هل تشن إسرائيل حربا جديدة بصفة عامة؟ وضد من ستكون هذه الحرب؟ هل ستكون ضد إيران بسبب برنامجها النووي وصواريخها القادرة على الوصول إلى تل أبيب؟ أم ستكون ضد حركة حماس بالرغم من التزامها باتفاق الهدنة معها؟ أم ستكون ضد "حزب الله" بصفة خاصة ولبنان بصفة عامة؟؟ سبب هذه التساؤلات جميعا هو أن إسرائيل منذ انتهاء حرب يوليو تموز ضد "حزب الله" عام 2006 تعدّ العدة لاستعادة هيبتها المفقودة والتي فضحها تقرير لجنة فينوجراد التي اعتبر أنها لم تنتصر عسكريا، أو بمعنى آخر لم تحقق أهدافها المنشودة.. ومن ثم يتعين عليها حسب التقرير العمل على استعادة هذه المكانة المفقودة عسكريا.. فالجيش الإسرائيلي نجح في إعادة هيكلة القوات العسكرية والتدريبات اللازمة لشنّ الحرب، كما أكدت المناورات الإسرائيلية التي أجريت خلال الأشهر الماضية استعداد الجيش للقيام بعملية عسكرية ضخمة يمكن أن تطال لبنان عامة و"حزب الله" بشكل خاص. كذلك فإنّ التدريبات الأخيرة التي أجراها الجيش في إطار ما عرف باسم "القبة الفولاذية"، لمواجهة صواريخ الكاتيوشا، قد أثبتت فعاليتها. لذا فحسب بعض المحللين العسكريين فإن الجيش الإسرائيلي قد أعدّ خططاً جديدة للعمليات العسكرية من خلال الاستفادة من أخطاء حرب تموز، لكن بعض المعاهد والمراكز الاستراتيجية الإسرائيلية في المقابل أعدّت دراسات تقول إن باستطاعة الجيش الإسرائيلي تدمير لبنان والمنشآت الحكومية والقيام بعملية عسكرية ضد "حزب الله"، لكن نتائج هذه العملية ليست مضمونة، وتحقيق الانتصار على "حزب الله" ليس مضموناً؛ لأنه غير معروف كيف سيكون رد الحزب وحجم الصواريخ الجديدة لدى الحزب، التي يمكن أن تصل إلى كل المناطق في إسرائيل. وبالرغم مما سبق فإن الوزير الإسرائيلي يوسي بيليد والذي كان يشغل منصب القائد السابق لمنطقة شمال إسرائيل العسكرية قد حذّر مؤخرا من إمكانية وقوع حرب جديدة بين بلاده و"حزب الله"، لكنه لم يعرف متى ستقع على اعتبار أن هذا الأمر من اختصاص القيادة السياسية في تل أبيب. هذه التصريحات ترجع إلى خوف إسرائيل من إمكانية حدوث رد فعل انتقامي من جانب "حزب الله" ضدها في الذكرى الثانية لاستشهاد عماد مغنية القائد العسكري البارز في "حزب الله" والذي تم اغتياله في سوريا في 12 فبراير 2008 على أيدي الموساد، وهو ما دفع الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر إلى التوعد بالانتقام له... خوف لبناني- إسرائيلي في الحقيقة هناك خوف لبناني إسرائيلي من إمكانية وقوع حرب جديدة بين إسرائيل و"حزب الله".. فلبنان يرغب في أن يشهد حالة من الاستقرار السياسي المفقود، والذي ضرب البلاد بعد حرب تموز بسبب الخلاف السياسي بين الحكومة والمعارضة التي يقودها "حزب الله".. هذا الخلاف لم يحسم إلا من فترة قليلة، ومن ثم فإن حكومة الحريري حريصة على استمرار الهدوء في البلاد من أجل التفرغ للملف الاقتصادي خاصة بعدما دمرت الحرب الأخيرة البنية التحتية للبلاد.. وفي المقابل فإن إسرائيل بالرغم من أنها ترغب كما قلنا في استعادة مكانتها المفقودة بعد حرب تموز، إلا أنها تخشى المواجهة مع "حزب الله" بسبب ما يتردد من مخاوف بشأن رد الفعل المتوقع من الحزب، والذي