23 سبتمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    تداول بضائع وحاويات 23 سفينة في ميناء دمياط خلال 24 ساعة    النقل: تجهيز محطة الحاويات تحيا مصر 1 بميناء دمياط بأحدث المعدات صديقة البيئة    مصادر طبية: 22 شهيدا بنيران الاحتلال منذ فجر اليوم في غزة    كندا ودول أوروبية تدعو إسرائيل للسماح بوصول الأدوية إلى غزة    منخفض السودان.. سر تغيّر الطقس في الخريف وسبب السيول والأمطار    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بطريق مصر - أسيوط الغربي    الأحد.. الأوبرا تعلن تفاصيل الدورة 33 لمهرجان الموسيقى العربية    "جاب الطالبات من الشارع".. محافظ بورسعيد يُحيل مديرة مدرسة إلى النيابة العامة    بسبب سقوط درابزين السلم على طالب، إحالة مديرة مدرسة العجوبية بسوهاج للتحقيق    إلزام شركات الأسمدة بتوريد 3 حصص رئيسية من الإنتاج للزراعة والصادرات    كجوك يستعرض جهود تحفيز الاستثمار بالتسهيلات الضريبية والسياسات المالية الداعمة للإنتاج والتصدير    نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل يترأس الاجتماع الحادي والثلاثين للمجموعة الوزارية للتنمية الصناعية    هيئة الاستثمار: تقرير "جاهزية الأعمال" يعتمد على ثلاث ركائز رئيسية    عمر الغنيمي: قرار الرئيس برد قانون الإجراءات الجنائية تجسيد حقيقي للجمهورية الجديدة    مستوفين الحد الأدنى.. قائمة أسماء معاهد يمكن التقديم بها دون تنسيق    ديمبيلي: الكرة الذهبية لم تكن ضمن أهداف مسيرتي.. وأشكر كل الأندية التي لعبت لها    غيابات الأهلي أمام حرس الحدود في الدوري الممتاز    مواعيد مباريات الثلاثاء 23 سبتمبر - الأهلي والزمالك.. وبيراميدز ضد أهلي جدة    تفقد جاهزية 86 مخر سيول على مستوى مدن مطروح    مدير تعليم الفيوم يتفقد مدارس إطسا ويؤكد: البكالوريا المصرية مستقبل التعليم في مصر    4 ملايين جنيه حصيلة قضايا الإتجار في العملات ب«السوق السوداء»    ضبط 21 طن دقيق مدعم داخل المخابز السياحية خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 4 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    دليل الطلاب.. خطوات تحميل مناهج الثانوية العامة 2025-2026    بالأسماء، طلاب الأزهر يحصدون المراكز الأولى في المشروع الوطني للقراءة (صور)    حفيد الشيخ الحصري: اتعلمت من جدي حب العمل والكرم الحاتمي وقراءة المصحف باليوم الهجري    «المركز القومي» يفتتح نادي سينما المكتبة العامة بشبين القناطر    حين كتب «هيكل» عن صديقه "إدريس"، حكاية بدأت بمكالمة وانتهت بمقال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23-9-2025 في محافظة الأقصر    هيئة الرعاية الصحية تعلن تشغيل أول وحدة مناظير مسالك بأسوان باستثمارات 8 ملايين جنيه    وكيل صحة سوهاج ل "أهل مصر": تشغيل مسائي للعيادات بالمستشفيات العامة والمركزية    نصائح لمرضى الأنيميا وأفضل وقت لتناول الحديد    «تالجو وروسى مكيف».. جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025    المفوضية الأوروبية تعلن خطة خاصة لإعادة إعمار غزة وتعزيز الدولة الفلسطينية    كونتي: نابولي ليس معتادًا على ضغوط ومجهود المنافسات الأوروبية    ديمبيلى يعانق المجد ويمنح فرنسا الكرة الذهبية السادسة فى تاريخها    الرئيس