قلنا كثيرا ًإن سيناء الخالية من السكان والبعيدة عن التنمية الحقيقية أصبحت أرضاً خصبة للأطماع والمؤامرات؛ ولهذا لم يكن غريباً أن تفكر أطراف كثيرة على المستوى الدولي في اقتحام هذه الأرض بدون قوات أو أسلحة أو حروب لأن المؤامرات تكفي.. وإذا كانت سيناء قد تحررت بدم المصريين فإن الاستيلاء عليها مرة أخرى يمكن أن يتم بوسائل أخرى. في الأسبوع الماضي تعرضت لتقرير خطير صدر في إسرائيل عن مركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، وكان التقرير واضحاً في أهدافه وخطواته، وكيف يمكن اقتطاع جزء من سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية في صفقة دولية يمكن أن تتم في ظروف مواتية.. وإذا كان تقرير المركز الإسرائيلي نشاطاً تخريبياً وعدوانياً واضحاً ضد مصر الشعب والأرض والمستقبل؛ فإن أمامي قضية أخطر؛ لأنها مؤامرة تخريبية جاءت إلى سيناء من الداخل.. إنها تتم بأيد مصرية، ومن خلال عملية تزوير ضخمة قد تجمعت كل خيوطها الآن أمام القضاء المصري في محكمة جنايات الإسماعيلية.. وقد تم التحقيق في كل ملابساتها على يد المستشار رضا عبد القادر إبراهيم رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية. القضية تتلخص في أن 11 محامياً مصرياً قاموا بتزوير أحكام لشراء عقارات ووحدات سكنية في مدينة شرم الشيخ لحساب مواطنين أجانب، وقد بلغ عدد هذه الأحكام 450 حكماً مزوراً من محاكم القاهرةوالإسماعيلية والسويس وبورسعيد.. وبناء على هذه الأحكام تم تسجيل هذه الوحدات السكنية لأشخاص أجانب في مخالفة صريحة للقانون المصري الذي يمنع تملك الأجانب للأراضي والعقارات في سيناء.. هذه المجموعة من المحامين استطاعت اختلاق خصومات وهمية بين شركة سيناء للتنمية السياحية صاحبة العقارات ومواطنين أجانب بهدف تثبيت ملكية وحدات عقارية قام هؤلاء الأجانب بشرائها في قرية "كورال باي" بمدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوبسيناء. القصة الرهيبة تتلخص في شركة سيناء للتنمية السياحية، وهي شركة مصرية خاصة تقوم بإنشاء قرى سياحية في مدينة شرم الشيخ لبيعها للمصريين، ومن بين هذه القرى قرية "كورال باي" ويبلغ عدد الوحدات السكنية التابعة لها 2400 وحدة.. وقد قامت هذه المجموعة من المحامين بتزوير المستندات والأختام، وأصدرت أحكاماً عن المحاكم المصرية لصالح أشخاص أجانب تثبت ملكيتهم لهذه العقارات.. وبالفعل قامت الشركة ببيع 1000 شقة لأشخاص أجانب من جنسيات أوروبية مختلفة في مدينة شرم الشيخ، وبالتحديد في قرية "كورال باي". القضية الخطيرة أمام القضاء المصري الآن؛ ولكن هناك تفاصيل كثيرة تؤكد حجم المؤامرة التي تستهدف أرض سيناء ليس من الخارج فقط كما قلت ولكن من الداخل أيضاً. لقد تم بيع هذه الشقق والوحدات السكنية والأراضي، كما جاء في أوراق القضية لأشخاص أجانب خلال أعوام 2003 و2004 و2005 و2006 و2007 عن طريق مكاتب أجنبية في الخارج تعاقدت معها شركة سيناء للتنمية السياحية.. وقد تم سداد هذه الوحدات، كما جاء في القضية في حسابات الشركة بالخارج على أساس مستندات مزورة صادرة عن المحاكم المصرية، وشملت هذه المستندات عقود تمليك وتوكيلات رسمية، وأختاماً من الشهر العقاري، وعقوداً زرقاء من مطبوعات الشهر العقاري الأصلية، وقد حصلت هذه العصابة على كل هذه المستندات لتثبت ملكية الشقق والوحدات المباعة للأجانب، وتم ذلك من خلال عدد كبير من الموظفين في الشهر العقاري والمحاكم مع كتيبة ضخمة من المحامين والمرتشين والنصابين وأصحاب النفوس الضعيفة.. كان الهدف من ذلك كله هو التحايل على قرار حظر تملك غير المصريين للعقارات السكنية في مدينة شرم الشيخ. الغريب في الأمر أن الإجراءات القانونية الخاصة بالملكية كانت كاملة تماماً في المستندات والأحكام ومحاضر الجلسات ونسخ الأحكام ذاتها وسداد الرسوم واستخراج صورها الرسمية، وقد تمت ترجمة هذه العقود إلى اللغات الأجنبية حسب جنسية كل مواطن أجنبي قام بشراء وحدة سكنية، وتم اعتمادها من السفارات الأجنبية بالقاهرة ومن وزارة الخارجية المصرية لتكون الملكية سليمة مائة في المائة من الناحية القانونية؛ رغم أنها قامت على وقائع تزوير كاملة في جميع تفاصيلها ومراحلها. هذه القضية الخطيرة التي تم اكتشافها بعد سنوات، وكان من الممكن جداً ألا يكتشفها أحد تضع أمامنا أكثر من سؤال: أولاً: ما الذي يجعل الأجانب يحرصون كل هذا الحرص على شراء وحدات سكنية يدفعون فيها آلاف الدولارات في شرم الشيخ وبقية مدن سيناء.. وهل هذا أمر طبيعي أن يشتري مواطن إيطالي أو سويسري أو ألماني شقة في منطقة صحراوية في مصر ليقضي فيها عدة أيام في السنة.. ولماذا لا يشتري هؤلاء في الساحل الشمالي أو الإسكندرية أو التجمع الخامس.. لماذا كل هذا الاهتمام بسيناء حتى أن شركة واحدة باعت 1000 شقة للأجانب في منتجع واحد؟ ثانيا: أن القانون المصري يمنع الأجانب من تملّك الأراضي والعقارات في سيناء، ولهذا لجأت الشركة إلى عمليات التزوير في المستندات والأحكام لإثبات الملكية مع ترجمة العقود أو توثيقها في السفارات والخارجية المصرية لإثبات حقوق هؤلاء في هذه الوحدات.. فلماذا كل هذا الحرص رغم أنه يستخدم كل أساليب التحايل لإثبات صحة عقود الشراء والملكية؟ ثالثا: بعض المحامين المتهمين في هذه القضية لهم علاقات مع إسرائيل وسافر اثنان منهم -وربما أكثر- إليها أكثر من مرة.. وهناك شخص مجهول الهوية حتى الآن في القضية هو الذي يحرك كل هذه الأشياء. ماذا يعني أن جميع الوحدات السكنية -وهي ألف وحدة التي تم بيعها للأجانب- تم سداد قيمتها في بنوك خارجية، ولا تعرف مصر عنها شيئاً؟ وعلى أي أساس يتم البيع في مصر والسداد في الخارج؟ وهل يمكن أن يحدث ذلك في أي دولة في العالم أن تباع فيها عقارات ويسدد ثمنها في الخارج دون رقابة أو حتى معرفة؟؟ بماذا نفسر أن تبيع شركة 1000 وحدة للأجانب و70 وحدة فقط للمصريين؟ إن ذلك يعني أننا أمام مشروع أجنبي وشركة أجنبية حملت اسماً مصرياً مزوراً.. إن مقر الشركة الرئيسي في ميلانو.. وتتعامل مع بنوك أجنبية خارج مصر وتضع مبيعاتها في حسابات خارجية خاصة.. ورئيسها إيطالي الجنسية.. وهي تبيع أرضاً وعقارات للأجانب في سيناء.. ما هذا التضارب وأين ما يسمى بالسيادة؟ كما أن كل هذه الإجراءات تتعارض مع قوانين الدولة المصرية.. نحن أمام 11 متهما ووثائق خطيرة ومستندات مزورة وأكثر من 30 شاهداً في القضية، ما الذي يؤكد أنها القضية الوحيدة؟ وما الذي يمنع أن تكون هناك عشرات القضايا الأخرى المشابهة التي قامت على التحايل والتزوير؟ وماذا تعرف أجهزة الدولة المصرية عما يحدث في سيناء من عمليات البيع والشراء سواء كانت مزورة أم صحيحة؟ بل ماذا نعرف نحن عن مدن مفتوحة تماماً للأجانب مثل شرم الشيخ والغردقة، وهذا الشريط الطويل البعيد تماماً عن كل أساليب الرقابة؟ إن الإسرائيليين يدخلون سيناء بالبطاقات الشخصية وهم في شرم الشيخ بلا أي رقابة، ما الذي يمنع أن تتم عمليات بيع وشراء للأراضي والعقارات من وراء الدولة وأجهزتها النائمة كما حدث مع شركة سيناء للتنمية السياحية ومنتجعها المشبوه "كورال باي". لا يعني تشجيع السياحة في سيناء أن يختلط الحابل بالنابل، وأن تصبح أرضاً مستباحة لكل من هب ودب؛ ولهذا يجب أن تكون هناك رقابة إدارية كاملة على كل ما يجرى في سيناء من قواتنا المسلحة وأجهزة الأمن القومي المصري. في هذا السياق وبعد اكتشاف هذه الكارثة لا أدري كيف يمكن مراجعة ما حدث في سيناء في الأعوام الماضية، لا أحد يعلم ماذا تم في عمليات توزيع الأراضي ومن الذي باع ومن الذي اشترى.. وإذا كانت شركة واحدة قد باعت ألف وحدة سكنية للأجانب بأوراق مزورة في منتجع واحد؛ فماذا عن عشرات المنتجعات ومئات الفنادق التي لا نعرف عنها شيئاً؟ وما هي جنسيات الذين اشتروا هذه الوحدات؟ وهل هم الملاك الحقيقيون أم هناك أسماء أخرى سرية تبيع وتشتري من وراء السلطات المصرية؟ إنني أخاف كثيراً أن تتكرر مأساة سياج في أرض طابا والتي دفعت فيها حكومتنا الرشيدة 400 مليون جنيه؛ تنفيذاً لحكم دولي بالتعويضات، ولا أدري ماذا سنفعل أمام 1000 وحدة سكنية اشتراها الأجانب في شرم الشيخ بأوراق مزورة في مصر وقد تكون سليمة خارج مصر أمام المحاكم الدولية؟ وماذا سنفعل في مستندات الملكية التي يحملها الأجانب الآن حتى وإن كانت مزورة ومخالفة للقوانين المصرية؟ وقبل هذا كله ماذا عن ألف شخص اشتروا هذه الوحدات؟ وما هي جنسياتهم وما هي خلفياتهم؟ وهل هم الملاك الحقيقيون أم إن هناك أسماء أخرى خلفهم؟ هذه القضية كشفت لنا حالة من حالات التراخي والفساد وغياب الضمير لدى فئة من البشر المفروض أنهم يمثلون قيم العدالة والحرص على مصالح الوطن. إن غياب الإدارة المصرية عن سيناء ليس فقط فيما يخص التنمية واحتياجات الناس واستغلال الموارد وحماية أمننا القومي؛ ولكن هناك أيضاً غياب إداري وتنظيمي خلق حالة من حالات الفوضى والفساد التي ترتبت عليها أخطاء جسيمة؛ كيف تباع ألف وحدة سكنية بعقود مزورة من وراء الحكومة يدفع فيها الأجانب ما يقرب من 300 مليون دولار أي ما يقرب من ملياري جنيه مصري؟ ومن الذي تسلّم هذه المبالغ وأين هي الآن؟ مطلوب مراجعة جميع العقود والارتباطات والالتزامات وبيع الأراضي والعقارات في كل سيناء منذ تحريرها وحتى الآن؛ لأنني أعتقد أن هذه القضية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. ماذا نعرف عن مشروعات وأراضٍ وعقارات تم بيعها ونحن لا نعرف من وراء هذه الصفقات؟ وما هي جنسياتهم؟ إنني أطالب بمراجعة جميع عقود البيع في وسط القاهرة في عمارات الخديوي والمواقع الأثرية في المدن الكبرى والمصانع فقد نكتشف أن هناك تحايلا في الأسماء. كلنا نعلم أين بدأت مأساة فلسطين، وكيف حدثت الكارثة في بيع الأراضي والعقارات، وكيف تسلل اليهود، وقاموا بشراء مساحات كبيرة من أرض فلسطين بيتاً بيتاً، ومدينة مدينة، وبعد ذلك دفع الشعب الفلسطيني الثمن في أكبر مؤامرة لشراء وطن. الواضح الآن أننا أمام مؤامرة كبرى لاختراق هذا الوطن، وفي ظل سياسات البيع التي تنتهجها أجهزة الدولة لكل من هب ودب ينبغي أن نراجع بقدر من الوعي ما يجرى حولنا من صفقات؛ فقد نكتشف أن الأسماء التي نراها ما هي إلا أقنعة مزيفة لوجوه أخرى قامت بشراء كل شيء في غفلة منا.. ما هي الأسماء الحقيقية التي اشترت مصانع الأسمنت والحديد والأسمدة وملايين الأفدنة من الأراضي والمشروعات السياحية؟؟ من جريدة الشروق بتاريخ 21- 2 2010