يمكن أن يكون خارج حساباتها، وهو ما يمكن فهمه من تصريحات نصر الله الأخيرة التي أشار فيها إلى أن قواته "ستغير وجه منطقة الشرق الأوسط" إن دخلت إسرائيل حربا جديدة مع لبنان. لذا فإن إسرائيل كما سبق القول يمكن أن تبدأ الحرب، لكن لا تعرف متى تنتهي، وما هو حجم الخسائر المتوقعة منها.. ولعل هذا ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على غير عادته إلى إصدار بيان يؤكد فيه أن "إسرائيل لا تسعى إطلاقا لمواجهة مع لبنان، وتريد السلام مع هذا البلد كما مع جميع جيرانها". إذن هذا الخوف الإسرائيلي له مبرراته خاصة بعد التقرير الخطير الذي أعده الكولونيل روبي سندمان، رئيس شعبة التطبيقات في سلاح البحرية في الجيش الإسرائيلي، حيث خلص في تقريره التقييمي الذي نشرته مجلة "معرخوت" التابعة للجيش، إلى أن "حزب الله" تفوّق في حرب تموز على الجيش الإسرائيلي في مجالات الاستخبارات والإستراتيجية ونظرية القتال"... هذا التقرير كان خلاصة استطلاع أراء قادة بارزين في الجيش بلغ عددهم 24 قائدا... واعتبر التقرير أن تفوق سلاح الجو الذي يعول عليه الإسرائيليون في تفوقهم العسكري على "حزب الله"، لم يعد له دور حاسم؛ لأن مدى صواريخ "حزب الله" المتطورة جعلت "هذا السلاح قليل الفاعلية". لذا حذّر ساندمان من أن الجيش بحالته هذه "لن يكون قادرا على منع الآلاف من أفراد "حزب الله" من التسلل إلى عمق إسرائيل في الحرب القادمة بينهما.. ففي هذه الحرب من المحتمل أن يرسل الحزب مئات من الفرق، كل فرقة مكونة من 4 أو5 مقاتلين مسلحين ببنادق قناصة وصواريخ مضادة للدبابات في الجليل (شمال إسرائيل)، مضيفا أن قدرات هذه الفرق ستحصل على دعم سكان بلدة الجليل من العرب"، موصيا في هذا الصدد القيادة العسكرية بأن "تسارع على الفور في تشكيل فرق استطلاع خاصة تضم صفوة من كوادر الجيش تنتشر في المدينة استعدادا لمواجهة هذا التسلل المحتمل". أمريكا..لا تتخليْ عنا وفي رسالة وجهها إلى الولاياتالمتحدة حذّر ساندمان واشنطن من مغبة أي تهاون في تقديم معونات عسكرية لإسرائيل كالتي قدّمتها لها في حربي 1973 و2006، قائلا إن "حرمان إسرائيل من هذا الدعم سيؤدي إلى تراجع دعم المجتمع اليهودي للإدارة الأمريكية الحالية، كما ستضطر الحكومات الإسرائيلية في المستقبل إلى تغيير سياساتها على أساس أنها ستصبح دولة بلا حليف قوي يدعمها". وكنتيجة لذلك أوصى ساندمان قيادته العسكرية بأن "تطلب من الولاياتالمتحدة أن تزيد من تكديس الأسلحة في المستودعات العسكرية الإسرائيلية حتى لو اضطرت إسرائيل إلى دفع ثمن صيانتها". كما أوصى ب"أن تكثف واشنطن من تدريباتها المشتركة مع إسرائيل قدر الإمكان... فهذا الدعم إذا توفر يمكن أن يشكل ردعا للأعداء، يجعلهم يفكرون كثيرا قبل أن يشنّوا أي هجوم على إسرائيل". إذن معنى هذا أن إسرائيل تحلم بالقضاء على "حزب الله"، لكنها تخشى من رد فعله، وبالتالي فإن عليها إما الصمت وعدم الحديث عن الحرب معه إلا في إطار ما يعرف بالحرب النفسية والإعلامية فقط، أو البحث عن جبهة أخرى أضعف... وفي هذه الحالة قد تكون هذه الجبهة هي حماس بفرض أنها ضعيفة، مع أن تقديرات المحللين العسكريين تقول غير ذلك.