السيسي يستقبل اليوم رئيس رواندا بقصر الاتحادية    وزير الخارجية: قلقون لما يتعرض له التراث الفلسطينى من تدمير إسرائيلى    أونروا: 12 منشأة تابعة لنا بمدينة غزة تعرضت لغارات إسرائيلية خلال أسبوع    التقويم الهجري.. كل ما تحتاج معرفته عن شهر ربيع الآخر    ما حكم صلاة مريض الزهايمر.. «الإفتاء» توضح    مصادر طبية: 5 شهداء بينهم 3 أطفال بغارة إسرائيلية على منزل بمخيم الشاطئ غربي غزة    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 بمحافظة بورسعيد    شعبة الذهب: 335 جنيها مكاسب جرام الذهب عيار 21 بزيادة 7% خلال سبتمبر 2025    تشغيل أول وحدة مناظير مسالك بمستشفى أسوان التخصصي    من كفر الشيخ إلى مجد الدراما.. حكاية صداقة أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ    حكم لبس الحظاظة في الإسلام.. دار الإفتاء توضح    نجم المصري السابق: الكوكي أقل من النادي.. والساعي إضافة قوية للفريق    حكم فسخ الخطوبة بسبب ترك الصلاة.. دار الإفتاء توضح    بعد البيانو.. سميح ساويرس يكشف عن حلمه الجديد: أستعد لإخراج أول أفلامي.. وهذه نصيحي للشباب    غضب داخل المصري من الكوكي عقب التعادل أمام فاركو.. وعقوبات على اللاعبين    الداخلية تكشف ملابسات صورة جرافيتي على مبنى محافظة الدقهلية    عليك مكافأة نفسك.. حظ برج الجدي اليوم 23 سبتمبر    لاعب غزل المحلة يغادر المستشفى بعد الاطمئنان على حالته الصحية    منتخب الشباب يفوز على نيو كاليدونيا بثلاثية استعدادا للمونديال    رئيس الوزراء: القصف الإسرائيلي للدوحة سابقة خطيرة.. وندعو إلى اعتراف غير مشروط بدولة فلسطين    مستشفى مبرة المعادي ينجح في علاج ثقب بالقلب باستخدام تقنية التدخل المحدود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مملكة الصحراء 3.. البتراء.. مدينة من الصخر!!
نشر في بص وطل يوم 10 - 02 - 2010


مثلِكِ الفخرُ يا بَتْراءُ يفتخرُ
فَلْتَشْمَخي! أنتِ أنتِ العزمُ والقَدَرُ
وأنتِ سيفُ الرّدَى في كلِّ نازلةٍ
فلتضربي وتردِّي كيدَ من غَدَرُوا
بتراءُ كمْ في كتابِ المجدِ من سُوَرٍ
قرأتُ عَنْكِ رَوَاها البدوُ والحَضَرُ
سعود الأسدي
هذه رحلة طويلة من شمال الأردن إلى جنوبه.. رحلة طويلة ومرهقة وشاقة..
تكدسنا في حافلة عامة بحقائبنا.. أغلب الركاب من الأردنيين، ومعنا أيضاً بعض الأجانب السياح - زملاء الكفاح..
خذ عندك مثلاً هذا السائح الياباني الذي لا يفهم الإنجليزية، وطبعاً لا يُجيد العربية، ويريد أن يسألني عن شيء لا أفهمه، لكنني راغب حقاً في مساعدته.. حتى لغة الإشارة لا تحل هذه المشكلة؛ لأن ما يريده يبدو معقداً.. هنا حلّ صديقي هنري المشكلة بذكائه السويسري.. طبعا الفتى يسأل عن الأجرة.. انتهى الموقف، ونحن نتعجّب من قدرة هؤلاء السياح اليابانيين الذين لا يجيدون أي لغة تصلح للتعامل في هذه البلد على استكمال رحلاتهم السياحية.
هل رأيت فيلم صالة الوصول The Terminal""؛ حيث توم هانكس سائح من بلد غريب يواجه موقفاً غير تقليدي في مطار جون كيندي بنيويورك، ولا يفهم ما يحدث له في البداية لأنه لا يجيد الإنجليزية؟ لا بد أن الأمر ليس سهلاً أبداً!
والحقيقة أن هذه الرحلة الطويلة كانت سبباً في تعارفنا بسيلفيا وخيتا، الفتاتين البرتغاليتين الفاتنتين اللتين انضمتا إلينا في رحلتنا صوب الجنوب..
