فرق شاسع بين مطار أديس أبابا (يعرف بمطار بولي الدولي Bole International airport) ومطار القاهرة، فرق السما من العمى، تشعر كأنك انتقلت فورا إلى الثمانينيات دون آلة زمن! فيما بعد قيل لي إن هذا المطار ليس إلا مطار الكويت القديم وقد تم تفكيكه وإهداؤه لأثيوبيا! إلا أنني لست متأكدا من مدى صحة هذه المقولة. مع هذا فهو المطار رقم 9 في قائمة أكثر المطارات ازدحاما في إفريقيا (مطار القاهرة هو رقم 2، بينما يحتل مطار جوهانسبرج الرقم 1)، حيث يستقبل أكثر من 150 رحلة يوميا، كما أنه ثالث أكبر مطارات إفريقيا من حيث المساحة. الإجراءات هنا بدائية بشكل كبير، لدرجة أن المطار يفرض على المسافر أن يخلع حذاءه وحزامه ويتخلص من أي شيء معدني أثناء التفتيش (تماما مثل إعلان سفن أب)، ولا يتم هذا مرة، وإنما مرتان، لحسن الحظ هذا يحدث مع المغادر وليس القادم، لكني سأمر بهذه المراحل عند مغادرتي البلاد. أعطيت أوراقي لموظفة الجوازات، والتي قالت لي، فيما يبدو أنها الجملة الإنجليزية الوحيدة التي تحفظها: Look Camera بينما تشير إلى كاميرا رقمية صغيرة أعلى الزجاج، نظرت إلى الكاميرا التي التقطت صورة لوجهي على ما يبدو. ظلَّت لفترة طويلة جدا تفعل أشياء لا أراها أسفل الكاونتر، حتى تخيلت أنها تطلب لي الإنتربول، لكنها أخيرا أعادت لي الأوراق دون كلمة أخرى، فقد كان رصيدها من اللغة الإنجليزية قد انتهى. في صالة السفر انكبّ عليّ سائقو التاكسي يعرضون خدماتهم كالعادة، وهي الظاهرة التي رأيتها عندما عدت إلى القاهرة أيضا، مع فرق أنهم في القاهرة أكثر إلحاحا ولزوجة، ظللت أتلفت بحثا عن ماجد لكني لم أستطع رؤيته. ماجد هو زميلي في هذه الرحلة والذي سبقني إلى هنا ببضعة أيام، وقد وعدني أن يأتي لاستقبالي، نظرت في الساعة فوجدت أنني قد وصلت مبكرا فأخذت أتسكع، وقد فاتني أن أدرك أن هناك فرق ساعة في التوقيت بين القاهرةوأديس أبابا، أما ماجد فظل واقفا لأكثر من نصف ساعة وهو يشير إليّ من خلف الزجاج، بينما أنا في حالة من التوهان والدهولة فلم أنتبه له مطلقا. أما لماذا كان يشير إليّ من خلف الزجاج بالخارج فلأن المطار يمنع المستقبلين من دخوله، فلكي تدخل المطار وأنت غير مسافر عليك استخراج تصريح أمني لا يستخرَج بسهولة! أخيرا خرجت من المطار بصحبة ماجد وسائق التاكسي الذي أحضره معه، وبعد أن وضعنا الحقائب في التاكسي وانطلقنا في الطريق، تذكرت أنني نسيت حقيبة الظهر في المطار. عدنا مرة أخرى إلى المطار وأخذت أهرول بالداخل محاولا الوصول إلى جهاز الكشف عن المعادن الذي نسيت الحقيبة بجواره، واكتشفت لحظتها أن كل صالات وأبواب المطار متشابهة وظللت أدور حول نفسي بالداخل كأنني في متاهة المينوتور. كيف أسأل عن مكان الماكينة التي تضع فيها الحقائب لتكشف عليها بالأشعة قبل الدخول؟ ما اسم هذه الماكينة بالإنجليزية؟ وحتى لو كنت أعرف لها اسما فهل سيفهمه العاملون في المطار بإنجليزيتهم الكسيحة؟ ظللت أعيد الأحداث في رأسي بشكل عكسي حتى وصلت إلى الماكينة المقصودة أخيرا، ولدهشتي كانت الحقيبة لا تزال على الأرض جوارها، التقطتها ومضيت! كانت الساعة نحو الخامسة صباحا حين وصلت إلى سرير أخيرا، ارتميت عليه وظللت أحدق في السقف لبقية الليل لأنني غير معتاد على النوم في مكان غريب، ولم تكد عيناي تغفلان في الثامنة صباحا تقريبا حتى وجدت ماجد يوقظني: قوم.. قوم.. ورانا مشاوير كثير! أخذت أرتدي ملابسي على عجل وأنا أفكر في أنني لم أتناول عشاء بالأمس، ولا إفطارا في الصباح، لكن كلها بضع دقائق وكنت في الشارع!
يُتبع الحلقة السابقة: د. ميشيل حنا يكتب.. تحياتي من أديس أبابا (1) تحياتي من أديس أبابا 2 * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: