بدايةً.. لست من المتابعين المنتظمين لكرة القدم، لكن عندما يتعلق الأمر ببطولة دولية يفوز فيها منتخبنا المصري أو أحد الأندية المصرية وخصوصا النادي الأهلي أجد نفسي مشدودة ومنتبهة وسعيدة بالفعل بالنتائج التي تحققت، متمنية المزيد من التوفيق والإنجازات وتحقيق السعادة لشعب مسكين لم يجد ما يفرحه في حياته سوى إنجازات المنتخب وبطولات الأهلي. تابعت المباراة الأخيرة لكأس إفريقيا للشباب وسعدت فعلا بالنتيجة، خصوصا عندما علمت أنها تؤهلهم فورا لكأس العالم دون الدخول في تصفيات أخرى على غرار ما يحدث في المونديال، ووجدت نفسي متحمسة لمتابعة تصريحات ربيع ياسين -مدير المنتخب الفني- وطموحه في كأس العالم للشباب، ورغم تربيته لذقنه التي قد توحي بميول إخوانية جعلتني أتوجّس منه في البداية وأتعجب أن إخوانيا ينجح في الوصول بمصر إلى بطولة دولية، لكن تصريحاته التي تابعتها نفت لديّ هذا التوجس جملة وتفصيلا وجعلتني أتابعه بمزيد من الحماس والأمل في المزيد من البطولات.
إلى أن جاء تصريحه الذي استنكر فيه حجم المكافآت التي تم منحها لكل لاعب في المنتخب والجهاز الفني، والتي لم تتجاوز 75 ألف لكل لاعب في حين -والكلام على لسان ياسين- لو أن هذه البطولة تحققت أيام مبارك لحصل كل لاعب على مليون جنيه، أي بحسبة بسيطة سيتم إنفاق ما يزيد عن 20 مليون جنيه لفرقة واحدة ولحصولها على بطولة واحدة، هذا بالطبع بالإضافة إلى ما ستحصل عليه هذه الفرقة من مكافآت من المتبرعين ومحبي الرياضة من رجال الأعمال، سواء يفعلون ذلك عن حب أو عن رغبة في الدعاية.
وعندما قرأت هذا التصريح وجدتني أسأل، كم شابا مصريا تحت العشرين يحصل على 75 جنيها حتى كمكافأة على نجاح أو تفوق في أي مجال غير كرة القدم، وليس على ال75 ألف جنيه التي يقلل ياسين من شأنها كثيرا؟! رغم أن الملايين يتمنون أن يحصلوا على عُشرها حتى ولا يجدوه، مع تعبهم وكدهم واستماتتهم في العمل.
أجدني هذه المرة لا ألوم الرئيس على هذه المكافأة ال"أي كلام" قد ألومه إذا اكتشفنا أن باقي أموال المكافأة المتوقعة ذهبت لجيبه الشخصي أو حتى لتجديد القصر الجمهوري أو أي سبيل آخر غير ضروري، مثل غلق مواقع أو استيراد سيارات جديدة للشرطة أو قنابل للمزيد من القمع، فهنا ألومه وبشدة وأفتح عليه النار، لكن لمجرد تقليصه مكافأة لاعبي كرة تحت العشرين فهنا لا أستطيع لومه على الإطلاق، لأن ما كانوا يأخذونه بالفعل مبالغ فيه جدا، خصوصا أن هناك من يموّلهم ويكافئهم ويرعاهم غير الدولة والتي تحتاج إلى إسهامات رجال أعمالها في مجالات أخرى غير كرة القدم، ولن نذكر التعليم والصحة والثقافة لأنه واضح أن هذه المجالات لا تغني ولا تسمن من جوع رجال الأعمال للشهرة والفشخرة.
أقول لربيع ياسين ولمنتخب الشباب ألف مبروك وننتظر المزيد منكم، وننتظر أيضا أن يكون هناك المزيد من المراعاة لحال البلد والظروف المادية الأكثر من سيئة التي نتعرض لها، وأننا بالفعل لسنا بحاجة إلى إنفاق الملايين على عدد أفراد لا يتعدى الثلاثين، صحيح أنه لتحقيق البطولات لا بد من الإنفاق بكرم على اللاعبين لكني أرى أنهم يأخذون حقهم بالفعل، والمفترض أنهم يلعبون بحب ورغبة سواء في كرة القدم نفسها أو لحب مصر وشعبها والرغبة في إسعاده، ولن أنفي حقهم أيضا في الحصول على مقابل مادي لما يفعلوه، لكن ليرضوا بما هو متاح ويتنازلون قليلا عن الملايين وليرضوا بالآلاف، فهي وإن كانت لا ترضيهم إلا أنها حلم من أحلام الملايين الذين لا أمل لهم على الإطلاق في أي رفاهية أو مكافآت أو مقابل مادي أو معنوي عن أي جهد يبذلوه.