العادة التي يمارسها الغرباء في أي بلد أن ينجذبوا لبعضهم البعض، ويساعدوا بعضهم البعض أكثر مما ينجذبون لأهل البلاد الأصليين.. لهذا استطاع صاحبنا السويسري الماهر أن يتعرف بالفتاتين البرتغاليتين ليكتشف أنهما ذاهبتان لنفس وجهتنا -وادي موسى- وهكذا كتب القدر أن ينضم لمسيرتنا أخيراً ممثل من الجنس الناعم..
هما من لشبونة ويقومان معاً بجولة سياحية لمدة أسبوع في المملكة الأردنية.. سيزوران ما نحن بصدد زيارته –البتراء ثم وادي رم ثم العقبة.. واو! يا لها من مصادفة سعيدة!..
لحسن الحظ أن البرتغال تتحدث البرتغالية ولا تتحدث الألمانية أو الفرنسية -التي يتكلم بها السويسريون، ولهذا صارت اللغة الرسمية في معاملتنا هي اللغة التي نجيدها جميعا.. الإنجليزية!
البتراء مدينة منحوتة داخل الصخور (عدسة علاء مصباح)
الآن عزيزي القارئ نزور البتراء.. نحن بصدد الخوض في الصحراء؛ فلابد أن تتأكد من أنك ترتدي حذاء رياضياً خفيفاً -لاحظ أنك ستسير على الرمال طويلاً- وملابس خفيفة، ويا حبذا كاب ليحمي رأسك من وهج الشمس.. ماذا أيضاً؟.. طبعاً لا بد من الماء.. الكثير منه.. حقيبة الظهر هي أسهل الطرق لحمل الماء طبعاً حتى لا تتحرك بسهولة.. يلا بينا.. إلى البتراء.
هذه هي البتراء.. ثاني عجيبة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، أزورها في هذه الرحلة.. جعيتا في لبنان والبتراء في الأردن.. وقد جاءت في المركز الثاني في عجائب الدنيا السبع الجديدة في 7 يوليو 2007..
كلمة "بتراء" تعني الصخر في اللغة اليونانية؛ ذلك لأن البتراء هى مدينة كاملة منحوتة في الصخور والجبال التي تكتسب لوناً وردياً جميلاً.. بناها الأنباط في العام 400 قبل الميلاد لتكون عاصمتهم، وقد بقيت عاصمة دولتهم حتى العام 106 ميلادياً، وامتدت دولة الأنباط من شمال دمشق حتى البحر الأحمر جنوباً، ومن حدود الفرات شرقاً حتى صحراء عسقلان غرباً..
انتهت الأنباط على يد الرومان الذين حاصروها وقطعوا عنها المياه، وتكفلت الزلازل عبر التاريخ بهجر السكان للمدينة الوردية -كما يسمونها- ونسيها التاريخ تماماً حتى جاء الرحالة السويسري جوهان بيركهارد عام 1812م متتبعاً حكايات المحليين حتى وصل للبتراء وقدمها للعالم أجمع.
البتراء تحفة فنية داخل الصخور.. لا بد أن تراها بنفسك حتى تفهم سر هذا التناسق الرهيب في الألوان بين الصخور والجبال، وكيف تدخّلت يد الفنان البارع لتصنع منها أشكالاً وقباباً وقصوراً جميلة بقيت عبر التاريخ، وكيف جعلت من الجبال مدينة كاملة داخل الصخور..
والبتراء مقسمة لمناطق كثيرة تشير لها الخريطة التي يعطونها لك في المدخل.. عليك أن تتتبع الخريطة لتعرف ما أنت بصدد مشاهدته وأهميته وما يرمز له.
كل شيء يبدأ بالسيق.. هناك من يؤجر الخيول والجمال؛ لكن الأفضل أن تأخذها على قديمك.. تمضي في السبق؛ حيث تظل سائراً في ممر طويل بين الجبال.. أحياناً يتسع كثيراً وأحياناً يضيق كثيراً.. تظل سائراً سائراً، ثم تجد نفسك فجأة في وادي ضيق محصور بين الجبلين لا يتجاوز عرضه عدة أقدام، لا تلبث أن تتجاوزه لتجد نفسك في ميدان واسع يزينه المشهد الأعظم.. الخزنة..
بناء وردي ضخم منحوت في الصخر يذكرك بواجهات المتاحف الفرعونية مع الاختلاف الكبير.. بناء عظيم هائل الحجم تقف أمامه تتأمله كيف صمد بكل هذه الدقة وهذه العظمة؛ كل هذه السنين يتألق لونه الوردي تحت أشعة الشمس الذهبية..
