الصندوق الصغير الذي في يده فسألته عن كنهه.. قال إنه وجده في الشارع ولا يعرف ما به..
مدت يدها في حذر وفتحت الصندوق.. ذات مرة ألقى أحدهم عملا سحريا على بابهم، وكان بداخله قطعة قطن التفت على أشياء عضوية مرعبة، مع لفافة ورقية كهذه.. شعرت بقشعريرة وخطر لها أن تتخلص من الصندوق، ثم مدت يدها تفتح اللفافة وقد غلبها الفضول..

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغى الرحيلا..
وقابيل يلقى أخاه الحبيب
فتجري الدماء ويهوى قتيلا
لقد حان حينك يا ابن الدياجي
ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟

مطت شفتها في عدم فهم؛ كانت تتوقع على كل حال أن تقرأ تعاويذ وكلمات سريانية غامضة، أو ترى رسوما غير مفهومة. لكن هذا شعر.. مجرد شعر سخيف، ليس فيه حب ولا غرام ولا سهاد.. هناك كلمة "عجولا" في نهاية القصيدة تبدو نابية للأذن، بالتأكيد ليست عجول الجزار، ولكنها تدل على التعجل..
توعدت أخاها المدخن بالويل، ثم اتجهت إلى الهاتف لتثرثر مع صاحبتها..
لاحظ عماد بعد ساعتين أن جريمته لم تذكر؛ لم تقل هي شيئا ولم يعرف أبوه القاسي بشيء، إنه في غرفته يلهو ويتظاهر بالاستذكار كالعادة، لكن لا شيء غير هذا..
الصبية ينتظرونه كما وعدهم. إن هالة اللعينة غافية الآن بعد ما شبعت نميمة وتهريجا على الهاتف؛ لن يلاحظ أحد أنه خرج..
بعد لحظات اتخذ قراره، اتجه إلى باب الشقة بحذر وفتحه وفرّ إلى الخارج. هناك في الشارع عنصره الطبيعي، هناك يصير حرا، يصير ملكا، يصير قائد الشلة الذي يبهر الأنفاس..
هناك كان الصبية يقفون في تحدٍ بانتظاره، وكان أكثرهم تحديا هو مصطفى.. قال له في سخرية:
-هل علّقك أبوك من السقف؟
لم يرد.. سرعان ما اجتاز الفرجة بين الجدارين وراح يركض عبر الخرابة. كان الليل قد بدأ يزحف فلم يعد هناك سوى لون أزرق بكل درجاته، وهناك كانت المساحة الواسعة ممتدة حيث قضبان القطارات تتلوى وتتعاقد في الأفق..
قطار الثامنة سوف يمر بعد قليل..
بلع الصبية ريقهم وهم يرتجفون من هول المشهد القادم، هو نفسه كان خائفا لكنه كان بحاجة إلى أن يعرفوا من هو؛ بعد هذا لن يفتح أي أحمق فيهم فمه..
جرى بحذر إلى أن بلغ المسافة بين القضيبين، ورقد على وجهه وغطى رأسه بكفيه..
فلتمر اللحظات التالية بسرعة..

يتبع..

الحلقات السابقة:
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (2)
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (1)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.