ولن تندهش كثيراً عندما تعرف أن هذه اللوحة الفنية المجسمة بنيت لتكون قبراً لأحد ملوك الأنباط.. فقط تذكر تاج محل والأهرامات لتعرف كيف جعل القدماء من القبور شهودا عظيمة للتاريخ!
والبتراء كبيرة.. أكبر من أن تراها كلها في يوم واحد.. مدينة صخرية متكاملة عامرة بالمغارات العجيبة والواجهات والمسارح والمعابد.. كلها مظاهر بناها الأنباط لتزيين عاصمتهم ومركز تجارتهم؛ حيث تنطلق القوافل التجارية المحملة بالتوابل والبخور والتمر والذهب والفضة والأحجار الثمينة -القادمة من الهند والجزيرة العربية- للاتجار بها غرباً.
في يومنا التالي لزيارة البتراء كنا شغوفين لأن نبدأ نرى ما لم يسمح لنا الوقت لرؤيته في الزيارة الأولى.. ومنه كان ذلك الجزء من الجبل الذي يمنع الدخول فيه بدون دليل..
حينما ترى لافتة تقول كلماتها: "ممنوع منعاً باتاً تجاوز هذه العلامة"؛ فهذه دعوة لا يمكنك رفضها لأن تتجاوز هذه العلامة.. جاء الاقتراح من أحد رفاق الرحلة فتحمس الكل..
انتظرت أن يعترض أحد أو يتساءل: هل تخاطرون بحياتكم بهذه السهولة في هذه الصحراء الشاسعة؟.. لم يعترض أحد فلم أعترض بدوري.. لا يمكن أن أكون أنا الجبان هاهنا، وهم من يعتبرونني ابن المنطقة بصفتي العربية فحسب. "أشجع المغامرات قام بها أناس خشوا أن يبدوا جبناء أمام الآخرين".. من القائل؟
وانطلقنا في الجانب الممنوع من البتراء.. جبال.. مزيد من الوديان الضيقة جدا التي تتسع فجأة، ثم تضيق أكثر حتى ينبغي عليك أن تقفز حواجز وتتسلق صخوراً حتى تواصل السير.. لا نزال نعتمد على الخريطة مخمنين -مجرد تخمين لا أكثر- أننا ندور الآن حول المدينة الصخرية، وسنخرج من هذا الوادي لنجد أنفسنا في الجانب الآخر..
صحيح أننا صرنا وحيدين في هذا الوادي بعيداً عن السياح والبدو والأمن؛ لكن روح المغامرة تملكتنا، وتجعلنا نواصل السير والتسلق ومساعدة بعضنا البعض، حتى رأينا أخيراً سيدة من البدو تفترش الرمال وتعرض هداياها الحجرية البسيطة.. ما معنى هذا؟ هل تتوقع هذه العجوز زبائن هنا؟
ومع البدو يبدأ فاصل جديد من الكرم العربي.. تعد لنا العجوز الشاي مع ابنتها البنت الصغيرة التي لا تتجاوز العاشرة من سنها.. شاي بدوي على الفحم.. أتبادل حديثاً معهما.. يعرفان كلمات إنجليزية قليلة تمكّنهما من التعامل مع السياح، وطبعاً كنت الوسيط بين أصحابي وبينها كي نتعرف أكثر عن حياتها.. تحيا وسط الجبال، وتكسب قوت يومها من هذه الهدايا البدائية التي صنعتها وتبيعها للسياح.. شربنا الشاي والتقطنا الصور مع ابنتها الصغيرة، واشترينا منها بعض الهدايا.. بعد بعض الفصال طبعاً.. صار أصدقائي بارعين فيه أيضاً، ولم يطلبوا مساعدتي هذه المرة!
أكدت لنا العجوز أننا نسير في الطريق الصحيح وأننا -والحمد لله-لم نضل طريقنا بعد.. نواصل السير بين أحياء المدينة الصخرية العجيبة، حتى نرى بشراً من جديد.. نرى سياحاً.. نرى مزيداً من البدو.. لقد عدنا من جديد إلى قلب البتراء.
واقرأ أيضاً:
مملكة الصحراء(2)..الجانب الآخر من البحر الميت
مملكة الصحراء (1).. عمان روما العرب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.